إنها أعظم إمبراطورية عرفتها البشرية في العصر الحديث فكيف أصبحت بهذه القوة؟ كثير منا لا يعلم عن الولايات المتحدة سوى جورج واشنطن وأنه أحد أنبياء العرق الأنكلوسكسوني ولا يعرف ماذا يدعى هذا الرجل عند السكان الأصليين فهو يعرف بهدام المدن ولا يعرف عنها سوى أنها أرض الحريات والتقدم ونصرة المظلومين وقد رأينا مشهدًا بديعًا في بني غازي وطرابلس برفع العلم الأمريكي مع سقوط القذافي وأنها هي المخلص من الظلم والطغيان، ومشهدًا بديعًا آخر رأيناه من العراقيين عند سقوط صدام برفع العلم الأمريكي في الميادين العراقية وأسطح المنازل وغيرها من الأمثلة فعلى رأي الدكتور إسماعيل علي محمد:

«حقًا إنها نظرة جديدة ولكنها من أعمش ينظر ولا يبصر».

وصدق الله القائل «وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون»، نعم إنه ضيق الأفق وقصر النظر يتجلى على أمم ولا حول ولا قوة إلا بالله. فما هي الأسس والمبادئ التي تقوم عليها أعتى الحضارات على وجه الأرض؟ هذه المبادئ تتلخص في الآتي:

١- الجغرافيا الحيوية.

٢- المجال الحيوي.

٣- حق التضحية بالأمم.

٤- عقيدة التفوق العرقي الأنكلوسكسوني.

٥- المخدرات غذاء العالم الثالث وبأموالها تمول عمليات الانقلابات في العالم الثالث.

٦- اغتيال الديمقراطية.

الجغرافيا الحيوية يوضحها الأستاذ منير العكش، بأن المكان الجغرافي للدولة المتفوقة كائن حي ينمو باستمرار ولا يموت طبعًا، لذلك دولة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعترف كل منهما بحدود جغرافية وليس في دستورهما أي إشارة إلى ذلك وهذا يظهر عقيدة هذه الدول أنها كائن حي ينمو ويتغذى على من حوله من جغرافيا حتى لا يموت هذا الكائن الحي.

والعقيدة الأمريكية تتمحور حول وجوب أن تكون أمريكا إمبراطوريه كونية، وعرفها آرثر بيرد عام 1899بأنها ستكون بعد مئة عام جمهورية كونية يحدها من الشمال القطب الشمالي ومن الجنوب قارة أنتاركتيكا (القطب الجنوبي) ومن الشرق الإصحاح الأول من سفر التكوين ومن الغرب يوم القيامة، يا له من وصف مبدع وطموح لا سقف له.

أما المجال الحيوي فإن الاقتصاد الأمريكي يحتاج أن ينمو على غيره من اقتصاديات العالم الثالث وثرواته والقضاء على أي اقتصاد ناشئ يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر، إنها حضارة متكاملة لا ينقصها جانب من جوانب الشر.

ولكي نعرف أن أول ما يعلمه قادة وكالة المخابرات الأمريكية للمتدربين في الدرس الأول هو قول «نحن بحاجة إلى عاملين عدوانيين ويحبون العنف ويستخدمونه لإرغام الآخرين على فعل ما نريد» هذا الدرس الأول ويا لها من حضارة لا تضيع وقتها.

وعلى هذه الدروس يتربى أبناء الحضارة الأمريكية على التحرك لتنفيذ مخططات الجمهورية الكونية في اغتيال الديمقراطية واغتيال إرادة الشعوب واغتيال رموز النهضة والتنمية في العالم الثالث، وإثارة النزعات القبلية والعرقية والدينية واغتيال الزعماء والعلماء وتدمير الاقتصاديات الناهضة والناشئة والتخطيط للانقلابات العسكرية وتجنيد الصحفيين والإعلاميين والفنانين.

وسوف نفصل لهذا في المقالات التالية وسنذكر ما فعلته الجمهورية الكونية في إيطاليا حين دعمت منتجي الهيروين في مارسيليا وبورما وغرب صقلية لضمان تزوير الانتخابات الإيطالية وضمان فوز الحزب الديمقراطي المسيحي بأغلبية تضمن له تشكيل الحكومة الإيطالية حتى لا يصل الشيوعيون للحكم.

وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة رعت في أمريكا اللاتينية منذ عام 1950 حتى 1975، 25 انقلابًا عسكريًا، بل وصل الأمر بالجمهورية الكونية إلى تكوين جيوش من المرتزقة لإسقاط الدول والحكومات كما تفعل الإمارات وإيران فكلها دول نشأت من سفاح.

ولنا في جيش الكونترا في أوروجواي مثال، فقد قامت المخابرات الأمريكية بتكوين هذا الجيش وإمداده بالسلاح والأموال لمحاربة الدولة وإنهاكها عن طريق التحالف مع تجار الأفيون والهيروين ومنحهم حمايتها وقدمت لهم طائرات شركة الطيران التابعة لها (إير أمريكا) لنقل شحنات الأفيون لتوفير الدعم المادي لجيش الكونترا وإنشاء مصنع للسلاح لهذا الجيش.

فقد أنشأت مصنعًا للسلاح في ولاية نيو جيرسي ولكن لضغوط الكونجرس تم الاتفاق مع الحاكم الشاب لولاية أركنساس وهو بيل كلينتون لنقل المصنع إلى ولايته سرًا وإنشاء قاعدة سرية داخل الولاية لتدريب عناصر الجيش على مهام الهبوط والإمداد إضافة إلى الموافقة على استخدام المطارات الريفية لتدريب طيارين الكونترا في مقابل دعمه بأموال الأفيون والهيروين حتى يحقق نهضة في ولايته للقضاء على البطالة والفقر، الأمر الذي مهد لوصوله لسدة الحكم.

الجمهورية الكونية علمتنا أهمية الوقف (كما هو الحال في الأوقاف الإسلامية) فجعلت من الأفيون والهيروين وقفًا للإنفاق على العمليات القذرة وتمويل الانقلابات.

وجعلت من شركة كارلايل التي يقع مقرها في واشنطن التي يبلغ رأس مالها 13.9 مليار دولار «وقفًا» للإنفاق على المجتمع المخابراتى الأمريكي، كما جعلت من السعودية «وقفًا» عبارة عن بقرة حلوب كما صرح رئيسها دونالد ترامب لإنقاذ اقتصاد الجمهورية الكونية من أي انهيار محتمل والـ400 مليار دولار ليست منا ببعيد وصندوق «سوفتبنك فيجن»، وربط سعر البترول بالدولار لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي والمنح السعودية وإنشاء القواعد العسكرية الأمريكية داخل الولايات المتحدة على نفقة السعودية والمستشفيات ودعم الحملات الانتخابية، والعجب أن المواطن السعودي صاحب النجابة والألمعية يرى أن السعودية بيت مال المسلمين، أين الثري من الثريا وأين التراب من التبر.

لم تكتف هذه الإمبراطورية العفنة من تخريب كل مظاهر الإنسانية حتى شملت عملية التخريب الفن، فتبنت ما يعرف بالفن الحديث أو الفن التجريدي ليكون فنًا عالميًا لتخريب موروث الحضارة الإنسانية هذا الفن ألا شيء استخدمته الولايات المتحدة في تفتيت المجتمع الإنساني وضبط إيقاع الحياة اليومية في نسق بعينه، وتنميط الأشخاص ذلك التنميط الذي يؤدي إلى طمس معالم الأصالة الحضارية لكل بلد وضياع معالمها، وهو نوع من أمركة العقول والعادات.

محاولة منهم لتغيير العالم ليصبح هناك ثقافة دولية وديانة دولية ومملكة دولية كما تسميها المنظمات الصهيونية بـ«العمل الأعظم» أي عملية تحويل العالم، في هذه السلسلة سنبين ماذا فعلت هذه الحضارة في الإنسانية منذ نشأتها إلى يومنا هذا.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

أمريكا

المصادر

أمريكا والإبادات الجنسية (منير العكش)
لعبة المخابرات الأمريكية (عبد القادر شهيب)
أمريكا والإبادات الجماعية (منير العكش)
لعبة الفن الحديث (د/ زينب عبد العزيز)
عرض التعليقات
تحميل المزيد