الحرب التي خاضها الإخوان ضد جماعة الحوثي لم تدم طويلا، لقد هزموا في أولى المعارك بعمران، رغم امتلاكهم لقوات عسكرية ضخمة هي قوات الفرقة الأولى مدرع.
يوم الثلاثاء الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2015م, جلس عوض الرجل الخمسيني على مقعد مقهاية شعبية في مدينة الشيخ عثمان وسط عدن؛ لتناول كوب من الشاي مع حبات الخمير(المقصقص) المحبب لدى العدنيين، فمع كل صباح يجلس عوض والعشرات من رفاقه في المقهاية الشعبية للحديث في مواضيع سياسية محلية وإقليمية.
كل صباح تشهد فيه المدينة عملية توزيع واحدة من أبرز الصحف المحلية، يجلس عوض؛ ليقرأ على أصحابه عناوين تلك الصحيفة، ويحلل كل ما ينشر، لكن المفاجأة التي أثارت سخرية عوض هي مطالعته لعنوان عريض في الصحيفة: “قيادي إخواني يرفع علم الجنوب في ذكرى الاستقلال”، ضحكة هستيرية تنتاب الجميع، فهم يدركون لماذا يستخدم الإخوان ورقة الجنوب؟
أثار هذا الخبر حفيظة عوض ورفاقه؛ فالمعروف عن حزب الإصلاح أنه العدو التاريخي للجنوب إلى جانب نظام المخلوع علي عبد الله صالح، فهو التنظيم الحزبي الذي شارك بفعالية في حرب الانقلاب على مشروع الوحدة واجتياح الجنوب، ناهيك عن أن الحزب هو صاحب فتوى التكفير الشهيرة التي صدرت قبيل حرب إبريل 1994م، والتي عدت الجنوبيين خارجين عن الدين الإسلامي.
تأييد حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين) ورفع أحد أبرز قادته في عدن أنصاف مايو لعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ليس من باب القناعة بحق الجنوبيين بتقرير مصيرهم، بل إن قادة الحزب يستخدمون الجنوب كورقة ضغط قبيل أية عملية تسوية سياسية، أو خسارة للحزب في شمال اليمن.
فكما يقول جنوبيون إن حزب الإخوان سبق له وأعلن تأييده للمطالب الجنوبية، لكن سرعان ما انقلب عليهم، وأعلن وقوفه إلى جانب صنعاء، في عدة مناسبات.
مواقف متناقضة
في يوم الخميس 28 أغسطس 2014م، وقف الصحفي الإخواني أنيس منصور حميدة في وسط شارع المعلا الرئيس في المدينة وهو يرفع علم اليمن الموحد متحديا تظاهرة شبابية مناوئة للإخوان في عدن.
كان ثمن الرفض الشعبي لتلك التظاهرة الإخوانية سقوط أحد قادة المكونات الشبابية المنادية باستقلال الجنوب شهيداً، وهو حسين اليافعي، وعشرات الجرحى.
منذ العام 2011م، أعلن الجنوبيون رفضهم لتواجد حزب الإصلاح في الجنوب، وشهدت العديد من ساحات التظاهر التي انطلقت بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، مصادمات بين محتجين جنوبيين وآخرين من حزب الإصلاح أتوا بهم من مختلف المحافظات الشمالية، كما نشرت وسائل إعلام محلية حينها.
استغل حزب الإصلاح اليمني التظاهرات المناوئة للمخلوع صالح حينها كثيرا، وحاول الترويج لمشاريعه المتعددة، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.
فالحزب وجد نفسه في مرمى نيران جماعة الحوثي القادمة من أقصى شمال اليمن الشمالي. أو أنه أراد أن يندفع للدفاع عن صنعاء لكسب ود دول الجوار التي صنفت الحزب على أنه جماعة إرهابية.
فالحرب التي خاضها الإخوان ضد جماعة الحوثي لم تدم طويلا، لقد هزموا في أولى المعارك بعمران, رغم امتلاكهم لقوات عسكرية ضخمة هي قوات الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها الجنرال عليم حسن الأحمر، لتسقط عمران وتسقط بعدها صنعاء في الـ21 من سبتمبر/ أيلول2014م.
وعقب سقوط العاصمة اليمنية بيد الحوثيين وقوات الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، فر الكثير من القيادات الإخوانية نحو تركيا، هربا من أعمال تعذيب وحشية مارسها الحوثيون بحق بعضهم.
وعقب سقوط صنعاء شعر الكثير من القيادات بأن تنظيم الإخوان في اليمن في طريقه للزوال، لتذهب لعقد عملية مصالحة مع زعيم المتمردين الحوثيين في صعدة، معقله.
قبل أن تبحث قيادات أخرى عملية مصالحة ثانية مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يتهم زعماء الجماعة الإخوانية بمحاولة اغتيال شهيرة تعرض لها في دار الرئاسة بالنهدين في العام 2012م.
الهرب نحو الجنوب
شعرت قيادات التنظيم الإخواني أن المصالحة مع صالح لن تحقق له أي هدف يسعى إليه، وهو التواجد بقوة في العملية السياسية التي كان يبحثها، فذهب الحزب للبحث عن أوراق ضغط لتحقيق تلك الرغبات، خصوصا وأن أغلب قيادات الحزب تعيش في المنفى، في حين أن أخرى غير راضية عن عملية المصالحة مع الحوثيين وقوات المخلوع صالح.
في الـ14 من أكتوبر/ تشرين الأول 2014، وقف الصحفي الإخواني أنيس منصور في ساحة العروض بخور مكسر، لكن هذه المرة لم يرفع علم اليمن الموحد، بل رفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي).
منصور وغيره من الصحفيين الذين انضموا لحزب الإخوان في عملية أشبه بالتجنيد، في العام 2011م، استغل الإخوان الحاجة المادية لبعض الصحفيين، وجندهم؛ لتحقيق أهدافهم في الجنوب، حيث أنشأ الحزب العديد من المواقع الإلكترونية والصحف، لمهاجمة الجنوبيين ومحاولة زرع الشقاق فيما بينهم.
أعلن الإخوان في فعالية انطلاق ثورة الجنوب ضد التواجد البريطاني في بلادهم تأييدهم لاستقلال الجنوب، وأعلنت مواقع إخبارية أنشئت في عدن لمواجهة الحراك الجنوبي في العام 2011 م تأييدها للمطالب الجنوبية.
من وسط ساحة العروض في خور مكسر التي كانت تشهد حينها تظاهرات كبرى داعمة لاستقلال الجنوب، ظهرت قيادات إخوانية في تصريحات تلفزيونية تعلن تأييدها لحق الجنوب في الاستقلال، مؤكدين أن صنعاء باتت عاصمة محتلة، من قبل الحوثيين، وقوات المخلوع صالح.
ورقة الجنوب التي استخدمها أيضا قادة شماليون موالون للإخوان، كان الجنوبيون يدركون أنها ورقة مرحلية للضغط على صنعاء والحوثيين وقوات المخلوع صالح من أجل المشاركة في تحقيق مكاسب سياسية.
الإخوان يرفضون الاعتذار للجنوب
على الرغم من مرور ربع قرن على الحرب التدميرية التي شنها المخلوع صالح، وبدعم ومساندة قويتين من الإخوان، لم يقدم فيها الحزب الإسلامي الاعتذار للجنوبيين، واعتبر اجتياح الجنوب بأنه من أجل حماية الدين الإسلامي، والحفاظ على الوحدة اليمنية.
حاول الإخوان تهدئة الشارع الجنوبي الذي أعلن رفضه لتلك المساعي الإخوانية من الحديث عن نيته تشكيل حزب إخواني جنوبي.
في يناير/ كانون الثاني2015م، بدأ الحوثيون والمخلوع صالح في التحضير للانقلاب العسكري على الرئيس هادي، بدأ تنفيذه فعليا في يوم الـ19 من الشهر ذاته، انتهى بمحاصرة الرئيس هادي وحكومته التي قدمت حينها الاستقالة الجماعية تبعها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
واستمرت محاصرة الرئيس لأسابيع، حتى تمكن في الـ21 من فبراير/ شباط 2015م، من الإفلات نحو عدن، قبل أن يدشن الحوثيون وقوات المخلوع صالح معركة اجتياح الجنوب أواخر مارس/ آذار 2015م.
وعند اقتراب الحوثيين من العاصمة الجنوبية عدن، شعر الإخوان بأن صالح والحوثيين في طريقهم لحكم اليمن لصالح الحلف الإيراني، وذهبت قياداته لعقد لقاءات سرية بغية البحث عن مكاسب سياسية بالشراكة مع الحوثيين ونظام المخلوع صالح.
فالخروج من المشهد السياسي يعتبره حزب الإصلاح خسارة كل شيء للحزب الذي ولد من (ضلع أعوج) في حزب المؤتمر الشعبي العام مطلع تسعينات القرن الماضي.
تدخلت دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية في معركة الدفاع عن اليمن ضد التمدد الفارسي في المنطقة، كان الإخوان يراقبون الوضع من منبر محايد، وبعد نحو 10 أيام من القتال الشرس والغارات المكثفة لمقاتلات التحالف العربي أعلن الإخوان تأييدهم لعاصفة الحزم، ولكن ببيان وصف بالركيك.
الحكومة اليمنية: الإخوان يعرقلون حسم معركة تعز
اتهمت الحكومة اليمنية عبر وزير الخارجية حزب الإصلاح (إخوان اليمن) بعرقلة معركة تحرير تعز.
وقال رياض ياسين في تصريحات تلفزيونية، قبيل إقالته: إن “سياسة حزب الإصلاح في تعز غير مقبولة، مشيرا إلى أن الوقت ليس وقت التفافات أو الحصول على مكاسب خاصة”.
ودعا ياسين قيادات حزب الإصلاح إلى التعلم من التجربة الجنوبية في المقاومة، مشيرا إلى أن ما حدث في الجنوب بات تجربة يجب الاقتداء بها.
وقال ياسين: إن حزب الإصلاح في تعز يحاول تصوير المكاسب التي تتحقق في هذه المحافظة بأنها من صنيعته في حين أنها صنيعة كل الأطراف المقاومة بما فيها قوات التحالف وأبناء تعز عامة. داعيا قيادات حزب الإصلاح للتراجع عن سياستهم الحالية في تعز.
لماذا يعرقل الإخوان حسم معركة تعز؟
يعتقد الإخوان أن الحسم العسكري للحرب في اليمن لصالح التحالف يضعف إمكانية حصولهم على مكاسب سياسية، وهذا يدفعهم للتركيز على المفاوضات السياسية التي يجري بحثها (جنيف2)، فالمفاوضات السياسية كما يعتقد الإخوان سوف تدفع بهم كطرف مفاوض، في حين أن الحسم العسكري قد يستثنيهم، خصوصا مع تزايد الاتهامات للحزب بالبحث عن مكاسب غير مشروعة، وعرقلة جهود الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي، كما تقول الحكومة.
ويستدل على ذلك بتصريحات للقيادي في حزب الإصلاح اليمني حمود المخلافي الذي قال في تصريحات للمدينة السعودية في الـ13 من أغسطس 2015م: “أخّرنا حسم تحرير تعز لترتيب إدارة مرحلة ما بعد الحرب”.
اتهامات بالتحالف السري مع الحوثيين والمخلوع صالح
وجه سياسيون يمنيون اتهامات لحزب الإصلاح بالتحالف السري مع الحوثيين والمخلوع صالح، مستدلين بصفقة المصالحة التي تمت في أغسطس/ تموز 2014م، بين الإخوان من طرف والمخلوع صالح والحوثيين من طرف آخر.
وعززت تلك الاتهامات ما تم الكشف عنه يوم الاثنين الـ30 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015م، عن وجود عناصر إخوانية قتلى ضمن مسلحي جماعة الحوثي في بلدة الزاهر بمحافظة البيضاء.
علاقة الانتماء المذهبي بالانتماء السياسي
عززت صورة نشرها القيادي الحوثي علي البخيتي تجمعه بالجنرال عليم حسن الأحمر أحد زعماء الإخوان في اليمن وقائد الفرقة الأولى مدرع، ما أوردناه في تحليلات سابقة بأن الانتماء في اليمن يكون في الغالب للمذهب على حساب الانتماء السياسي أو الحزبي.
فالصورة التي تم التقاطها في العاصمة السعودية الرياض، أثارت جدلا واسعا في اليمن، وأحدثت انشقاقا في صفوف الحزب الإسلامي، حيث ذهب قادة في حزب الإخوان ينتمون لشمال الشمال إلى تبرير لقاء محسن بالبخيتي، في حين اعتبر آخرون ينتمون إلى محافظات تعز وإب أن اللقاء خيانة لدماء وتضحيات الشهداء.
واعتبر جنوبيون أن اللقاء تأكيد على الاتفاق الشمالي عندما يتعلق الأمر بالجنوب.
وذهب كتاب جنوبيون إلى تفسير اللقاء بأنه لقاء يؤكد الاتفاق الشمالي على الجنوب، وأن اليمنيين الشماليين يتحدون عندما يشعرون أن الجنوب ذاهب نحو الاستقلال، مستدلين بالفشل في عملية تحرير أي بلدة شمالية رغم الدعم الكبير للقوات المناوئة للحوثيين وقوات المخلوع صالح.
ورقة الجنوب وتصرفات الإخوان
في بداية الألفية الثانية وعندما كان ضلعان من ترويكا الحكم اليمني يشعران بأن ضلعا ثالثا أصبح عملاقاً، وبدأ في إزاحتهما ليكون منفردا كعمود وحيد للدولة معتمدا على “أسرته المقربة” بعد تأهيل أبنائه في أكاديميات رفيعة، اتجه الضلعان(الحانقان) إلى الجنوب ليحاولا اللعب على وتر شعبي سعى للحرية وقطع شوطا في ثورته، فكان إنصاف مايو بالمناسبة يخرج في تظاهرات مؤيدة للجنوب وأنيس منصور يسجن بتهمة المساس بالوحدة ويغطي بصورة مكثفة فعاليات الحراك “خدمة لحزبه لا خدمة لشعبه”، وهذان الرجلان سيصبحان ترمومتر علاقة القرب والبعد والاستخدام للقضية الجنوبية من قبل حزب الإصلاح كلما تأزمت علاقة المركز المقدس في صنعاء مع حكامها.
هذه التصرفات الإخوانية لن تنجح في إيجاد أية حاضنة شعبية، خصوصا في الجنوب الذي يقول سياسيون أن حزب الإخوان أحرق نفسه فيه قبل الشمال، ولا يمكن الوثوق به بتاتاً.
ويعد الجنوبيون حزب الإصلاح أحد أبرز الأطراف الشمالية الثلاثة التي اجتاحت بلادهم ونهبت ثرواتهم الطبيعية، وحولتهم إلى أشبه ما يكونون باللاجئين في بلد غير بلدهم – كما يقولون.
الدعم الإعلامي غير كاف لبقاء الإخوان
يحظى الإخوان المسلمون – فرع اليمن – بدعم إعلامي كبير من شبكة قنوات عربية وصحف ومواقع إلكترونية تروج له، وتظهره كحزب سياسي يحظى بشعبية كبيرة، لكن على الأرض الواقع ليس لهم أي تواجد وإن وجد فهو محل رفض شعبي وخاصة في محافظات الجنوب المحررة.
الدعم الإعلامي للإخوان غير كاف لصمود التنظيم الحزبي في مواجهة الرفض الشعبي الجارف لمشاريع الحزب المستمدة من قوى إقليمية يرى سياسيون يمنيون أنها من الدول المعادية للمشروع العربي.
حل جميع الأحزاب القديمة هو الحل
يتفق الكثيرون من الساسة اليمنيين أن حل الأحزاب السياسية اليمنية التي فشلت في إنقاذ البلد المضطرب هو السبيل الوحيد لحل مشكلة اليمن المزمنة والتي كانت نتيجة للعديد من الأخطاء لعل أبرزها اتحاد البلدين في كيان واحد، وانقلاب حزب المؤتمر الشعبي العام على الحزب الاشتراكي الجنوبي بالتحالف مع الإخوان المسلمين الذين أصبحوا في مرحلة ما أعداء للمخلوع صالح، كما حصل عقب توقيع اتفاقية الوحدة، فحزب المؤتمر الشعبي العام الذي انقلب على الحزب الاشتراكي الجنوبي شريك الوحدة، وحاول إزاحته من أنشأ حزبا سياسيا مناهضا للاشتراكي ـ حزب الإصلاح ـ كان المتهم الأول في مسلسل الاغتيالات التي طالت المسئولين الجنوبيين، ناهيك عن أنه صاحب فتوى التكفير الشهيرة التي أصدرها وزير العدل في نظام صنعاء حينها عبد الوهاب الديلمي.
فالجنوبيون والشماليون، على حد سواء، قد يرفضون أي حلول وسط، تكون الأحزاب القديمة شريكة فيه، فالدفع بقوى جديدة شابة ربما يعزز أي حلول تطرح مستقبلا للقضايا العالقة، وأهمها قضية فشل الوحدة اليمنية، واجتياح الجنوب للمرة الثانية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست