عندما يشعر الطغاة بأن عروشهم تتهاوى، فإنهم يلجأون لدغدغة مشاعر العامة، وهذا تمامًا ما قام به فرعون عندما وقف عاجزًا أمام موسى، فلم يكن أمامه سوى اللعب على مشاعر الناس، وإظهار نفسه بمظهر المحتاج لهم (فماذا تأمرون) وكأنهم هم أصحاب القرار. ومن لفرعون لتسهيل تلك العملية سوى إعلام مأجور من السحرة، يروجون لفكره وشرعيته التي فقدها أمام رب موسى، فيسحرون عيون الناس، ويستولون على عقولهم، ليعودوا من جديد إلى ضلالهم.

 لكن حتى فرعون لم يستطع أن يسخر السحره لمساعدته دون مقابل، فوعدهم بالعطايا وأن يكونوا من المقربين. فما هم سوى مرتزقة يضربون بعصا كل مستبد يدفع لهم ليروجوا له ويبرروا فساده.  هولاء هم أذرع الطغاة في كل زمان ومكان.   وما نشهده الآن لما يحدث مع أذرع السيسي الإعلامية، والتي انتهت بقطع آخرها منذ أيام ما هو إلا مشهد معاد لجزاء سحرة فرعون الذين آمنوا برب موسي، ولكن الفرق أن سحرة السيسي لم يؤمنوا، ولم يرجعوا عن ضلالهم.

لقد لجأ السيسي فاستخدم الإعلام لتنفيذ مخططه الانقلابي، والإطاحة بالرئيس محمد مرسي، والاستيلاء على مكانه بقوة الدبابة، ثم استخدمهم بعد ذلك لإعطائه شرعية حكم لا يملكها، والترويج له على أنه المخلص والمنقذ، وهذا كله كان بنفس الثمن الفرعوني القديم! (العطايا وأن يكونوا من المقربين)، (أنتو مش عارفين إنكم نور عنينا والا إيه).

وفورًا شرع إعلام السيسي لسحر أعين العامة في رسم صورة مترفة لحياتهم القادمة، وسلبوا عقولهم  بمعسول الكلام والوعود التي دأب السيسي على ترديدها ليل نهار. ولأنهم إعلام بلا مبدأ فهم لا يملكون أي صدق أو شفافية في تناولهم للقضايا الهامة حيث يعرضونها حسب مصلحة وسياسة الممول وليست مصلحة البلاد، فهدفهم الأول والأخير هو الدعاية للحاكم، متجاهلين ما يعانيه الناس من مآسٍ ومشاكل، مستخفين بعقولهم ومشاعرهم، مضلليهم بإخفاء حقيقة ما وصل له حال البلاد من تدهور وتدنٍ لكل مجالات الحياة.

 لهذا سقط إعلام السيسي بذراعيه الحكومي والخاص في اجتذاب مشاهدين جدد، بل على العكس فوفقًا لاستطلاعات رأي عالمية أجرتها كبرى الشركات الأمريكية، أظهرت أن إعلام السيسي يخسر متابعيه لصالح إعلام الشرعية، وهذه التقارير أفقدت السيسي وحكومته صوابهم، فخرجوا عن طريق وزير خارجيتهم يهاجمون كلًا من إعلام الشرعية وتركيا التي تحتضنه، وقطر والجزيرة، متهمين الجميع بالإرهاب.

لكن ليس هذا الفشل الإعلامي هو السبب الوحيد لعملية التشويه الممنهجة ضد هؤلاء الإعلاميين المحسوبين على الانقلاب، فهو ليس تنكيلًا عابرًا، إنما هو تمهيد لمرحلة أكثر شراسة، تحتوي على قرارات أكثر تدميرًا للمجتمع. تلك المرحلة يحتاج السيسي فيها لأبواق عمياء، لا عقل لها ولا فكر، يحتاج لوجوه تصبح بمثابة مصادر جديدة لتغييب وعي الناس، واستعادة من شرد من قطيع خرافه، الذين كفروا به وبوعوده بعد ما لاقوه من فقر وجوع. لقد تخلص السيسي من الحرس القديم للإعلام مكتفيًا بتشويههم وقتلهم معنويًا، ربما ليصبحوا عبرة ليعتبر من يأتي بعدهم من رأس الذئب التي طارت.

يريد السيسي وجوهًا إعلامية تمكنه من القضاء على إعلام الشرعية الذي فشل في تدميره خلال السنوات الماضية للانقلاب.  وهذا ليس بغريب على السيسي الذى نصب نفسه إلهًا لا يريد أن يرى المصريون غير ما يراه هو، إنما الغريب حقًا هو أن يخرج علينا من هم محسوبون على الشرعية مطالبين بما يطالب به السيسي من إغلاق لتلك القنوات، وحجتهم أن تلك القنوات خرجت على قدس أقداس الشرعية الذي بنوه؛ لاستضافتهم أصحاب الرأي المؤيد للانقلاب.

أصبحنا نرى من بيننا من يقومون بدور معول الهدم لما نملكه من إعلام، سواء بقصد أو دون قصد، ليس هذا فحسب، بل إنهم يعطون شرعية لعملهم هذا على أنه خدمة للثورة والشرعية. نحن لا ندعي أن إعلام الشرعية يعمل بشكل احترافي كامل، نعم هناك أخطاء وقصور، ونعم هناك بعض الأيديولوجيات تسيطر على تلك القنوات.

ولكن إن هدمتم تلك المنابر فماذا تبقى لنا؟ أنتم ببساطة تخرسون أصواتنا لمجرد أن هناك بعض ما لا يعجبكم. فهل قدمتم لنا البديل لتلك القنوات قبل الدعوة لهدمها وإغلاقها؟ ألا ترون أنكم تدعون لنفس ما يدعو له الانقلاب وعجز عن تنفيذه؟ وأنكم تخونون من يخونهم الانقلاب!

 إن ما يحدث الآن من أناس محسوبين على الشرعية ما هو إلا العجب العجاب الذي وعدنا به السيسي. إن الإعلام يا سادة دوره هو مناقشة القضايا والمشاكل داخل المجتمع بشفافية، وعرضها من كل الزوايا الممكنة، ومعرفة رأي كل أطياف المجتمع، من نحب ومن نكره. فليس معنى أن العسكر شوهوا الإعلام بعقولنا فحولوه من سلطة رابعة إلى جارية بحانتهم، أن نظل نحن نراه هكذا مجرد أداة، وغاية للوصل لهدف محدد.

نعم كان لابد أن يكون الإعلام سلطة رابعة في المجتمع، ولكن لأننا بفضل العسكر لا نملك السلطات الثلاث الأولى أصلًا (التشريعية القضائية التنفيذية) أصبح لدينا بديل لهم مثلث برمودا للحكم المكون من الساسة ورجال المال ورجال الدين، وأصبح الإعلام العسكري بلطجي فى ساحتهم يساوم الساسة، ويبتز رجال المال، ويجند رجال الدين لمصلحة ما يرضي عنه سادته. وهذا تقريبًا هو نفس الدور الذى يقوم به المحسوبون على الشرعية المناديين بإغلاق إعلامها من بلطجة، فإما أن يرى الجميع ما يرونه، وأن يتكلموا بلسانهم، أو يقوموا بتخوين هذا، أو اتهام ذاك، ويرفعوا شأن البعض، ويشوهوا البعض.

هناك سؤال أوجهه لهؤلاء الذين يريدون هدم إعلام الثورة، هل أعددتم لنا البديل؟ اطرحوا لنا البديل المناسب وقدموه، وإن كان هذا البديل يحقق ما تريده الثورة فسوف يتفوق على الإعلام الحالي وسوف يستقطب جمهوره، الجمهور هو الحكم يا سادة، فالجمهور هو من ترك إعلام السيسي وتوجه إلى إعلامنا، ولا يجب أن ننسى أن الإعلام الذي ساهم بشكل كبير في إسقاط الرئيس محمد مرسي ما كان إلا أن يواجه بإعلام يتفوق عليه، وليس بالأصوات الرنانة التي خرجت حينها تدافع عن الرئيس مرسي، وأخيرًا أقول للجميع، استقيموا يرحمكم الله، وأتموا الثورة لله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد