كنت قد ناقشت عنوان المقالة في الجزء الثاني من تلك السلسلة, ولكن أردت توضيح بعض النقاط، لذلك سيكون مقالي هذا هو ردا على أي سؤال سيجول بخاطرك بخصوص ذلك السؤال بعون الله.
ثلاثة عشر عامًا والمسلمون في مكة ما بين قتل وتعذيب وانتهاك أعراض وسلب أموال، حتى ذهب أحد الصحابة إلى النبي ذات يوم وهو في ظل الكعبة وقد لقوا من المشركين شدة فقال يا رسول الله استنصر لنا، فيجيب (إنكم قوم تستعجلون)؟!، فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان (من قبلكم) ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله -زاد بيان والذئب على غنمه.
أتعرف من يقصد الرسول بـ(من قبلكم)، إذا نظرت للقرآن ستعرف أنهم كثيرون ولكن سنختار منهم قصة أصحاب الأخدود، حيث كان هناك حاكم ظالم أمر بجمع كل المؤمنين في المدينة ورمي من لم يرجع عن دينه في نار أشعلت في أخاديد حُفرت ولم يتراجع أحد عن إيمانه، بل حتي الرضيع الذي قال لأمه حين همت أن ترضعه: اصبري يا أماه فإنك على الحق، ورمى الكفار الأم ورضيعها في النار دون رحمة.
أين كان الله حين شُقت الأخاديد وأُشعلت النيران وأُحرقت مدينة كاملة من الموحدين، وبقي الملك الظالم الذي يدعي الألوهية يحكم ويتمتع بعد أن قضى على كل الموحدين؟!
الله حينها كان يري ذلك المشهد، هو الذي أنطق الرضيع وهو الذي أعطى بلاغة وإيمانًا للغلام، ولكن لم يتدخل الله لإنقاذ الرضيع ولا الغلام ولا الراهب، بل إن الغلام قُتل والرضيع حُرٍق وباقي المؤمنين حرقوا، بل وذكر الله قصتهم في سورة البروج لتكون تثبيتًا لأي مؤمن ليوم الدين.
تجد المتدينين والذين يميلون إلى تفسير الأحداث من الناحية الدينية عاجزين عن تقديم رد مقنع لسؤال: أين الله من قتل الأطفال؟!، خاصة بعد أن أصبح الأطفال ومن على شاكلتهم من النساء والعجائز وكبار السن هم وقود المعارك وموضع استهداف مباشر!
لذلك يسعى الجميع إلى معرفة الحكمة من وراء عدم تدخل الله لمنع وقوع كل هذا العدد من الضحايا من الأطفال، يتساءل أحدهم في حزن ألم يكن في قدرة الله تحويل مسار هذا الصاروخ الذي استهدف حضانة الأطفال؟!، هنا الشخص يتساءل عن إيمان بقدرة الله عز وجل لا عن كفر والعياذ بالله، بل يتساءل ما الحكمة من أن يترك الله هذا الصاروخ يصيب هؤلاء الأطفال الأبرياء داخل الحضانة؟!
وإن كنا نبحث عن إجابة للسؤال فليس أمامنا سوى البحث في القرآن الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، في القرآن وجدت أن الله قد ذكر هذا السؤال وأجاب عليه بشكل مختلف، أو لنقول بأشكال متعددة ليوضح لنا حتمية «لماذا» وراء هذا الفعل الذي سيتوقف أمامه أي إنسان مهما كانت درجة قسوته.
لماذا قتلت الغلام؟! هذا سؤال موسى للخضر يوم أن ذبح الخضر غلامًا رآه في القرية، دعنا ننظر للمشهد بشكل مختلف، دعنا ننظر إلى هذا الحوار كأنه مشهد تتشابه فيه الأدوار بيننا وبين أبطال هذا المشهد دعني أقول أن «موسى» يمثلك أنت و«الخضر» يمثل القدر والأمر الإلهي و«الغلام» يمثل المظلوم الذي تغضب لأجله.
موسى «الذي يمثلك» ويسأل لماذا قتلته ويرد عليه الخضر مذكرًا له بالصبر الذي قطعه على نفسه في بداية رحلته معه!
دعني أضيف مشهدًا آخر: موسى الذي يسأل «لماذا» هو نفسه موسى الرضيع الذي تنبأ أحد منجمي فرعون بقدومه ليستولى على ملك فرعون فأمر فرعون بقتل كل الأطفال الذكور، ولكن الله نجاه هو وحده بأن أوحي إلى أمه بأن ألقيه في اليم «البحر» ، دون هؤلاء الأطفال الذين فدوا موسى الرضيع!
وهذا ابن نوح العاق الذي لم يستمع لكلام والده النبي نوح وأرهقه بكفره، أليس هذا يماثل مصير غلام سورة الكهف الذي ذبحه الخضر حتى لا يرهق والديه بكفره عندما يكبر!
دعني أوضح لك أن أبا وأم الغلام لم يعلموا بحكمة الله في موت ابنهم حيث إن الخضر لم يذهب إليهم ليخبرهم الحكمةفي ذلك، ولكن دعني أتخيل شعورهم عندما علموا أن ابنهم قد ذُبح، لا بد إنه صراخ وعويل وحزن شديد وتساؤلات (ليه يا رب؟ ده لسه صغير، ده معملش حاجة) وتساؤلات من هذا القبيل، إلى أن أتى فرج الله لهم بمولود آخر، يقال إنها فتاة ذريتها كلها صالحة.
فليس كل غلام كافرا أو سيصبح كافرا وهكذا الرضع، ولكنها أمثلة تبين أن الله يُدبر الأمر في أرضه ولعباده فهو القاهر فوق عباده.
فوالله لولا تلك الدماء الزكية التي تسيل أنهارًا لظللنا نُمجد أناسا يطعنون في ظهورنا، ونُقدس أناسا ظاهرهم مسلمين ولكنهم يضمرون الشر لبقية المسلمين، ولظللنا نحترم حُكامًا ومثقفين ورجال دين كنا نعتقد سلامة فكرهم ولكنهم أصبحوا فارغين دون علم حقيقي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست