ما زال يطمح الكثيرون من سكان البلاد المتخلفة بالهجرة إلى الغرب، على أساس معلومات عن الفجوة في فرص العمل، ومستوى المعيشة، وجودة العلاقات بين الناس. صحيح أن الفجوة ما زالت موجودة، ولكن توجد معلومة مهمة جدًّا تنقص هؤلاء الحالمين، ألا وهي التصنيف الطبقي الجامد للمهاجرين من بلاد متخلفة.
يبالغ الحالمون في فكرتهم عن الوضع في البلاد الغربية التي يطمحون للهجرة إليها، فيظنونها جنة في الأمن والعدل والأخلاق، ولا يعلمون أن هذا نتيجة تأثير بروبجندا خلقتها خصيصًا اقتصادات الغرب لجذب الحالمين السذج لكي يطمحوا إلى الهجرة إليها ويقدموا قوة عملهم ومهاراتهم بأثمان رخيصة نسبيًّا، مما يعود بالفائدة على اقتصادات وشعوب البلاد الغربية.

الصدمة

يصدم المهاجر من بلد فقير إلى بلاد الأوروبيين (بما فيها المستعمرات الجديدة: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) بأن موقعًا ينتظره في تصنيف طبقي وضيع، مترسخ وجامد، مهما ترقى في الوظائف، ومهما امتلك من أموال، يظل تصنيفه الطبقي منحطًا كإنسان كادح جائع غدر به الزمان وأجبره على ترك دياره وأهله لكسب لقمة العيش، في ظروف تحتقره ولا تراعي مصالحه و مشاعره. كثير من المهاجرين هم من المنتمين للطبقة فوق المتوسطة، ويعاملون كأسياد في بلادهم، ولكن وضعهم غير ذلك في بلاد المهجر في الغرب الذي لا يفرق بين الأصول الطبقية للمهاجرين من بلاد متخلفة، فالذي أصله خادم كالذي أصله سيد. سيعتبرون جميعهم «عالمًا ثالثًا».

حتى ظهر شعار جديد في الغرب الآن يقول «Import the third wirld، become the third world» أو «استورد العالم الثالث، تصبح العالم الثالث»، مما يعبر عن كراهية عامة للمهاجرين من البلاد المتخلفة. الجنسية الأصلية للشخص وقعها مثل وقع الماركة المسجلة، تؤثر في استيعاب عموم الناس له بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية ووضعه الشخصي، و أدائه في الحياة. هذا يولد العقد لهؤلاء المهاجرين، ويخفض من جودة حياتهم، على عكس ما استهدفوه بهجرتهم.

النموذج فشل وانتهى

نموذج الهجرة إلى الغرب الذي ما زال يحلم به الكثيرون من البلاد المتخلفة هو نموذج في رأيي فشل وانتهى، بخاصة للمنتمين للطبقة فوق المتوسطة في البلاد المتخلفة، إلا في حالات الضرورة (مثل في حالة اللجوء السياسي مثلًا). صحيح جودة حياتهم الاقتصادية قد ترتفع شيئًا ما، ولكن جودة حياتهم بشكل كلي ستنخفض؛ لأن المستوى الاجتماعي و السياسي سينخفضان بسبب انتمائهم الطبقي السفلي الجديد. حتى لأفراد الطبقة المتوسطة، لم تعد الهجرة للغرب حلًّا بسبب ما سيجدونه من استضعاف وسوء معاملة، والذي هو في تزايد بسبب تفاقم التناقضات والعداوة بين الأوروبيين الأصليين وبين المهاجرين. الأفضل لهم هو الهجرة في الطبقة الاجتماعية أو ما أسميته بـ«الهجرة الرأسية»، بدلًا من الهجرة في الجغرافيا أو «الهجرة الأفقية».

 هذه الهجرة بالرغم من صعوبتها فهي أوقع وأيضًا أسهل، وستحقق أهدافها في رفع مستوى المعيشة وتقليل ضغوط الحياة، مقارنة بالهجرة إلى الغرب الذي خلقت فيه طبقة مترسخة منحطة للمهاجرين، يلقون فيها كلهم بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية في بلادهم الأصلية. البلاد المتخلفة تنمو اقتصاديًّا بسرعة في ظل شيوع الفوضى الاجتماعية والسياسية مما يخلق الكثير من الثغرات التي يمكن استغلالها في الصعود الاجتماعي، مقارنة بالبلاد الغربية المستقرة ذات المرتبية الاجتماعية الجامدة والموقع الاجتماعي السياسي المستقر بطيء التحرك لكل شخص.

الوحيد الذي يمكن أن يستفيد من الهجرة إلى الغرب هم المنتمون للطبقة الفقيرة المعدمة في البلاد المتخلفة، فالفرد المهاجر من هذه الطبقة ستتحسن ظروفه اقتصاديًّا بلا شك، ولن يهتم كثيرًا بوضعه الاجتماعي السياسي المنحط في بلاد المهجر في الغرب، لأنه متعود عليه في بلده الأصلية. لهذا السبب، نجد أكثر المهاجرين للغرب حاليًا من المنتمين لهذه الطبقة. بمعاييرهم الوضيعة وتصرفاتهم المنحطة، قللوا من جودة الحياة في الغرب، وأضروا (أكثر ما هي مضرورة) بسمعة كل من هو مواطن في هذه البلاد التي أتوا منها وأدوا للزيادة في كراهية المهاجرين، وغذوا التيارات السياسية والعقائدية المعادية للمهاجرين غير الأوروبيين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

هجرة
عرض التعليقات
تحميل المزيد