قد تظن أن الحـلم لغة ذاتيـة قاصـرة، وقد يخطر لك أيضًا أنـها مجموعة أحداث عشوائيـة صاغها عقلك إذ فشلتَ صباحًا في إعادة صياغة حلمك بدقة. لكـن الحـلم في الواقع، حيز إنساني مشترك يحمـل لغة تفعيلية كونيـة، تقوم على مجموعة من الرموز الأولية، وعناصرَ تتكرر في أحلام أشخاص مختلفين عبر أزمنة وأمكنة متباعدة. وتشكـل هذه العناصر نموذجًا مبدئيـا للغة تعبيرية شأنها شأن كـل الأنماط التواصلية الأخرى. أنت تحمـل داخلك أحلام أسلافك، كونـك تنتمي إلى الطور الحديث من عمـر البشريـة، لا يعني أن أحلامك تختلف عن أحلام الإنســان القديم.
انطباعات الحضارات السـالفة
أمام حيـرة الشعوب البدائية في التعامل مع الأحلام، أخضع الإنسان القديم الرؤى لتفسيرات خرافية أكسبت الحـلم طابعـا روحانيا.
السومريـون
جنوب بلاد الرافدين، ظهرت أولى الحضارات الإنسانيـة وأغناها تراثـًا وآثارا بفضـل الألواح الطينية المدونة بالخط المسماري، لذلك السومريون هم أول من دونـوا الحلم تاريخيا. أول مرة يذكر بها الحلم في تاريخ الإنسانية، كان في قصيدة سومرية تعود إلى العصر الحجري الحديث، يقص فيها الأمير كوديا رؤياه على الآلهة ناتشه، فتخبره أنـها خطاب من الشيطان. الحلم في الحضارة السومرية، والحضـارة البابلية لاحقا، خاطرة من الإلـٰه أو من الشيطان.
مـصر القديـمة
في أرض الحلم التقليدية، كان الناس مرتهنين بمعـاني أحلامهم يولونهـا شأنا كبيرًا، فالمصري القديم لم يكن يعيش ليومه، كان يعيش لأبده. معابد النوم، مدرسة إهناسيـا هي اماكن خصصها المصريون القدامى لتفسيـر الأحلام. امتد الحلم من التأثير في أصغر الفلاحين والعبيد إلى التأثير في الهندسة والسياسـة والفلاحة، وكان الشخص الضليع في تفسير الرؤى ذا جاه ومكانة عظمى بين قومـه. أمـا أشهر الأحلام في مصر القديمة هي رؤيا مزيـفة قام الملك «تحتمـس الرابع» بتأليفها ليحتال على الاستيلاء على العرش، ثـم رؤيا الملك أمـن حوطب التي قام النبـي يوسف بتأويلـها.
الحضارة الصينية
اليـونانيون
يقول هوميروس في الأوديسة «أيها الغريب، ثمة أحلام غامضة لا يسبر غورها، وهي لا تكشف كلها المستقبل للناس، لأن هناك بابين من الأحلام الرجراجة، واحد من العاج والآخر من القرن. فالتي تخرج من باب العاج ليست أكثر من أوهام خادعة وسراب، أما تلك التي تخرج من باب القرن الأملس فتتحقق فعلاً بالنسبة للكائن الفاني الذي تتراءى له» تـلخص هذه المقولة واحدة من النظريات الكثيرة التي استند إليها اليونانيـون في تفسير الأحلام، لكن باختلاف الفلسفات كان لكـل فترة تأويلاتها.
البشريــة تحلم معـًا
الآن تخيـل معي رجلا عجوزا حكيما.
الصورة التي انطبعت في ذهنك هي صورة رجل بلحيـة بيضاء كثيفة ورداء أبيض وربما عكاز. أغلب الناس في كامل أصقاع الأرض أيضا سيتخيلون نفس الرجل مع تعديلات بسيطة حسب مفاهيمهم للحكمة وذاكرة شعوبهم، لكن اللحية واللون الأبيض سيكونان حاضرين.
يقول يونغ: «إن الحلم يعطي صورة للحالة الداخلية للفرد، بينما العقل الواعي ينكر بأن هذه الحالة موجودة، وهو إذا ما اعترف بوجودها، فإنه يفعل ذلك مكرهًا، فنحن عندما نصغي إلى أوامر العقل الواعي، فنحن في حالة شك دائم، والحلم يأتي كتعبير عن عملية نفسية غير إرادية وغير مسيطر عليها من وجهة نظر واعية، وهي إنما تمثل الحالة الداخلية للفرد كما هي عليه في الواقع».
رحلــة في منامــات فرويد
تفاسير
فيمـا كان الحـلم قديمًا محددا دينيا وسياسيا، تراجعت مكانتـه في العصر الحديث وصار شأنًا ذاتيا، لكنـه احتل مكانة كبرى في منظومة الظواهر النفسية والدراسات المتعلقة بها حتى وصل إلى مراحل متقدمة مكنت الإنسان العادي غير الضليع في علم النفس من تفاسير للأحلام المشتركة بين الــبشر:
السقوط من مكان عالٍ (أكثر الأحلام شيوعًا على الإطلاق): يعكس هذا الحلم أن صاحبه يمر بفترة مزعجة أو مشكلة لا يعرف كيفية الخروج منها.
الدخول لامتحان بذهن فارغ: يعكس هذا الحلم الخوف من مسؤولية مهنية أو عائليـة.
الملاحقة من قبل غريـب/خطر وعدم القدرة على الصراخ: يعني التردد في اتخاذ قرار قد يبدو خطيرا أو المجازفة في طموح قد يبدو غير قابل للتحقيق.
قيادة السيارة وفقدان السيطرة: يعكس هذا الحلم الخوف من فقدان السيطرة على وضع ما، كاختبار مهم أو علاقة جديدة. عاريا في مكان عام: أكثر الأحلام إحراجا، وهو انعكاس لخوف دفين من انكشاف ســر أو كذبة.
الأحــلام الجــنسية.. إحراج مضاعف
فيمـا قد تسبب مثل تلك الأحلام إحراجا لصاحبها أثناء نومـه (تعرق، صراخ، الحديث أثناء النـوم. فإن الأحلام الجنسيــة قد تسبب أضعاف ذلك الخجــل خاصـة بالنسبة للأزواج، إذ أن المعطى السائد سيكون أن صاحبها غير سعيد في حياتـه الجنسية. وهو طبعـًا اعتقاد خاطئ فالأحلام الجنسية طبيعيـة تمامـًا ولا تدعو للقلق أو إلى وجود مشكلة ما. وقـد توصل علم النفس إلى التفاسير التقريبية لأكثر الأحلام الجنسية شيوعًـا كذلك:
حبيب قديم: لا يعنـي هذا الحلم أنك لازلت مغرما بذلك الشخص بل أنك تخاف تكرار خطأ ما.
شخص تكرهــه في الواقع: في عقلك الباطن المشاعر الجنسية لا تثار بالضرورة بالحب والإعجاب، بل حتى بالكراهية والغضب باعتبارهما من أنواع الاهتمام.
كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية. آلبرتآينشتـين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست