يقول الكتاب الإسلاميون وأضم رأيي لهم إن الإسلام لا يحتاج إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة كما احتاجت أوروبا مع المسيحية التي كانت الكنيسة سببًا عميقًا في تخلف العالم الغربي لقرون عديدة وذلك لأن الدين الإسلامي لا يتنافى مع أساسيات العلم، كما أن التاريخ الإسلامي حافل باحتضان العلم والعلماء من العرب ومن الذين لم يجدوا بيئة حاضنة لعقولهم في أوطانهم ووجدوها في دولة الإسلام فازدهرت ونمت بهم.

فقد كان الخليفة هارون الرشيد مثلًا يمنح المبدعين وزن إبداعهم ذهبًا بينما كانت أوروبا تقتل مبدعيها بتهمة الكفر على يد الكنيسة.

ولكن السؤال الجدير بالأهمية هو:

إذا كان الإسلام كذلك فلماذا انتشرت العلمانية كل هذا الانتشار في بلاد المسلمين ولماذا انقلبت تركيا مهد الإمبراطورية العثمانية إلى دولة علمانية بكل المقاييس لا تعرف من الدين إلا قليلًا؟

ولكي نعرف الحقيقة:
علينا أولًا

– أن نعتقد أنه لا شيء يأتي من فراغ.

– ألا تتحيز لنفسك ولانتمائك.

– ألا تكن ضد انتمائك بحجة الحيادية فتقع في مشكلة التحيز للآخرين وقد يكونون على باطل.

– أن تبحث عن الحقيقة بنفسك وتنقب عنها.

ولأنني في محافظة سامسون مهد انطلاقة الثورة الشعبية بقيادة أتاتورك ضد الاحتلال والنزاع العرقي هناك فقد صار لدي الأمر واضحًا أن حب الكثيرين لأتاتورك العلماني لم يأت من فراغ بل من خلال ملء فراغ ناهيك عن حالة الأمن والرقي المعماري والصناعي التي عمت البلاد.

في حين كان المسلمون يعيشون في خرافات عجيبة بدأت من تقديس الأموات والزهد على الطريقة الصوفية وما تحمل من خرافات لا تمت للعقل بصلة إلى تحريم الطابعة والتخلف التعليمي في البلدان العربية التي كان يحكمها العثمانيون والتي مهدت الطريق لثورة لورنس العميل البريطاني.

يقول أهل سامسون:

إن أصحاب الطرق الصوفية والمنابر كانوا يأكلون أموال الناس بالباطل حتى أعدمهم أتاتورك بعد حين من ملكه.

يقول أهل سامسون هذا الكلام وهم راضون عما فعل أتاتورك بأصحاب الطرق والأئمة أشد الرضا رغم أن أتاتورك ومن حالفه كانوا يتتبعون المصاحف في البيوت حتى قال لي أحدهم إنهم كانوا يخافون حين يقرأون القرآن في عزلتهم.

بعد ضرب التخلف في العقلية الدينية وفي أعماق الأمة الإسلامية مما فتح المجال واسعًا لتوسع واستهتار العلمانية بديننا الحنيف ممثلة نفسها كمخلص للمجتمع تحمل له الجنة في الدنيا قبل الآخرة.

ولأن المجتمع آنذاك جاهل غير محصن فكريًا ونفسيًا فهو لا يستطيع التفريق بين عجز العقلية الدينية التي تتعامل مع الدين بطريقة ميتة، وبين الإسلام ككل بما يحمل من قدرات أبعد ما تكون – صريح نصوصه – محاربة أو رافضة للإبداع والعلم والازدهار والتقدم والتطور.

في الأمة العربية مهد الإسلام حدث ذلك

هناك حادثة مضحكة ومبكية في الآن ذاته تصف ما مرت به العقلية الدينية في الأمة الإسلامية من ظرف مرير فقد اختلف الفقهاء في القرن الماضي أي ما بعد الخلافة العثمانية وإبان الاحتلال البريطاني لبلداننا حول تحليل الوضوء بماء شبكة المياه واتفقت جميع المذاهب على حرمة ذلك إلا الحنفيون ولذلك سمي صنبور الماء بالحنفية في العراق ومصر.

إذا كان هرقل سأل هارون الرشيد عن سر عمل ساعته التي أهداها له: “هل تعمل بواسطة الجن؟”.

فقد نادى بعض المسلمون موبخين لمن يركب القطار تلك الأفعى الحديدية الجديدة (أتتركون حمير الله وتركبون الشمندفر).

كل فكرة حية تمر في حالة هرم وكساد

ولأن لكل فكرة أو دين تمر فيه العقول بحالة كساد وهرم وتمسك بالقديم وإجبار الجديد على أن يلبس ثوب القديم فقد مرت العلمانية بذلك الكساد وكذبت في كل ما ادعت بأنها ستنقلنا إلى التقدم والتطور والوحدة والنهضة المماثلة للنهضة الأوروبية الصناعية التي اتبعناها في فصل الدين عن الدولة وادعت أن التطور سيكون حليف هذا التوجه ولم يبقى للعلمانية إلا ألاعيبها التي أصبحت مكشوفة للشريحة الإسلامية المثقفة والواعية.

أخطأنا التشخيص ففشل الدواء

قد تكون العلمانية هي الحل الممكن لأوروبا في تلك الحقبة وقد أخذنا ذلك الحل منبهرين بتطورهم ربما أو بالحرية واللذة وأردناها حلًا لمشاكلنا ولكننا لم ننهض.

قد تكون المؤامرات التي تحاك ضد نهضة المسلمين هي السبب، أو قد يكون العقل العربي لم يستوعب تلك الثورة الصناعية وبالتالي لم يطبقها كما يقول العلمانيون معللين ذلك الفشل.

وتحت أي سبب من الأسباب فإن الله أراد بهذه الأمة خيرًا أن تفشل كل مشاريعها الوضعية لكي يعود التفكير بالحل الإسلامي جادًا.

والحقيقة أن هذا الأمر لمن دواعي السرور في جانبه المشرق لأنه يطرح الإسلام مجددًا كحل بديل.

ولكن الأخطاء التي يقع فيها السياسيون الإسلاميون الجدد بسبب جهلهم بأبعاد الدهاء السياسي والعملي تجعل المجتمع يبحث عن البديل العلماني مجددًا وعلى المجتمع الإسلامي أن يبحث عن البديل الإسلامي في الإسلام وإصلاح الخطأ الإسلامي بالصواب الإسلامي لأننا كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).

لا بأس، فالتجربة القومية والعلمانية كتجربة رأينا نتائجها كبديل عن الإسلام وكصفعة للعقل الديني الإسلامي الذي مر في غفلة من أمره ليصحو.

اليوم نصفع على الخد العلماني ألف مرة، ودون العودة إلى هوية الإسلام الحقيقية وطرح البديل من البديل الإسلامي فسوف نبقى نصفع دون أية صحوة تنتظر.

لأن الفكر العلماني لا يواجه التحدي الحالي بأي شكل من الأشكال فالعلمانية وليدة فكر غربي وتسويق غربي ومسح للهوية الإسلامية التي هي الخصم للغرب المسيحي بكل صراحة ووضوح.

ففي معادلة الصراع وعلى رقعة الشطرنج العلمانية (الأبيض دائمًا يبدأ وينتهي وينتصر).

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد