أصبح الجميع يعلم عن اجتياح فيروس جديد للعالم قد صنف على أنه وباء حيث تخطى عدد المصابين به حاجز المليون إصابة حول العالم!
لن نطيل الحديث عن الوباء فالجميع بات يعلم الكثير عنه وأردت أن أذكركم أعزائي القراء بتوصيات منظمة الصحة العالمية بعدم التجمع وعدم المصافحة والاهتمام بالنظافة نظرًا لسرعة انتشار المرض الذي يمكنه أن يصيب أكثر من ستة أشخاص في آن واحد وبناء على ذلك قامت معظم الدول التي وصلها الوباء بأخذ خطوات احترازية ووقائية للحد من انتشار المرض وتطويقه عن طريق فرض عزل تام على المواطنين لحمايتهم ولوقف انتشار الفيروس،
ولكن ما أدهشني في ظل هذه الظروف العصيبة وبعد إعلان عدد من الدول العظمى عن انهيار أنظمتها الصحية وعجزها التام عن المقاومة هو ردود فعل رجال الأعمال في مصر حتى أنني لا زلت أتساءل، هل فيروس الكورونا هو الوباء أم فيروس الرأسمالية؟
الجواب هو: كلاهما وباء، كلاهما مميت!
خاصة بعد أن اعرب بعض كبار الرأسماليين عن استيائهم من قرارت الحكومة المصرية الخاصة بحظر التجول ودعواتهم لممارسة الحياة الطبيعية في استهانة منهم بخطورة المرض والاستخفاف بحياة البشر في سبيل عدم تأثر أنظمتهم الرأسمالية بآثار الكبوة، تلك الأنظمة التي تسعى إلى تحقيق سيطرة شمولية مباشرة على السوق والمجتمع لتجنب الخسارة على حساب حياة الطبقة المقهورة!
وها نحن نرى رجل الأعمال «نجيب ساويرس» الذي دائمًا ما يثير الجدل بهلهلته على مواقع التواصل الاجتماعي يسلط الضوء على حكومة السويد حيث قال إنهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، واتخذوا بعض الخطوات الاحترازية بعيدًا عن المساس بالشركات واصفًا العالم الذي تكاتف لأول مرة للحد من انتشار المرض بالقطيع وكتب على صفحته «من سيكسب السويد أم العالم السويد؟ بلد العلم وجائزة نوبل» لتحرجه الصفحة التي عرفت نفسها على أنها «بوابة السويد الرسمية الناطقة باللغة العربية» وتكتب «أهلًا بكم، صحيح أنه من المبكر الحكم على إجراءات السويد والدول الأخرى وصحيح أنه لا يوجد حظر تجول في السويد، ولكن عبارة (أن يستمر الناس كلهم في الحياة اليومية العادية بدون أى تغيير) غير صحيحة ونسرد هنا بعض التغييرات» وأضافوا القرارات الاحترازية التي اتخذتها السويد لمقاومة الوباء، ليقوم متابعوه بالسخرية منه بعد أن سقط قناعه ليظهر الوجه الحقيقي الرأسمالي الذي طلي بالخوف من خسارة الأموال واستعداده للقيام بأي شيء لتجنب الخسارة حتى لو كان ذلك على حساب الأرواح البشرية.
وهناك أيضًا من كان أكثر وضوحًا من سابقيه أمثال رجل الأعمال «حسين صبور» إذ نادى بضرورة عودة العمل على الفور مشبهًا العودة للعمل بحرب أكتوبر، على اعتبار أن لكل حرب ضحاياها. ذلك عندما قال في حواره مع اليوم السابع «رجعوا الناس للشغل فورًا.. لما شوية يموتو أحسن ما البلد تفلس» ليعلن بذلك عن فيروس أشد فتكًا من الكورونا وهو فيروس الرأسمالية الذي اعطى لنفسه حق التضحية بأرواح أناسٍ من أجل الحفاظ على ثرواته!
لم تقف التصريحات الاستفزازية عند هذا الحد، فيبدو أن فيروس الرأسمالية سريع التفشى أيضًا كفيروس الكورونا، حيث خرج علينا عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال ليصرح بأن العامل يجب أن يتنازل عن جزء من راتبه وليكن 25% مثلًا حتى لا يثقل شركته فتقع في شبح الإفلاس، ولكن لماذا يا سيد عيسى دائمًا ما يكون العامل هو من يجب عليه التضحية؟
لطالما كانت الشركات تثرثر في حصصهم التعريفية عن وجوب الولاء لها وذلك لأنها بمثابة البيت الثاني لكل موظف، ولكل عامل على حد قولهم، ولكن ترى هل حان الوقت ليرد هذا البيت جزءًا من ذاك الولاء؟
في الحقيقة كان هناك رد واضح وصريح من تلك الفيروسات الرأسمالية عن هذا السؤال فكان منهم من قام بتصفية العمالة لديه ومنهم من قام بتخفيض رواتبهم ومنهم من فرض أجازة اجبارية مخصومَة الأجر لحين إشعار آخر لتغدو تلك الأنظمة أكثر فداحة وتدميرية، فلم يبقى لدى طبقة العمال المقهورة إلا أحد الخيارين، وهما: الموت من الوباء أم الموت من الجوع!
يبدو أن كلا الخيارين فرضو عليهم الموت، ولكنهم أعطوهم حق اختيار طريقة الموت.
إن حجم الذعر الذي وصلت اليه تلك الفيروسات الرأسمالية يوشك أن يودى بحياة الآلاف من الأُسر وإن لم تتدخل الدولة فإننا على وشك جريمة في حق الإنسانية تلوح بالأفق نتيجة تعسُف أرباب الأعمال الذين أصرو على استمرار عجلة الإنتاج والأرباح بوقود الدماء من أجل بقاء أنظمتهم الرأسمالية.
ولكن أية دولة التي ستتدخل إذا كانت أزمة هذا النظام في جوهرها هى أزمة بينته السياسية المشوهة وافتقاده الرشاد العقلاني اللازم لأي نظام حديث، خاصة إن كان هذا النظام في الأصل رأسماليًا، وطالما كان منحازًا إلى الطبقة العليا.
فيروس كورونا كشف لنا حقارة الفيروس الرأسمالي الذي حَكَمَ مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، بداية من تدمير الطبيعة إلى التَمييز الطَبقى واعتبار نفسه إلهًا بالتالى إن تدمير هذا الفيروس ضرورة قصوى وواجب إنساني للحفاظ على بقاء البشرية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست