تلعب المرأة الغربية دورًا كبيرًا في الأسواق العالمية، وفوق جسمها الرشيق تتنافس الماركات العالمية بآخر صيحات الموضة، فأصبح جسدها مجرد مساحة إعلانية. ذلك هو النمط الحداثي للمرأة التي صنعتها الثقافة الرأسمالية، وجعلت منها مجرد سِلعة استهلاكية فاقدة لذاتها ولا تعرف أي معنًى للذات خارج المادة والاستهلاك والسوق. تلك هي إذًا الثقافة الرأسمالية باختصار التي تُعامل الإنسان كقطعة غير مجاوزة للطبيعة، ويمكن سحقه والهيمنة عليه بتقنيات التكنولوجيا! والهيمنة بحد ذاتها شكل من السيادة وتحقيق السيادة لا يكون إلا بمفهوم القُوة النيتشوية، والعالم يحكمه قانون واحد هو: البقاء للأقوى بحسب قانون الانتخاب الطبيعي الدارويني.

ومن خلال هاتين النظريتين الفلسفية صنعت الدول الغربية سياستها عن الكون والإنسان والطبيعة ضمن مشروع الحداثة في القرن العشرين؛ إلا أن الحداثة مشروع لم يكتمل بحسب رأي الفيلسوف الألماني المعاصر:     يورجن هابرماس صاحب نظرية الفعل التواصلي. والحركة النسوية جزء من ذلك المشروع الذي أشرنا إليه؛ ولا يمكن فهمها خارج الحضارة التي جاءت منها؛ فعندما نبحث عن المصطلح سنجده وصفًا لفترة تاريخية شهدت حراكًا ثقافيًّا أنتجها. والحركة كانت لها بعض الأسباب التاريخية التي أدت إلى نشوء النسوية بهدف الدفاع عن حقوق المرأة داخل المجتمعات الأوروبية المتأثرة بالعصور الوسطى الموسومة تاريخيًّا بالجهل والتخلف. ولكن! نشوء هذه الحركة بهذا الشكل يوحي بخصوصية البُعد الجغرافي والارتباط بالمكان والزمان، ومؤشر على الخصوصية الثقافية لهذه الحركة ويُلغي أيضًا ولو قليلًا السِّمة العالمية.

نشأتْ الحركة النسوية في ظروف خاصة بالمرأة الغربية، وقامت على مبادئ واضحة منذ انطلاقها في القرن الثامن عشر عندما كتبت النسوية ماري وولستونكرافت «دفاعًا عن حقوق المرأة» 1792م.

وتلك البداية التاريخية للحراك النسوي. وقد أوضحت الكاتبة أهم المبادئ والأهداف التي كانت تطالب بها المرأة الأوروبية في القرن  الثامن عشر بدءًا من الحقوق السياسية.

والحراك في حقيقته يخص المرأة الأوروبية البيضاء، ولا يناضل إلا بقضايا خاصة بالمرأة البرجوازية بينما أخرجتِ النساء الأخريات من المعادلة وإن كن قد تعرضن للظلم والقهر.

فالمرأة البرجوازية قد تناضل في سبيل حقوقها وتثور على المجتمع حتى تأخذ تلك الحقوق وفي الوقت نفسه تستعبد نساء مُلونات من الطبقات الفقيرة ولا تعترف لهن بأي حقوق!

وقد يتوسع الحراك في أوروبا ليضم نسويات بيض بحركة النسوية الديمقراطية الليبرالية ويطالبن بالمساواة. وربما يقتصر خطابهن على مساواة المرأة البيضاء بالرجل الأبيض فقط!

أما الفتيات الأخريات فهن لا يندرجن تحت هذا الحراك لأنه خاص بالنسويات البيض أصحاب الأعراق الآرية السامية بينما الأخريات يعاملن كخادمات في المنازل والحركة لا تخصهن.

وهنا الإشكالية الأخلاقية فيما يرتبط بالهيمنة الغربية. ونظرتهم إلى الشعوب دومًا تكون نظرة دونية وذلك بسبب الإرث الثقافي والسياسة الاستعمارية تجاه المجتمعات الأخرى وقد أشرنا إلى هذه النقطة في بداية حديثنا.

هذا التناقض الفلسفي هو الذي أدى إلى تدهور النسوية الأوروبية منذ انطلاقتها لم تكن حركة إنسانية رصينة بل كانت مشروعًا يحمل في بنيته الاستعلاء والفوقية وإقصاء النساء الأخريات!

وتلك التناقضات أدت إلى انقسام الحركة فيما بعد إلى تيارات طوال القرنين الماضيين لأنه لا يوجد أي سبب يجمع بين جميع التيارات النسوية مما خلق الفوضى داخل الحركة النسوية.

ولم تحصل المرأة الأوروبية على حق التصويت إلا بعد سنوات من النضال والمحاربة والوقوف أمام المجتمع الذكوري المتسلط حتى سُمح لهن بحق التصويت في عام 1920م من القرن العشرين.

وبعد السماح لهن بالتصويت اتخذت النسوية مسارًا خطيرًا فقدت فيه روحها ومبادئها، ولم يعدن واضحين في أطروحاتهن وباتت محاربة المجتمع الذكوري هو الهدف الأول للحركة.

ومنح حق التصويت هو تاريخ مفصلي لنتائج هذه الحركة، فالمطالب في القرن التاسع عشر كانت في حدود المنطق لأنها مرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية لذلك حققت الحركة إنجازًا بهذا الشأن.

بينما في القرن العشرين بدأت الحركة تفقد بعض الدوافع الحقوقية فيما يتعلق بالمطالب واتجهت نحو المساواة بشكل مطلق ولعل الفشل هو الذي أدى إلى إعادة النظر وقراءة واقع المرأة.

فلم تعد القضية متعلقة بحقوق سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بل أصبحت المسألة تتعلق بإعادة النظر في ماهية النوع والجندر الذي جرى على أساسه التمييز بين الجنسين والتفرقة.

وفي اعتقادنا هذا هو السبب الرئيسي الذي ساعد على فشل هذه الحركة وأحدث فيها انشقاقات كبيرة وضعف شديد في الرؤى.

ومنذ عام 1920 إلى 1963 ركَّزت الأبحاث النسوية على دراسة الأدوار الجندرية بين الجنسين محاولين إزالة تلك الفوارق استنادًا على بعض النظريات المعرفية.  حتى جاءت سيمون دي بوفوار وشككت في قضية النوع الجنسي وجعلت منه ميثولوجيا اجتماعية وختمت النقاش بكلمتها المعروفة:

«لا تولد المرأة امرأة وإنما تصير كذلك»

ثم انتقل النقاش إلى مرحلة أوسع وبدأوا يدرسون الجنسانية بأدوات معرفية ما بعد الحداثة، وتبنو المنهج البنيوي في النسوية، وخرجت الحركة النسوية المدافعة عن المثلية.

وبعد عام 1975 جرى تقديم الحركة النسوية حركة عالمية بعد مؤتمر المكسيك، وبرز مصطلح جديد: النسوية في العالم الثالث وما بعد الاستعمار.

وانتهت هذه الحركة مع دخول القرن الواحد والعشرين لتظهر بشكل مفكك وبدلًا من حركة نسوية عالمية أصبحت حركات واتجاهات نسويات مختلفة. وكما نلاحظ هذا فشل واضح للحركة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد