بعد أن حل النجم المصري العالمي محمد صلاح رابعًا في استفتاء جائزة الفيفا لأفضل لاعب في العالم، قامت الدنيا في مصر ولم تقعد بسبب عدم ظهور اسم قائد منتخب مصر ومديره الفني ضمن المصوتين في الاستفتاء فضلا عن اختيار الإعلامي المصري هاني دانيال الصادم للكثيرين بعد أن وضع الدولي المصري في المركز الثالث لا الأول بعد كل من ماني ورونالدو.
أوضح عمرو الجنايني – رئيس اللجنة الخماسية المؤقتة المنوطة بإدارة اتحاد كرة القدم المصري – بعد ذلك بأن ما حدث كان خطأ غير مقصود في فترة انتقالية لاتحاد الكرة كانت بين فترتي مجلس الإدارة المستقيل واللجنة الخماسية المؤقتة التي يترأسها، حتى أنه أكد على محاسبة كل من أخطأ في أزمة التصويت، الفيفا بدوره أرجع عدم احتساب صوتي مصر لعدم وجود توقيع من المدير التنفيذي للاتحاد.
تفهم البعض ما حدث من قبل الاتحاد المصري بسبب إرسال التصويت في فترة انتقالية للاتحاد المصري، لكن ما لم يتقبله الكثيرون هو ما فعله الإعلامي المصري هاني دانيال بعد أن اختار محمد صلاح ثالثًا بين قائمة الأفضل في العالم.
دانيال برر اختياره بأنه يرى أن أداء كل من ماني وصلاح متقارب، لكن ماني استطاع أن يصل مع منتخبه إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية، وأكد أن الامر ليس شخصيا مع صلاح بدليل اختياره للأخير في المركز الأول قبل مودريتش ورونالدو في استفتاء العام الماضي.
إلى هنا انتهى دفاع هاني دانيال عن نفسه – إن جاز التعبير – أمام (جريمة) عدم التصويت لصلاح باختياره في المركز الأول التي صاحبتها اتهامات بالحقد إلى أن بلغ الغضب بالبعض بأن اتهموه بانعدام وطنيته
السؤال الذي يبرز وسط هذا الطوفان من السخط، هل كان يستحق صلاح لقب أفضل لاعب في العالم حقًا؟ ولو هل كان محبوه سيسعدون ويفرحون لو حصل على اللقب وهو لا يستحقه؟
من المؤكد قولا واحدًا أن صلاح في الموسم الماضي كان يختلف اختلافًا واضحًا عن الموسم الذي سبقه، في أول مواسمه مع ليفربول كان متألقًا ومتوهجًا بشدة أداء وتهديفًا حتى أن البعض رأوا فيه آنذاك اللاعب القادر على كسر هيمنة رونالدو وميسي على زعامة أفضل لاعبي العالم، الموسم الماضي شهد تذبذبًا ملحوظًا في مستوى صلاح ما بين بداية باهتة مع فريق ليفربول تبعتها استفاقة تدريجية في المستوى الذي لم يصل إلى مستوى الموسم الذي سبقه ونهاية بخروج مبكر مع منتخب بلاده من كأس الأمم الأفريقية مصحوب بأداء متوسط بدا متأثرًا بإجهاد الموسم الطويل وشابته الأنانية في بعض الأوقات.
وكان طبيعيًّا ألا يتواجد صلاح في القائمة النهائية لأفضل ستة لاعبين في الدوري الإنجليزي التي ضمت زميليه في ليفربول فان دايك وماني، فكيف للاعب ليس من أفضل ستة لاعبين في مسابقته المحلية، بل حتى ليس أفضل لاعب في فريقه أن يكون أفضل لاعبي العالم؟ بل هناك من يرى أن حصول صلاح على المركز الرابع في قائمة أفضل لاعبي العالم صاحبه ظلم واضح لماني صاحب المركز الخامس الذي فاق صلاح من كل الوجوه، تقاسمًا مع أوباميانج لقب هداف الدوري الإنجليزي مع الأخذ في الاعتبار أن بعض أهداف صلاح كانت من ضربات جزاء.
صلاح لم يتواجد في القائمة النهائية لأفضل لاعبي الدوري الأنجليزي التي ضمت ماني الذي كان أفضل من صلاح فضلا عن ثبات مستواه من بداية الموسم لنهايته، خرج صلاح مع منتخبه من دور ثمن النهائي في كأس الأمم الأفريقية بينما أكمل ماني الطريق مع منتخبه السنغالي حتى المباراة النهائية، رغم كل ذلك حل صلاح رابعًا قبل ماني صاحب المركز الخامس الذي رشحه البعض للتواجد ضمن القائمة الثلاثية النهائية لأفضل لاعبي العالم.
كل ما سردناه في السطور السابقة قد يكون بلا أية قيمة عند (رافعي شعار الوطنية)، وكأن لسان حالهم يقول لا شأن لنا بهذه الأرقام ولا نهتم بتحليل مستوى أدائه، ما دام قد ترشح الرجل ضمن المراكز العشرة الأولى فيجب أن يصوت له أي شخص يملك حق التصويت ضمن منظومة الكرة المصرية، بل ويجب أن يضعه في المركز الأول ليكون أفضل لاعبي العالم حتى ولو كان أقل المرشحين العشرة فنيا وليذهب التقييم الفني إلى الجحيم.
وهنا نأتي إلى السؤال الثاني، هل وجهة النظر هذه هي التي يُؤخذ بها في دول أخرى؟ لا سيما في الدول الأوروبية التي تفوقنا كثيرًا في كل شيء؟ ولا سيما في الدول الأوروبية التي ينتمي إليها بعض المرشحين العشرة في القائمة النهائية لأفضل لاعبي العالم؟
إذا ما ألقينا نظرة على الأصوات الهولندية سنجد أن الإعلامي الهولندي جاب دي جروت اختار فان دايك وميسي ودي ليخت على الترتيب ولم يختر مواطنه دي يونج ضمن المراكز الثلاثة الأولى، كذلك المدرب الهولندي رونالد كومان اختار فان دايك وميسي ودي يونج على الترتيب ولم يختر مواطنه دي ليخت ضمن المراكز الثلاثة الأولى، أما قائد المنتخب الهولندي فان دايك اختار ميسي وصلاح وماني ولم يختر مواطنيه دى يونج ودي ليخت رغم أن إعطاء صوته لزميليه في فريق ليفربول سيقوي موقفيهما وهما منافسان حقيقيان له.
ثلاثة لاعبين هولنديين دفعة واحدة ضمن قائمة أفضل 10 لاعبين في العالم ورغم ذلك لم يجتمعوا من خلال التصويت الهولندي، ولم يُسمع في هولندا بأن أحد هؤلاء المصوتين قد خان بلاده أو خذل علمها.
قد يقول أحد (رافعي شعار الوطنية) في مصر أنه لا يهمه أن يجتمع المرشحون الثلاثة ما دام المصوت قد رشح ابن بلده في المركز الأول، ولكن يبدو أن هذا القائل لم يتعرف على رأي الإعلامي البلجيكي كريستوف تيريور الذي جعل مواطنه هازارد حامل لقب الدوري الأوروبي في المركز الثالث بعد فان دايك وميسي، الإعلامي البلجيكي فعل تمامًا مثل الإعلامي المصري هاني دانيال ولم يُتهم بأنه يضمر حقدًا تجاه قائد منتخب بلاده.
ما هو أكثر من ذلك سنراه حينما نتفحص ترشيحات المصوتين الفرنسيين، الإعلامي الفرنسي جيرومي كازاديوه اختار ميسي وفان دايك ودي ليخت على الترتيب، نجم المنتخب الفرنسي الشاب إمبابي لم يدخل ضمن ترشيحاته مطلقًا، لم يضعه حتى في المركز الثالث كنوع من التأييد ومنعًا للحرج، قائد المنتخب الفرنسي الحارس الشهير لوريس هوجو اختار ميسي ورونالدو وإمبابي على الترتيب، لم يضع مواطنه في المرتبة الاولى، ورغم ذلك لم يتهمه أحد بإضمار الحقد والغيرة تجاه النجم الفرنسي الشاب، ولم يطالبوا مثلا بسحب شارة القيادة منه.
لنا أن نتخيل أن ترشيحات قائد المنتخب المصري المحمدي قد ظهرت في نتائج استفتاء الفيفا بعد اختياره لصلاح في المركز الثالث لا في المركز الاول الذي لا يستحقه بكل تأكيد، قد لا نجد من يطالب بسحب شارة القيادة من المحمدي فحسب، بل ربما وجدنا من طالب بسحب الجنسية المصرية منه بتهمة الخيانة العظمى، هوجو لوريس بالمناسبة لم يختر أيضا نجم فريقه توتنهام هاري كين ضمن أصحاب المراكز الثلاثة الأولى، ولم يتهمه أحد بعدم دعم نجم فريقه الإنجليزي، وكان وما زال قائد الفريق الإنجليزي وحارسه الأساسي حتى إصابته الأخيرة.
(رافعو شعار الوطنية) قد يجدون العجب العجاب عند المصوتين الإنجليز، وقد يرصدون ما لا تستوعبه عقولهم، الإعلامي الإنجليزي أوليفر هولت تمامًا كالإعلامي الفرنسي لم يختر مواطنه ضمن المراكز الثلاثة الأولى، بل اختار فان دايك وميسي ودي يونج ولم يختر هاري كين، المدرب الإنجليزي ساوثجيت تعامل مع الأمر بمهنية واحترافية ونحى جانبا الأهواء والعواطف إذ اختار ميسي ورونالدو ودايك على الترتيب ولم يختر قائد منتخب بلاده هاري كين، لم يفكر في تقديم دعم معنوي له ولم يدرج اسمه في قائمة الترشيحات النهائية ولو حتى باختياره في المركز الثالث، رغم أنه حل عاشرًا في القائمة النهائية إلا أن هناك مدربين وإعلاميين وقادة منتخبات اختاروه ليكون أفضل لاعبي العالم في المركز الأول، لا بأس، كانت وجهة نظرهم، ولكن المدرب الإنجليزي لم ير نفسه مرغمًا لإعطاء قائد منتخب بلاده ما لا يستحق من وجهة نظره، لم ير سببا مقنعا لكى يثبت للآخرين حبه لبلاده ومنتخبها من خلال إدراج اسمه في كشوف الوطنية عن طريق اختيار قائد منتخبه، ما هي ردود الفعل التي كانت من الممكن أن تحدث لو أن المدير الفني السابق لمنتخب مصر المكسيكي أجيري لم يرشح صلاح في المراكز الثلاثة الأولى أو اختاره ثالثا حتى، لربما طالب البعض بإقالته حتى لو فاز بكأس الأمم الأفريقية لأنه كان ناكرًا للجميل ولم يصن (العِشرة والعيش والملح).
النماذج التي ذكرناها في السطور السابقة سواء كانوا لاعبين أو مدربين أو قادة منتخبات تعاملوا مع الأمر ببساطة، فالأمر فعلا يخلو من تعقيد لا داعي له، عبروا عن آرائهم وقناعاتهم وفقط.
العجيب أن كثيرًا من مشجعي كرة القدم المصريين كانوا غاضبين من الجهاز الفني للمنتخب المصري بعد استبعاد لاعبين كانوا يرون أنهم الأحق لتمثيل منتخب بلادهم في كأس الأمم الأفريقية الأخيرة، كانوا يريدون العدل إذن وإعطاء كل مجتهد حقه، أليس كذلك؟ لم تغيرت وجهة النظر في استفتاء الفيفا؟ لم يريد البعض أن يأخذ لاعب ما لا يستحق لمجرد أنه مصري مثلهم؟ وهل كانوا سيفرحون فرحة حقيقية لو حصل صلاح على جائزة أفضل لاعب في العالم حتى لو اقتنعوا في قرارة أنفسهم بأنه ليس الأفضل؟، للأسف سيفعل البعض، نعم سيفرحون ولكنهم سيصبحون كمن فرح بفوز فريقه بهدف من تسلل واضح بغض النظر عن صحة الهدف وما أكثر هؤلاء بيننا.
ختامًا، انتشرت مقولة بين الناس مفادها بأن صلاح تضرر سلبيًا من عدم حصوله على أصوات كل من مدرب وقائد منتخب مصر ومن ترشيح هاني دانيال له في المركز الثالث لأن فرق هذه الأصوات كان سيمنحه 14 نقطة إضافية فتزيد النقاط التي حصل عليها لتصير أربعين نقطة بدلا من 26 نقطة، وبالتالي كانت هذه النقاط كفيلة ليتخطى رونالدو وفان دايك ويحصل على المركز الثاني بعد ميسي.
الشائعة تلقفها البعض – بما في ذلك صحفيون للأسف – وأخذ الكثيرون في تكرارها وترديدها وكانت بمثابة النار التي سكبت على وقود المشكلة التي تفجرت بين بعض الجماهير وأشعرتهم أن فرق النقاط أثر فعليًا على حظوظ صلاح في الاستفتاء.
من أطلق تلك الشائعة لم يكلف نفسه بالاطلاع على آلية اختيار الفائز بجائزة أفضل لاعب في العالم التي تمت من خلال تصويت أربع فئات هي قادة ومدربو المنتخبات والإعلاميون والجماهير بنسبة 25% لكل فئة، ويحصل اللاعب صاحب المركز الأول –بناء على حصده أكبر عدد من النقاط- في أصوات كل فئة على 12 نقطة، فيما يحصل صاحب المركز الثاني على 10 نقاط والثالث على 8 ويحصد الرابع 7 نقاط والخامس 6 نقاط والسادس 5، فيما يحصد السابع على 4 نقاط والثامن على 3 نقاط والتاسع على نقطتين، ويحصل صاحب المركز الأخير على نقطة وحيدة.
هذه النقاط النهائية هي التي حسمت الترتيب النهائي للاعبين، ميسي المتصدر حصد أكثر من 300 نقطة في كل فئة بينما حصل على 46 نقطة بعد تجميع النقاط النهائية، أما النقاط الأربع عشرة المبدئية التي كان سينالها صلاح لو تم احتساب أصوات كل من قائد ومدرب منتخب مصر ولو رشحه الإعلامي هاني دانيال في المركز .الأول فلم تكن لترتقي بصلاح مركزًا أعلى.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست