أمريكا كانت وما زالت أول وآخر دولة استخدمت السلاح النووي ضد المدنيين،كذلك كانت وما زالت الدولة التي ترسل جيوشها من أقصى العالم إلىأقصاه لغزو الدول واحتلالها، والكل يعرف من هو الذي دمر بغداد وخلف فيها آهات الحرب والاحتلال.

في المقابل فإن روسيا (وكذلك الاتحاد السوفيتي سابقا) كانت أول وآخر دولة ساعدت أغلب الدول الحديثة في بناء بناها التحتية وأركانها العسكرية وتبحث عن المصالح المشتركة فيأغلب التعاملات السياسية والاقتصادية (وخصوصا العراق وسوريا ومصر) إضافةإلى تأسيس جامعة أكاديمية نية حسنة منها سُميت (جامعة الصداقة بين الشعوب) جميع طلابها أجانب، كل ذلك ولا أقول إن روسيا ملاك هذا العالم، وإنما دولة يشهد لها التاريخ ببعض المواقف الحسنة لا يوجد مجال لسردها الآن.

لذلك من الأفضل أن نقرأ التاريخ لنعرف المستقبل ومن الأفضلللعراقيينأنيفكروا تفكير الدولة التي لم تخرج إلىالآن من ويلات الاحتلال وما زالت منهكة بحرب الإرهاب، نفكر تفكير الدولة التي ذُلت بعد عظمتها لتستجدي العظمة من تلك الدولة أو غيرها، بدون غض النظر عن الذي وقف معهم أو الذي خذلهم في انتكاستهم الأخيرة،وأن ينأوا بأنفسهم عن الرأي السائد بأن يبتعد العراقيون عن كل المحاور ويبنوا الدولة بسواعدهم، ولا يطلبوا المساعدة لأن كل الدول متآمرة ولا تريد الخير للعراق، نعم قد يصح هذا الحديث لكن يجب أن نعرف إنهم صغار وهذه اللغة هي لغة الكبار.

الكبار الذين يملكون الأمن القوي والاقتصاد القوي والدبلوماسية القوية،روسيا إلى الآن تمتلك سياسة متزنة تعتمد على قاعدة الربح-ربح في التعاملات السياسية وخاصة مع العرب وقد ورثت هذه السجية من الاتحاد السوفيتي بعكس الغريم الأمريكي الذي دائما ما يتلاعب بمصائر ملايين البشر من أجل حماية خط الشر المطلق الذي خطه الرؤساء السابقين فأي زلة تغير مسار هذا الخط ستنهار وتذهب أمريكا إلى الخراب لذلك فإن أي رئيس جديد للولايات المتحدة لا مناص له من إكمال المسيرة ولو كلفه هذا إنسانيته.

وبالحديث عن الرؤساء الأمريكان فإن موعد انتهاء الفرصة الوحيدة للعراقيين للخروج من كنف أمريكا واللجوء إلى روسيا هي قبل الانتخابات الأمريكية  في 2016 أي قبل أن تجلس كلينتون أو ترامب على كرسي الرئاسة الأمريكية فيبدو حسب المعطيات والنتائج الأخيرة أن أوباما أجّل كل شي للرئيس الأمريكي القادم للحفاظ على جائزة نوبل التي حصل عليها ومن أجل اعتبارات أخرى.

من هنا نجد أن المناخ الدولي العام مهيؤ لتغيير مثل هذا خصوصا مع دخول روسيا على خط المواجهة مع داعش في سوريا، وتكرار حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن عدم وجود أي طلب عراقي إلى روسيا لضرب داعش، الأمر الذي يفسر بأن روسيا مستعدة لضرب تنظيم داعش في العراق إذا ما طلبت بغداد منها ذلك.

نتحول الآنإلى الداخل العراقي ونقرأ الإمكانية العراقية للتحول من محور أمريكا إلى محور روسيا-صين-إيران فيبدو أن غالبية القوى الشيعية تتجه نحو هذا المحور الأمر الذي جعل من غالبية القوى السنية إلى الحديث مجددا عن استحداث مجلس السياسات العليا للسيطرة على سياسة الدولة هذا من جانب.

ومن الجانب الآخر فإن كل المؤشرات تشير إلى عدم إمكانية هذه الحكومة من إجراء هذا التحول الخطير، فالعبادي مكبل بسلاسل السفارة الأمريكية في بغداد، وبدأت شعبيته بالتناقص إضافة إلى الشهية الشيعية للانظمام لمحور روسيا. الأمر الذي قد يجعل من أمريكا تفكر بخيارات عديدة منها دفعه لتقديم الاستقالة، وهذا أقصى ما يستطيع فعله أوباما حاليا، ومن ثم بعد الاستقالة تبقى الأمور بيد الأمين العام لمجلس الوزراء الجديد عماد الخرسان المدعوم خليجيا ومن المرجعية في النجف،إلىأن يأتي الرئيس الامريكي الجديد ويقرر ما يقرر.

في هذه الأثناء يبدأ الحديث عن سيناريوهات عديدة بطلها المالكي أو من ينوب عنه للوصول إلى سدة الحكم بالقوة وبمساعدة إيرانية تتمثل بفصائل مسلحة أبرزها قوات بدر و كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق المنضوية تحت اسم الحشد الشعبي، وهذا الأمر لن يتم إلا بموافقة المرجعية النجفية والتيار الصدري والسفارة الأمريكية وتصعيد خطير جدا بين إيران وأمريكا.

لذلك إذا تم هذا الانقلاب ونجح فأن أول الخيارات التي ستنتج هو طلب رسمي إلى روسيا لضرب داعش خصوصاأن داعش في هذه الأثناء ستتقدم في كل الجبهات نتيجة ارتباك الوضع لدى الجيش العراقي وانشغال الفصائل الثلاث (الكتائب والعصائب وبدر)  وإخوانهم بأمور الحكم في بغداد.

كل هذا غير واقعي حاليا و”خيالي جدا”خصوصا بعد أنباء عن استنفار مسلح لسرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الغير مدعوم من إيران والمناوئ لها تحسبا لأي انقلاب الأمر الذي يعبر عن رفض التيار الصدري للانقلاب بقيادة نوري المالكي كونه بنظرهم وبنظر حلفائهم وغالبية الشعب العراقي المسؤول الأول عن ما لحق للعراق من دمار وخراب وضياع مليارات الدولارات وتسليم ثلث العراق إلى تنظيم داعش خلال فترة حكمه،

لكن يظهر إن الصدر وعمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي ومن خلال بعض خطوط الاتصال يبديان تأييدا لتغيير رئيس الوزراء الأمر الذي جعل العبادي يتحرك لإنقاذ الموقف باقتراحه لتشكيل تحالف سياسي عابر للفئوية طرحه لأول مرة خلال اجتماع مع اتحاد القوى السنية قبيل أن يعرج إلى محافظة النجف الأشرف (العاصمة العلمية للشيعة) ليطلع المرجعيات والقيادات الدينية بهذه الخطوة الذي رفضها البعض وأيدها البعض الآخر.

هذه الخطوة عرفها الجميع أيام المالكي حينما انشغل رئيس الوزراء السابق بتشتيت المعارضين واستقطاب أعضاء الكتل المنافسة وكان الغائب الوحيد حينها هو المواطن الذي ليس له لا ناقة ولا جمل من كل تلك التحالفات السياسية أيام المالكي فهل يا ترى سينجح العبادي بلم شمل السياسين وآهات المواطن العراقي؟!

من هذه الأحداث المرتبكة يتبين أنالانضمام إلى محور روسيا غير ممكنحاليا بسبب الاستقرار القتالي للجبهات العراقية، وكذلك الوضع السياسي العراقي المعقد لكنها آتية لا محالة، خصوصا بعد زيارة الوفد البرلماني العراقي الرفيع موسكو مؤخرا حيث قال رئيس الوفد ورئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية وبالنص؛ إنناأخبرنا موسكو بأن دخولكم في سوريا هو اختبار لكم وسنتريث كثيرا إلى أن تتضح الأمور في سوريا، الأمر الذي يعبر عن نوع من الحنكة الدبلوماسية حديثة الولادة لدى بعض ساسة العراق. وبرأيي آمل أن تكون هذه الحنكة موجودة لدى الشعب العراقي الذي أصبحالآن متذمرا من الجانب الأمريكي وخصوصا فئة النازحين الكبيرة التي لسان حالها يقول أين الديمقراطية يا أمريكا!!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد