في مشهد عبقري جسده الفنان عادل إمام في فيلم عمارة يعقوبيان الرواية التي كتبها علاء الأسواني وأعد السيناريو وحيد حامد وشارك فيها أغلب نجوم الفن في مصر.
ذلك المشهد العبقري الذي جسده الزعيم وهو يتموج يمينًا ويسارًا وتحاول هند صبري أن تحقق له جزءًا من اتزانه بعد أن شرب الخمر حتى فقد عقله أو هكذا توهمت، في تلك الأثناء صاح عادل إمام بأعلى صوته قائلًا :«أنا أقدم واحد في العمارة دي»، مشيرًا إلى العمارة التي يقطن فيها منذ زمن بعيد وكيف تغيرت ملامحها، فحاولت هند صبري تهدئته قائلة الناس بتتفرج علينا ياباشا، قال لها بيتفرجوا علينا ليه يتفرجوا على الزبالة الي ملت الشوارع، مصر دي كانت الموضة بتنزلها في الأول وبعدين تنزل باريس، يبصوا على البلد اللي ضاعت، ثم قال مقولته الشهيرة التي جسدت حجم الألم: ≥إحنا في زمن المسخ».
ذلك الفيلم الشهير الذي كانت عمارة يعقوبيان بطلًا للفيلم، إحدى عمارات وسط القاهرة التي تغيرت ملامحها مع الحكم العسكري لمصر وعقب الانقلاب على الملك في 23 يوليو 1952.
هو واقع تعيشه مصر اليوم وما نتحدث عنه من مسخ ليس وهم ولكنه واقع مرير بتنا نعيشه وإن لم ندرِ.
فهناك مشاهد تؤكد لك بما لا يدع مجالًا للشك وإن كنت حتى لا تقرأ أو لا تريد أن تقرأ، كيف تغيرت الأمور وفي السطور القادمة سوف أطرح عددًا من المشاهد.
المشهد الأول: ما يسمى باللواء عبد العاطي الذي أعطى الأمل لمصر كلها بجهاز أعلن اختراعه يعالج مرضى فيروس سي وغيره من الأمراض وفي مؤتمر حضره الرئيس المعين من قبل الجيش عدلي منصور ووزير الدفاع حين ذاك عبدالفتاح السيسي، لم يتم محاسبه هذا الرجل ولا أحد يعلم مصير هذا الجهاز وأين هو الآن.
المشهد الثاني: خرج الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطاب من قلب قنال السويس ليعلن للعالم كله بدء العمل على حفر قناة جديدة هكذا أسماها الرجل، وقال نصًّا في خطاب تاريخي ويبدو غريبًا: «نأذن نحن عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية بدء العمل في حفر القناة الجديدة»، 6 أشهر مضت اليوم على إطلاق ذلك المشروع الذي تحدث الرئيس سابقًا أنه سيحل كل مشكلات مصر والنتيجه لا شيء، لم نر جنيهًا واحدًا ارتفع في إيرادات القناة بل هناك انخفاض ملحوظ بسبب تراجع أسعار البترول لكي تغير السفن مجرى مرورها إلى رأس الرجاء الصالح.
المشهد الثالث: الرجل العكش، الإعلامي الدكتور توفيق عكاشة أو كما يحب هو أن يسمي نفسه مفجر ثورة 30 يونيو الزعيم الملهم ومالك قناة الفراعين التي شئنا أم أبينا شكلت توجه الرأي العام وعبأته ضد الثورة (25يناير) في وقت من الأوقات وكانت أهم أذرع الانقلاب (3 يولو 2013) في وقت آخر.
فمنذ قيام الثورة المجيدة في 25 يناير 2011 وتوفيق عكاشة وحياة الدرديري يهاجمون الثورة والثوار وكل من له علاقة بالثوار بل وحتى كل من عبر من ميدان التحرير صدفة أثناء الثورة، الكل عندهم خائن وعميل، الكل يتلقى أموالًا من الولايات المتحده الأمريكية والكل يتاجر بدماء الشهداء الذين وصفوهم بالبلطجية، أيمن نور والبرادعي ومحمد محسوب وعمرو حمزاوي والإخوان و6 أبريل وكفاية وحملة البرادعي وحزب الغد وعلاء عبدالفتاح وأحمد ماهر ووائل غنيم والكل عنده خائن وعميل ويتلقى أموالًا من الأمريكان ويلتقي بالمسؤولين الإسرائيليين في واشنطن وجمعيات الصهيونية في أوروبا، كل هولاء وكل من على الأرض ثائر هو ماسوني بامتياز، خزعبلات كثيرة طرحها الملهم توفيق عكاشة، وإذا ذهبت إلى أي من قرى الريف سوف تصدم في واقع مؤلم فالكل يشاهد هذا الهراء دون توقف فالرجل بلغته البسيطه التي قال فيما بعد إنها كانت مدبرة مع رجال المخابرات لتلقين الشعب ما يريدون هم أن يلقنوه إياه وشرب الجميع الطعم وكان ساذجًا من ظن أن الرجل مجنون فهو عاقل ويدرك ما يقول ويعرف جيدًا أهدافه، منذ أيام التقى الرجل بالسفير الإسرائيلي في منزله بدلتا مصر وخرج بتصريحات هي الأكثر إثارة في تاريخ البرلمان المصري: «وعدت السفير الاسرائيلي بمليار متر مكعب من المياه حال نجاحه بحل أزمة سد النهضة والتدخل لدى إثيوبيا وحال بناءه لـ10 مدارس كبديل عن مدرسة بحر البقر التي دمرتها القوات الاسرائيلية في وقت سابق وعقب نكسة 67 سوف نطبع معه العلاقات» والكلام هنا كان لعكاشة، كل ذلك ليس مهمًا، الأهم هو أن عكاشة لازال بطلًا وإسرائيل باتت صديقة والثوار ظلوا خونة وحماس هي عدونا الأبدي.
المشهد الرابع: المصريون «يصبّحوا على مصر من أجل عيون ام الدنيا الي بقت قد الدنيا وكل حاجه فيها ولعت»، خرج الرئيس ودون خجل على الهواء مباشرة يدعو المواطنين (للتصبيح على مصر كل يوم بجنيه واحده عشان نلم كل شهر 4 مليار جنيه)، وبغض النظر أن الناس الذين صبحوا على مصر بجنيه خصم منهم 5 جنيهات، فإن الرئيس لم يقل ماذا سنفعل بكل تلك الأموال.
الأموال التي جاءت لمصر عقب حكمه لم تأتِ لحاكم في تاريخ مصر منذ أن نزل المصريون من الجبال ليعيشوا على ضفاف النيل.
ليس سرًّا ان مصر استقبلت من ثلاث دول بعينها (الإمارات والسعوديه والكويت) حوالي 33 مليار دولار وهذا الرقم هو الذي أعلنه حكام تلك الدول قبل عام من الآن في المأسوف عليه (المؤتمر الاقتصادي) وتعهدوا حينها بتقديم مساعدات على شكل استثمارات وقروض وودائع بنكيه تقدر بـ12 مليار دولار لكي يرتفع الرقم إلى حوالي 45 مليار دولا ولا طائل لنا من تلك الأموال غير أن الاقتصاد يواصل انهياره والدولار يواصل ارتفاعه والجنيه على وشك تشييع جنازته قريبًا، لا أحد يعلم أين ذهبت تلك الأموال ولا الـ 62 مليار دولار التي جمعت باسم قناة السويس الثانية كما أسموها.
ولا أحد يعلم أي شيء في أي شيء غير شيء واحد هو ادفع.
نعم بتنا في زمن المسخ كما قال الزعيم في فيلمه (عمارة يعقوبيان)، ولكنه أي زمن مسخ هو زمن لم تعشه مصر في السابق ونأمل أن ننتهي من ذلك الزمن سريعًا لكي نبدأ رحلة جديدة من بناء وطن عبث الجنرالات بمقدراته.
فحقًا نحن في زمن المسخ.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
مصر