في 23 يوليو سنة 1952 تحرك بعض ضباط الجيش المصري بقيادة اللواء محمد نجيب للسيطرة على مقاليد الحكم وانتزاع السلطة من الأسرة المالكة، ولعل هذه المَعلومات ليست جديدة، وهو كلام يُعاد ويُعاد في وسائل إعلام رجال الأعمال والسلطة وكتب التاريخ المدرسية، ومن ثم عدوان 52 ونكسة 67 وانتصار 73 ويكتفون بذلك.
ولكن هناك بعض الحقائق التي لن نجدها في أي من هذا أو ذاك، ولذلك يمكننا أن نَستعرض بعضها ونتوقف أمامها وندرك الدرس جيدًا. في البداية لن نختلف على كونها ثورة أم انقلاب، ويمكننا تسميتها انقلابًا «خشنًا» بما أن من قام بها حكمها بعد ذلك، ولكننا سوف نكتفي بالمصطلح الذي استخدمه اللواء محمد نجيب في مذكراته «حركة 52».

عمال كفر الدوار

احتجاز عمال غزل كفر الدوار من قِبل الجيش بعد إضرابهم

يذكر الشاعر نجيب سرور في ديوانه الشهير «خَميس وبقري وعجالي وأهي دبَكَة» أتوقف وأتساءل من هم خميس وبقري؟
لم ينتظر العمال بعد حركة 23 يوليو أن يُنظر إلى مطالبهم المُهملة من قُبل وقرروا أن يُجذبوا الأنظار إلى مطالبهم من تدني الأجور والسكن وغيره ولكن كان رد الجيش على غير المتوقع والمعلن حيث عندما أوقف عمال مصنع كفر الدوار الآلات وأعلنوا الإضراب للاحتجاج في أغسطس 52 قامت قوات الجيش بمحاصرتهم إلى أن تدهورت الأوضاع سريعًا واشتبكوا مع العمال وتم القبض على العامل «محمد مصطفى خميس» 19 عامًا، والعامل «محمد عبد الرحمن البقري» 17 عامًا وحُكم عليهم بالإعدام. بل يقول طه عثمان المؤرخ العمالي والنقابي البارز في كتابه: «خميس والبقري يستحقان إعادة المحكمة» أن محمد نجيب حاول مُساومة خميس بتخفيف الحكم في مقابل الاعتراف على باقي زملائه ولكنه رفض فتم إعدام الاثنين.

أزمة سلاح المدفعية

بعد إعلان الجمهورية تم تغيير مراكز الضباط وتم توزيعها مرة أخرى وإعلان نجيب رئيسًا للبلاد وقائد مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء، وجمال نائبه، وتعيين الصديق الأوفى لجمال «عبد الحكيم عامر» قائدًا عامًا للجيش، وعند ذلك بدأ ضباط سلاح المدفعية ممن شاركوا في الحركة وكان لهم دور بارز في نجاحها التساؤل من هؤلاء؟ ولماذا تم اختيارهم لهذا المركز؟ وأين نحن من ذلك؟ ووصلت الأقاويل إلى مجلس القيادة إن السلاح يستعد لعمل انقلاب ثم سامي شرف انقلب وأدلى بشهادات كثيرة على ضباط من السلاح لاعتباره شاهد ملك وإنقاذ رقبته.
وعندها انقسم المجلس إلى مؤيد ومُعارض بين تقديم الضباط المتهمين إلى مُحاكمة صورية وإصدار حكم بإعدامهم ليكونوا مثالًا لمن تُسول إليه نفسه بالتفكير في ذلك، وبين عدم إعدامهم ومحاكمتهم بشكل طبيعي وخصوصًا أنه ليس هناك أي دليل واضح على وجود تخطيط لأي انقلاب، ولكن في النهاية فصل جمال النقاش وتوصلوا إلى عشر سنوات سجن كافية مع صرف معاشات الضباط المحكوم عليهم!

الصراع المنتظر

صورة تجمع بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر

من الممكن أن تكون قد سمعت عن تلك الأزمة وكيف كان نجيب ملاكًا نسبًا إلى مذكراته «كنت رئيس لمصر» وإلقاؤه الاتهامات على غيره دائمًا غير أننا لم نسمع به قط في عصرنا إلا أنه كان أول رئيس للجمهورية فقط، محمد نجيب أصيب 3 مرات في الحروب وكان على خلاف دائم مع حاشية الملك، وتم نقله عدة مرات بسبب عدم رضائه عن سياسات السلطة الملكية.
من الجلي أن المشكلة بين نجيب والمجلس كانت مشكلة سيطرة، حيث كان نجيب بوجهه البشوش مسيطرًا على حب الشعب مع سلاح المدرعات خلال الأزمة، أما المجلس الذي يتمثل في جمال فكان معه باقي الجيش (مشاة وطيران) والصحف والإذاعة، ويذكر أن نجيب كان دائم الصياح والعصبية بسبب عدم إذاعة خطاباته كاملة.

احتدم الصراع عندما رفض نجيب التخلي عن منصبه كقائد عام للقوات المسلحة، واستشعر أنه يفقد قوته، وبعد أكثر من اجتماع للضغط عليه للقبول حاول نجيب وضع المجلس في مأزق فقدم استقالته، وبعد تشاور قام صلاح سالم بإعلان الاستقالة، ويشرح فيها الأسباب على أنها صراع سلطة من جانب محمد نجيب ووقعوا في الحفرة التي حفرها لهم نجيب، ولاقى الإعلان غضبًا من الشارع واستهزاء كبير وكذلك سلاح الفرسان ولكن دعوني أقفز على الكثير من الأحداث وأسلط الضوء على حدث مهم. وهو عند ذهاب جمال عبد الناصر مع خالد محي الدين إلى سلاح الفرسان لمناقشة مطالبهم، وهي عودة الحياة النيابية ونجيب، وإلغاء الرقابة على الصحف وغيره، ومع احتدام النقاش سمع جمال إنذار الدبابات في الخارج وصوت الدبابات حتى توتر بشكل كبير فوقعت السيجارة من يده ليقول له الضابط أحمد المصري: «إنك بأمان أنت هنا في بيتك»، وحفظ جمال هذا الموقف لحين انتهاء كل ذلك والانتقام منهم.

ومن أكثر الأشياء التي ندم عليها محمد نجيب هو السماح لنفسه بالرجوع مرة أخرى كرئيس للجمهورية بدون وضع شروط تضعه في مركز أقوى من بقية المجلس.
ولعل نجيب لعب دورًا بعد ذلك كحامٍ للديموقراطية أمام الديكتاتور جمال، ولكن من الواضح أن المجلس لعب دوره بحبكة، حيث بعد صدور ما يسمى بقرارات 25 مارس استوعب المجلس خطورة سحب السلطة من تحت يديه، فقاموا ببعض الأشياء منها المساعدة في عمل إضرابات كما اعتراف «صاوي أحمد صاوي» رئيس اتحاد عمال النقل بعد ذلك أن جمال هو من أراد ذلك مقابل 4 آلاف جنيه، وشل حركة البلاد، ويُقال إن جمال كانت له يد في بعض الانفجارات التي حدثت حسب ما ذكره الدكتور مصطفى محمود في كتابه «المؤامرة الكبرى» لتصدير شعور للشعب أن الديمقراطية ليست حلًّا، ثم استغلوا وجود نجيب في السعودية مع الملك فيصل، وأصدرت الصحف أن هناك اتصالات سرية بين نجيب وحزب الوفد، فاشتعلت البلاد مظاهرات وإضرابات تنادي برفض الديمقراطية والحرية؛ فأصدر المجلس قرارًا بإلغاء القرار وانتصروا في الصراع.
ليجد محمد نجيب نفسه في بيت تحت الإقامة الجبرية حتى أخرجه السادات بعد 30 عامًا من العزلة، ومُحي اسمه من أي عمل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

ضباط 52
تحميل المزيد