لا بد أن فصلا مهما من التاريخ السياسي كان معبرا في كل تجلياته عن الصراع المحموم بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، في حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين، وربما كانت أهم مظاهر هذا الصراع ذات أبعاد عسكرية وسياسية واقتصادية، وهي ذاتها الأبعاد التي أخذت نصيب الأسد من التغطية الإعلامية والكتابات والتحاليل الصحفية، ولكن بعيدا عن الأحاديث السياسية والملتقيات الاقتصادية والأحلاف العسكرية، كان هناك صوت أقوى وأعظم تأثيرا، هناك في مقاطعة لوس أنجلس، ألا وهو صوت هوليود والصناعة السينمائية والتي استطاعت من خلالها الولايات المتحدة منفردة أن تصنع في عقول وأذهان المتلقين والمهتمين بهذه الصناعة الضخمة صورا نمطية لألد أعدائها وأصدقائها المقربين، استطاعت هوليود أن تخدم الأمة الأمريكية بسلاح ناعم مؤثر في الرأي العام الداخلي والخارجي، وقد وقفت هوليود في خدمة قوات التحالف ضد النازية، وفي جميع الصراعات العسكرية التي خاضتها القوات الأمريكية في العالم، كالحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، والحرب الباردة، وحرب العراق، وأفغانستان، وفي كل مرة كانت هوليود تقدم لنا صورة ناصعة لأمريكا وجيشها الذي لا يقهر.
تناولت هوليــود روسيا حاضرا وسابقا أيام الاتحاد السوفييتي وعملت السينما الأمريكية على ترسيخ صورة نمطية مفادها أن الروس هم دائما أبناء الشيطان وخدمه، وأنهم مجموعة من المجانين الذين لن يتوانوا عن تدمير الأرض والإنسانية من أجل إرضاء غرورهم، في حين يقف في الجهة المقابلة الأمريكي النبيل الذي يحمل كل مبادئ الخير والأخلاق، ويسعى إلى الوقوف ضد مخططات الروس الأشرار، وقد تجسد الأمر في فيلم Rambo 3 من إخراج Peter MacDonald وبطولة الممثل الأمريكي سلفستر ستالون، ويعالج الفيلم أحد أهم حلقات الصراع الأمريكي السوفياتي في أفغانستان حيث يقطع المحارب السابق في الجيش الأمريكي إجازته في تايلندا لدعم المجاهدين الأفغان ضد المحتل الروسي، ويسطر الفيلم ملاحم وبطولات أمريكية خيالية، حيث ينتهي الفيلم عندما يقتل سلفستر ستالون زعيم الجيش السوفياتي وانتصار الأفغان
Rambo (3) -1
ولا بد أن جورج بوش الأب قد أصاب عندما قال أن “الهمبورجر والجينز وهوليوود وشركات السجائر هي التي حسمت الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية”. فدور أمريكا في العالم لا يختلف كثيرا عما يفعله الروس، ولكن الفرق أن أمريكا تستطيع أن تؤثر في الملايين من الناس الذين لا يقرؤون، وتقنعهم بوجهة نظرها، وأنها الخير المطلق.
في فيلم A Good Day to Die Hard للمخرج جون مور وبطولة بروس ويليس والذي يصور من خلالها موسكو على أنها مدينة للموت والفوضى والجريمة المنظمة لكن الشرطي جون ماكلين الذي قرر زيارة ابنه يجد نفسه أمام تحد كبير خاص، بعد أن يكتشف أن ابنه أرسل في مهمة من جهاز المخابرات الفيدرالي لإيقاف أعمال إرهابية تستهدف الأمة الأمريكية، ورغم بطش وسطوة المافيا الروسية إلا أن الشرطي الأمريكي وابنه ينجحان في كسر هذه السطوة والغرور وإيقاف المخطط الإرهابي وسرقة أسلحة نووية.
2-يوم مناسب للموت القاسي (A Good Day to Die Hard)
ويعمق فيلم سلاح الجو واحد نظرة الاستعلاء التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية، والسيطرة والمثل العليا، الفيلم من إخراج فولفغانغ بيترسون وبطولة الممثل الأمريكي هريسون فورد ولا يختلف في نظرته كون روسيا منبعا للإرهاب والأشرار الذين يحاولون تهديد الأمن القومي الأمريكي، ويظهر من خلال الفيلم بؤس السلطات الروسية وعدم قدرتها على توفير الأمن في أقاليمها، وهو الأمر الذي حدا برئيس الولايات المتحدة أن يحتفل؛ لتمكن القوات الأمريكية والروسية من اعتقال الإرهابي الجنرال إيفان راديك، وتقديم خطاب سيادي في روسيا بعدم التفاوض مع الإهابيين، وعند عودة الرئيس الأمريكي عبر طائرة سلاح الجو واحد تتعرض طائرته للاختطاف من طرف انفصاليين روس، وتبدأ الملحمة التي يشارك فيها الرئيس شخصيا للقضاء على الأوغاد الروس.
3– سلاح الجو واحد (Air Force One)
قول نينا خروتشيفا، الأستاذة في كلية “نيو سكول” في نيويورك، وهي أمريكية من أصل روسي، وتقيم في الولايات المتحدة، وحفيدة الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف: “لا تستطيع أن تشاهد فيلما في التلفزيون أو السينما دون أن تجد إشارة إلى الروس على أنهم أناس مروعون” وهي الصورة ذاتها التي دأبت السينما الأمريكية في تقديمها لعديد من الأقليات والدول، فمثلا لا يمكنك أن أفلاما أمريكية تقدم الأشخاص في أمريكا الجنوبية، كالمكسيك وكوبا على أنهم أفاضل. فالصورة النمطية لهؤلاء أنهم مجموعة من الحثالة والعصابات وتجار السلاح والمخدرات، كذلك بالنسبة للعرب المسلمين الذين شوهتهم هوليود في معظم أفلامها، فقد كشف جاك شاهين هذه الحقيقة في كتابه أنه على الرغم من الكم الهائل للأفلام التي أنتجت لا يوجد سوى 12 فيلما يقدمون العرب في صورة عادلة.
يتعجب البعض من المبالغ الطائلة التي تستثمر في هوليود ولكن الغايات المراد تحقيقها تتعدى الأموال؛ فهوليود هي السلاح الثقافي الذي تعتمد عليه أمريكا في تبرير همجيتها، والحروب التي تخوضها، ولعلني أقتبس بعض التصريحات التي أوردها جاك فالنتي الرئيس التنفيذي لجمعية الأفلام السينمائية في هوليود خاصة عندما قال: “واشنطن وهوليوود تنبعان من نفس الحمض النووي”. فهما يمثلان تكاملا عضويا ووظيفيا ويسيران في درب واحد، لا يمكن أن تخطئه العين، لن نستطيع أن نتكلم عن هوليود ونجاحها دون أن نقر أن البعبع الروسي الذي صنعته هذه السينما، كان جزءا مهما في جذب جمهور المتابعين لها ونجاحها بوصفه أضخم مصنع للأفلام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست