ماذا يحدث في الجزائر؟ هذا السؤال يطرحه الكثير من داخل الجزائر وخارجها؛ فالمشهد السياسي في الجزائر معقد، خاصة في ظل المعادلة السياسية الحالية القائمة على الصفرية ما بين السلطة والشارع الجزائري، وهنا نتجه لنسأل هل تعيش الجزائر أزمة سياسية عابرة قائمة على رفض الشارع الجزائري والمواطن للعهدة الخامسة، وهي تصب في إفرازات العولمة؟ أم أن المسألة هي ثورة بمفهوم التغير الذي حدث في المنطقة العربية، والتي تعبر عن التغير الجذري في بنية النظام السياسي الجزائري؟

قبل الإجابة عن هذه الإشكالية نطرح المؤشرات التالية حول الوضع الراهن في الجزائر:

الجزائر تعيش في محيط إقليمي مضطرب، خاصة من الناحية الشرقية والجنوبية، والمقصود تونس وليبيا ومالي؛ فالحراك الذي حدث في تونس وانتقل إلى الدول العربية جعل الجزائر في تلك الفترة تعيش على إعادة هيكلة وضعها السياسي والاقتصادي، من خلال دعم السلم الاجتماعي، خاصة مع بداية أحداث ما يعرف بالسكر والزيت، وهنا تجاوزت الجزائر انتقال الحراك أو الثورة وتمددها إلى الجزائر.

المشهد السياسي والحربي والنزاعات التي شهدتها بعض الدول العربية، خاصة سوريا، وليبيا، مما جعل الشعب الجزائري يتخوف من هذه الثورة والحراك، أو الربيع العربي.

ما يحدث في الجزائر أصبح يشكل معضلة مفاهيمية في تحديد المصطلح وضبط ماهيته، هل نحن نعيش أزمة سياسية عابرة مضمونها من يحكم الجزائر، والرغبة في تغيير الوجوه السياسية الحالية؟ أم أن المسألة هي تغيير شامل يمس مرحلة مهمة من حياة الجزائر المتعدد الأبعاد؟

وفي رأيي الشخصي أعتقد أن ما تمر به الجزائر مركب ما بين أزمة سياسية وتغيير شامل، فمن ناحية أنها أزمة سياسية فهذا يتضح من خلال العناصر التالية:

أولًا: إشكالية ترشح عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، ورفض قطاعات شعبية لهذا الترشح، وهو في حالة صحية لا تؤهله لقيادة البلاد.

ثانيًا: ضبابية في مسألة تسيير شؤون البلاد، هل هو الرئيس أم أخوه أم مجموعة، وبالتالي هذا دفع أكثر إلى طرح تساؤلات من يحكم؟

ثالثًا: تزايد مؤشرات الفساد بشكل غير مسبوق.

رابعًا: طريقة تعامل الأحزاب الموالية للرئيس مع الشارع الجزائري، واحتقار مطالبه وتسفيهها.

وهذا دفع بتيارات عديدة لرفض العهدة الخامسة وترشح عبد العزيز بوتفليقة، وجاءت بعدها دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتحرك من خلال تنظيم مسيرات سلمية ضد العهدة الخامسة.

في مشهد آخر نجد أن أول مسيرة أعطت زخمًا، وكسرت حواجز الصمت، خاصة مع التعامل السلمي لقوات الأمن مع المتظاهرين، وحياد الجيش، وبعدها استجابته للمطالب الشعبية، بدأت تظهر معالم طرح جديد حول إشكالية تغيير النظام السياسي والتغيير الشامل في البلاد، من خلال قطع العلاقة بين الشرعية الثورية والاستناد للشرعية الشعبية؛ من أجل الوصول لنظام جديد يحقق طموحات الشعب الجزائري، وهذا اتضح مع تزايد سقف المطالب كل جمعة من رفض العهدة الخامسة إلى المطالبة بمحاسبة الفساد والمفسدين، ومن هنا بدأت تطرح أشكالًا للخروج بالبلاد من حكم بوتفليقة بأساليب دستورية أو حلول سياسية؛ حتى لا تقع البلاد في مأزق سياسي أو تأويلات أخرى لدور الجيش في الحياة السياسية.

فالمسألة أصبحت مركبة يعيشها المواطن الجزائري ما بين من يريدون إبقاء معالم النظام السابق، وما بين رغبة الشارع الجزائري في تحقيق نظام جديد يحقق طموحاتهم، فالتغيير الجذري للنظام أصبح محط تجاذبات ما بين من يدعو إلى تأسيس جمهورية ثانية، وما بين من يريد أن يؤسس نظامًا جديدًا يقوم على مبادئ أول نوفمبر (تشرين الثاني)، وما بين من يريد مرافقة دولية للتغيير، وتيار آخر يدعو إلى عقد مؤتمر تأسيسي يصنع نظامًا جديدًا، كلها أطروحات تبين الاتجاه الذي يريد أن يضع أسسًا لنظام سياسي جديد، لكن الأزمة السياسية والرغبة في الخروج من هذه الحالة، يدفع إلى تأخير مسألة حسم شكل النظام السياسي حتى ترحل كل الوجوه التي توجد في الحكم الآن، والمرور إلى انتخابات رئاسية جديدة وفعلية تمكن من تحقيق الاستقرار، وإيضاح الصورة المستقبلية للمواطن الجزائري، وبعدها تفتح ورشات للإصلاح وطرح المبادرات مع رئيس جديد، وأسس جديدة لنظام سياسي جديد في الجزائر.

ولهذا يجب أن يبقى الشارع الجزائري موحدًا واقفًا جنبًا إلى جنب حتى يمكن أن نقدم قوة ودافعية للحراك الشعبي، ولا بد من الابتعاد عن التخوين والإقصاء؛ فالوقت ليس في صالح هذه المتاهات، بقدر ما هي فرصة لإبراز النوايا الحسنة للمرحلة المقبلة، من خلال الالتفاف حول المؤسسات التي تعمل على دعم قرارات الشعب، وهما السلطة القضائية والعدالة التي تحركت بشكل كبير، والمؤسسة العسكرية التي استطاعت أن تقوم بدور كبير في هذا الحراك الشعبي وطرح المقاربات الهوياتية، الآن لا بد أن يكون بوجهين، الأول لا بد أن نتقبل كل مكونات الشعب الجزائري، من خلال الاحترام والحفاظ على الوحدة الوطنية، والطرح الثاني لا بد أن نبتعد عن إفساح المجال لمن يريدون صيد الفرص في ظروف غير مناسبة لترويج بعض الأطروحات خارج المطالب الشعبية، التي تريد بناء دولة حقيقية في الوقت الراهن.

ولهذا لا بد من بناء الوعي الوطني، فما يحدث في الجزائر هو حراك شعبي يعمل على تغيير كل الفساد، وبناء أسس جديدة للدولة الجزائرية في إطار ثورة شعبية في الوعي والقيم الوطنية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد