في الوقت الذي تخطط فيه الدول الكبرى لدول العالم الثالث، في كيفية العبث بها والاستفادة من خيراتها، هذا الموضوع الحديث القديم، تأتي وزارة التعليم السعودية لتصدر تعليماتها بسحب نحو 80 كتاباً من مكتبات ومراكز التعليم في المدارس لعدد من المؤلفين، مثل: سيد قطب، والقرضاوي، وحسن البنا، والعديد من مؤلفات أبي الأعلى المودودي، ومصطفى السباعي، ومالك بن نبي!
وكأنها بهذا الفعل خير معين لتلك الدول الطامعة، في تحقيق ما تصبو إليه!
هذا القرار يجعلنا نتساءل:
– ماذا نفهم من سحب الكتب الإسلامية؟
– ما هو أثر هذا الفعل على الدين الإسلامي؟
– ما هو سبب الإرهاب الحقيقي؟
وغيرها من الأسئلة التي لابد من طرحها حيال هذا القرار، وسبر أغواره، ومن ثم يصبح بالإمكان الإجابة عن هذه الأسئلة جملة و تفصيلا.
الأمثال أحيانا تكون صائبة وصالحة في أي زمن، فعند قولنا: “كل ممنوع مرغوب” يجعلنا نفكر في ماهية الكتب التي سيتم سحبها، فعندما نجد أن منها كتب الشيخ سيد قطب رحمه الله: “المستقبل لهذا الدين”، و”معالم على الطريق”، وكتاب: “الحلال و الحرام” للشيخ الفاضل القرضاوي، هذا يؤدي إلى لفت نظر المواطن إليها، ويجعل الواعي منهم الذي لم يفكر بالقراءة لهذه الشخصيات الإسلامية يوما ما، بالنظر في هذا الموضوع مجددا، إذ يتساءل:
أي خطورة تحملها تلك الكتب!
يخيل إليه أنها كتب تحرض على حمل السلاح، وقتل الأبرياء! ثم إنه يفاجأ بأنها كلمات تطيب لأي مسلم يحب الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
منها ما كتبه سيد قطب في كتابه: “المستقبل لهذا الدين”
1-( فمن طبيعة هذا المنهج الذي يرسمه هذا الدين، ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج، نستمد يقيننا الذي لايتزعزع، في أن المستقبل لهذا الدين، وأن له دوراً في هذه الأرض، هو مدعو لأدائه- أراد أعداؤه كلهم أم لم يريدوا – وأن دوره هذا المرتقب لا تملك عقيدة أخرى، كما لا يملك منهج آخر أن يؤديه – وأن البشرية بجملتها لا تملك أن تستغني عنه).
أيضا قوله:
2-(لقد جاء هذا الدين ليلغي عبودية البشر للبشر، في كل صورة من الصور، وليوحد العبودية لله في الأرض، كما أنها عبودية واحدة لله في هذا الكون العريض).
قال تعالى” أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)” آل عمران
3-(إن دين الله لا يصلح خادما يلبس منطقة الخدم، يقف بحضرة “أسياد”، ويوجهونه حيث يريدون! يطردونه من حضرتهم فينصرف وهو يقبل الأرض بين أيديهم .. ثم يقف وراء الباب -في شارة الخدم – رهن الإشارة! .. و يستدعونه للخدمة! فيقبل الأرض بين أيديهم، وينحني قائلا: لبيك يا مولاي! كما يفعل من يسمونهم”رجال دين”!
أيضا ..
4-(إن الإسلام سيقر في خلد قيمته العليا ومقوماته الكريمة .. سيستنقذ الروح الإنساني من المهانة التي فرضها عليه “دارون” و”كارل ماركس” وأشباههم! وعندئذ سيشعر أنه هو السيد الذي ينبغي أن يسيطر على الآلة وعلى الإبداع المادي والحضارة).
وكتب في كتابه “معالم على الطريق”:
1-( فلا بد إذن – في منهج الحركة الإسلامية – أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها. لابد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون أنه لم يختلط، ولم تشبه شائبة، نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله، ولحقيقة الوجود الإنساني، ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين، وبين الوجود الكامل الحق، وجود الله سبحانه … ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة، وقيمنا وأخلاقنا ومناهجنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة).
وجاء في كتاب “الحلال و الحرام” للشيخ القرضاوي:
1-(جاء الإسلام فوجد الضلال والانحراف في التحريم والتحليل، فكان أول ما صنعه الإسلام في هذا الجانب الخطير من التشريع أن وضع جملة من المبادىء التشريعية جعلها الركائز التي يقوم عليها أمر الحلال والحرام، فرد الأمور إلى نصابها وأقام الموازين القسط وأعاد العدل والتوازن فيما يحل وما يحرم، وبذلك كانت أمة الإسلام بين الضالين والمنحرفين- يميناً وشمالاً- أمة وسطا. كما وصفها الله الذي جعلها خير أمة أُخرجت للناس).
كانت هذه بعض الاقتباسات من بعض الكتب التي حكم عليها بالإقصاء، فإن منعت ورقيا فهي متاحة إلكترونيا للإنسان الذي بطبعه الفضول!
اطلِّع لتحكم بنفسك، ولا تدع مجالا لكائن من كان أن يبلور أفكارك، دون تدخل منك، ثم احكم بمقدرا حبك وغيرتك على دينك.
عندما يتم سحب الكتب الإسلامية فهذا يعني اعترافا بأن الإسلام “دين إرهاب”؛ كون الكُتاب يحملون دينهم في قلوبهم ويدافعون عنه، وطالما أن الشعب يصغي لأي أمر وهو صامت بلا اعتراض، قد يكون هذا الفعل مقدمة لما هو أسوأ! ربما!
و فيه إعانة للدول الكبرى على تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومشاريعهم الأخرى، فالأمم تكالبت على الأمة الإسلامية، ألا يكفي هذا! فإذا كانت تلك الكتب تجعل المواطن إرهابياً، فما الذي جعل المسلم في أوروبا يتجه إلى الإرهاب؟
موضوع الإرهاب يحتاج إلى معرفة جذورها الحقيقية؛ لكي يتم اجتثاثها، فمعرفة المشكلة جزء من العلاج. والسبب لا يكمن في الكتب، فهي من الإرهاب براء، السبب ـ في اعتقادي ـ يكمن في تدني المكانة بين الأمم، وضعف الأمة الإسلامية، وقلة من يدافع عن الإسلام، إضافة إلى الاستبداد، وعدم تطبيق شرائع الله، والتدخل الأجنبي السافر في الدول العربية والإسلامية.
فما الذي سيملأ فراغ تلك الكتب القيمة؟! هل سنملأها بكتب الإلحاد والمجون والتبعية؟!
و بدلا من أن نقول للناس: ابقوا بجانب دينكم والقرآن، نقول لهم: ابقوا حيث الغِناء؛ فالأشرار لا يغنون، كما يقول المثل الغربي!
و أنا لا أقول، إلا مثل ما قال سيد قطب – رحمه الله – في كتابه المستقبل لهذا الدين:
نحن نستيقن أن الناس عائدون إلى الله؛ عائدون إلى منهجه هذا للحياة، وأن المستقبل لهذا الدين عن يقين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست