من أجمل العبارات التي قرأتها وآمنت بها دون أعرف معنى الفلسفة عبارة تقول: «لا توجد مسلمات وليس هناك حقائق قطعية» فما دام الأمر كذلك، لا يمكن أن نقول إن فيلسوفًا أو مفكرًا ما على حق مما يقول، إذ إنه لا مجال للخطأ والصواب في العلوم الإنسانية عامة إلا بشكل نسبي، ففي نص لبليز بسكال الذي يبحث فيه عن مكان الأنا، يقف فيه موقف الحائر من أمره متسائلًا عن مكان الأنا، إذ إن هذه الأنا لديه لا توجد في الصفات المرئية للإنسان ولا في الصفات التي يمكن ملاحظتها واستنتاجها، كالذكاء والفطنة، فأنا من وجهة نظري لن أقف موقف الحياد أو أتبنى موقفه، ولكنني سأملأ الفراغ بجواب يبدو لي فيه بعض من الصحة ريثما تظهر حقيقة أخرى تستطيع أن تكشف عنى ستار هذه الحقيقة التي تواريت خلفها، ألا وهي «أن الأنا -من وجهة نظري- يوجد في الفعل والقول الذي يقموم به الشخص» أعلم من هذه اللحظة أنني سأواجه بانتقادات كثيرة ولكن ما هو البديل في نظركم؟

ومن أهم الانتقادات التي يمكنني أن أواجه بها، هو كون الفعل والقول يتغيران، سأجيب اللهم بلى وأنني لم أقل غير ذلك فالأنا متغير ودائم التغير حسب تغير الفعل والقول، وأسرع لأقول أنه هناك الأنا المتغير والأنا العام، أقصد بالأنا العام هي تلك الطبيعة التي عرف بها الشخص وتلك السمات التي يتسم بها عندما يكون في حالته العادية والطبيعية، أما الأنا المتغير، فهنا سنتحدث عن الأنا في مواقف وأماكن مختلفة، تخيلوا معي أننا سنأخذ طفلًا من وسط قروي ونضعه في وسط حضري، فمما لا شك فيه أنه سيتصرف بتصرفات أخرى غير التي كان معتادًا عليها، وحتى وإن تصرف بتصرفات غير حضارية فإنه لا بد أن يغيرها بعد تأقلمه مع ذلك الوسط الذي هو بالنسبة إليه وسط جديد وغير مألوف، ومن هنا نستنتج أن الفعل والقول يتغيران حسب الوسط المتواجد به الأنا.

يرى لوك أن هوية الشخص مرتبطة بإحساساته حيث يكون هو نفسه بالنسبة إلى ذاته في لحظة إحساساته وشعوره الراهنة، دون أن تأخذ في اعتبارها ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة.

إذن بما أن هوية الشخص لها ارتباط بإحساساته وأن هذه الإحساسات متغيرة، فإنه من المؤكد أن الأنا متغير وأن هذه التغيرات تكوت تبعا للحالة التي يكون عليها الشخص والمكان المتواجد به والموقف الذي يكون أمامه. أما لا شوليي فيتفق مع لوك ولكنه يضيف قائلا: إن أساس هوية الشخص هي وحدته النفسية في الزمان، أي عبر مراحل حياته رغم مظاهر التحول والتغير. ها هو الآن لاشوليي يتفق وما أرتئي في قولي بالأنا المتغير والأنا العام أو الثابت، قوله إن هوية الشخص هي وحدته النفسية في الزمان، أي أنه يبقى محافظًا على أناه العام، فمثلا إنسان ذو طابع فكاهي فليس من السهل أن نجده غدا قد تحول إلى انسان ذو طابع تراجيدي، إلا أن هذا لا يمنعه أن يؤدي دورًا تراجيديًّا، فهو باستطاعته أن يمثل دور الضحية كما باستطاعته أن يمثل دور الجاني، ولكن سيأتي الآخر ويقول إذا كان كذلك فإنه إذن يمكننا أن نحكم على هذه الأنا من خلال أفعالها أهي خيرة أم شريرة، أقول اللهم بلى. فيقول: إن ما يمكن أن تعتبره أنت من أقوال وأفعال خيرة فقد تكون هذه الأفعال والأقوال عند سواك شريرة -فعلا- وأنه علي أن أحدد مفهوم الخير والشر لكي أحكم على هذه الأنا أخيرة هي أم شريرة.

هنا يمكن الانفتاح على نظرية الوسط والمحيط، تخيل معني أن هذا الأنا يسكن في وسط يتميز بشدة الحر
وقام هذا الأخير بإضرام النار فإنه مما لا شك أنه سيزيد الجو حرارة وسينظر لهذا الأنا من طرف المحيطين به على أنه شرير، ولكن إذا ذهب هذا الأنا الى منطقة تعرف بشدة البرد وأضرم النار فيها فلطف المحيط، إذن سينظر إلى هذا الأنا على أنه خير.

إن الأنا كمفهوم فلسفي وجودي متعلق بالذات، ليس من السهل تأطيره وقولبته، لأن الأنا دائم التغير والتجدد، لكن يبقى هناك ملامح ومعالم بارزة تصبغ عليه نوع من الفرادة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد