سر نجاحنا في الماضي، وبالبعد عنه فشلنا في حاضرنا، وفي مستقبلنا إن لم نكشف عنه!
لم يخف هذا السر عنا لغموضه، بل هو من فطرتنا، ومن أبسط الأشياء، لكن كراهيتنا لأنفسنا هي ما أسدلت عليه ألف ستار.

منذ خلق آدم – عليه السلام – أنعم الله على البشر بنعمة “الاختيار”، وهي ما تميزوا بها عن غيرهم من الكائنات، فالملائكة على سبيل المثال تسبح لله تبارك وتعالى بدون أي شغل آخر غير مهمتهم النبيلة. والحيوانات تسبح بالليل والنهار وتأكل وتشرب وتتزاوج، وهذه حياة روتينية بالنسبة لأي بشري. فمن الناس من اختار الاستقامة، وأحب ربه ثم الخلق، فأحبه الله وأحبته الخلائق، ومنهم من انصاع وراء شيطانه فهوى، وكره حياته وكره الناس ثم كره ربه. ومن الكراهية جاء الامتناع عما هو خير للإنسان، ومن الامتناع جاء الفشل، ثم كثر وتغلغل بين مجتمعه، ثم ظهر الخوف من الفشل من كثرته، فصرنا ننظر إلى مصالحنا فقط، والتي تتمثل في المعيشة ذات المستوى المناسب والزواج أو نيل وظيفة، … إلخ.

وكل هذا في وجهة نظر مجتمعنا الآن لن يتحقق إلا بالشيء الدنيوي التافه الذي عبده ملايين البشر،الرقم، أو الكاش، أو المال!
وحين فكرنا في المال (أو ما يطلق عليه البسطاء أمثالنا لقمة العيش) لم نفكر في سواه، خصوصًا أن هناك آثار بغيضة للكراهية مثل الفساد الإداري – على سبيل المثال – حل علينا وجرت سمومه في دمائنا، فكم من فرص ضاعت وكم من مجتمع ضاقت عليه الأرض بما رحبت بسبب الذي فعلناه في أنفسنا.

وبهذا نجحت الصفقة مع الشيطان، وبغير قصد منا صرنا نفعل ما يشاء، من أجل لقمة العيش! فسرقنا وقتلنا وحرقنا وزنينا وشهدنا زورًا وبددنا الأمانات وأكلنا مال اليتيم، وهذا فقط ما قد يفعله شخص واحد منا الآن مع الأسف.

إن بذرة النجاح في هذه الدنيا وسره هو “الحب”، لا تستغربني ولا تقل عني بأني أبالغ، فهي حقيقة فطرتك أيها الإنسان، أنك سجنت نفسك في سجن الكراهية وأصبحت متشائمًا، فكل يوم تصحو من نومك تقرأ أخبارًا عن مقتل أو سرقة أو مذبحة، تلعن يومك وتلعن ماضيك وحاضرك، وإن رأيت أحدهم يكتب عن التفاؤل والحب تصدر منك صيحات في داخلك ويأبى قلبك إلا أن يقاوم تلك الكلمات الصادرة من هذا الذي يهذي ويتكلم عن الحب في زمن الكراهية.

قد أقرت الحب الشرائع وتعاليم الله – سبحانه وتعالى – فكانت بذرة صالحة، وأهملها الإنسان، ثم ملأ الشيطان قلبه بكراهيته لنفسه وغيره، فما نبتت الحياة وغطت عليها أشواك الظلام.

من خلال الحب الحقيقي (و ليس ما نراه الآن في أفلامنا وشاشات التليفزيون، إلا ما رحم ربي)، أتت معانٍ رائعة فقدناها في عصرنا هذا. كالكلمة الطيبة، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار (26)” (سورة إبراهيم).

والتكافل بالصدقة والمصادقة، وتلاشي الأحقاد والحسد، ومن ثم تأتي درجة ثانية من هذا المبنى المجتمعي القويم، وهو التعاون، وقال ربنا جل وعلا فيه: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2)” (سورة المائدة)، فمن أين يأتي البر والتقوى إلا من الحب؟ ومن أين يأتي الإثم والعدوان إلا من الكراهية؟ تلك معادلة سهلة!

فإذا أحب الناس بعضهم البعض انتشر بينهم فكرة (أنني أفعل كذا وكذا لكي يرتاح من أفعله له، وليس لمصلحتي الشخصية فقط، وليس من أجل الراتب فقط، إنما هو لوجه الله، فيرتاح ضميري).

فتنبت زهرة هي أجمل ما ينبت في تربة الإنسان الخصبة (قلبه) وهي ضميره الواعي السليم، زهرة قال عنها الله سبحانه وتعالى: “النفس المطمئنة”، وفي بعض الأحيان يسميها جل وعلا: “النفس اللوامة”.

والحب نفسه درجات، فالدرجة العليا هي حب الله سبحانه، فهو سبحانه وتعالى “الرحمن الرحيم (2)” (سورة الفاتحة)، فهو أرحم الراحمين، وهو من خلق الرحمة والحب، فهو أولى بأن يكون المحبوب الأول والأخير في ذات أي مخلوق على وجه الأرض.

والثانية هي حب الصالحين المصلحين في هذه الدنيا، بالنسبة لي فإنني أحب النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر من أي بشري على هذه الأرض، وأتمنى شرف مقابلته يوم القيامة والشرب من يده شربة لا أظمأ بعدها أبدًا، وأتمنى من الله أن يكون ما كتبت سببًا في صحبتي له (عليه الصلاة والسلام)، فهناك أسباب كثيرة لهذا:

فمنها أنه – عليه الصلاة والسلام – كان على استعداد أن يضحي بحياته الشخصية وضحى بكل ما هو دنيوي ليعيش البشر في نعيم الله في الدنيا والآخرة باتباع سنته جيلًا بعد جيل. ومنها أنه لم ينطق بلفظ نابٍ في حياته. ومنها أنه قد تكسرت أسنانه وهو يقاتل دفاعًا عن أنصاره في المدينة يوم أحد وجرح ولم يقف على تلة بعيدة يشاهد المعركة كما كان يفعل الملوك الذين عاصروه – صلى الله عليه وسلم – بل وقف بين أصحابه يقاتل ويشاركهم الجراح والضربات. ومنها أنه لم يخجل يومًا أن يخرج من جعبة حبه لأي أحد ما فيها كلها حتى تفرغ، حتى أعداؤه، ولتشهد عليه كلماته عندما قال لقومه الذين قسوا عليه وقتلوا من أصحابه وأهله وعذبوا ما عذبوا منهم وهو قادر عليهم يومئذ: إذهبوا فأنتم الطلقاء .. نعم! فإنه يحب لأنه راحل كما رحل من قبله ومن بعده إلى يوم الدين، إلى وطنه ووطن جده آدم، جنة عرضها السماوات والأرض. فلماذا لا أسامحهم فأنا تاركهم وذاهب!

وإذا عددت أسباب حبي لسيدي رسول الله – عليه الصلاة والسلام – سيرفض الناشرون نشر مقالتي لطولها!
أما الدرجة الثالثة هو حب الناس أجمعين، كحب الأب والأم لأبنائهم والعكس، وحب الأزواج والأصدقاء والإخلاص لبعضهم البعض، وحب الأخ لأخيه في العقيدة أو الوطن.
أما الدرجة الرابعة فهي التي تكلم عنها القرآن الكريم في سورة فصلت في الآية رقم 34 “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”، وهذه الدرجة هي التسامح مع النفس ثم مع الغير، فبالرغم مما قد يحدث لك من كارهيك، إلا أن الله قد خيرك أيها الإنسان بين رد الفعل المشابه أو العفو (مع العلم أن العفو هو الأفضل والأكثر أجرًا)، فإن الله يحب لجميع خلقه الخير، حتى العصاة، فهو – سبحانه – لا يعذب حتى يبعث رسولًا، وهو لا يرد من طلب منه المغفرة.

أما الآن،على أرض الواقع فقد سقطنا من جميع النواحي تقريبًا، ولا يكذب عليك أحد ويقول لك أن تقبله، فإذا تقبلت اليابان واقعها بعد سقوط القنبلة النووية عليها، ما بات المصريون الآن يسمونها “كوكب اليابان الشقيق” على الفيسبوك!
فما هو الحل؟ هذا سؤال أسأله لك عزيزي القارئ، وسوف أعرض وجهة نظري المتواضعة في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله.
لكم حبي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد