رواية همس العقرب للأديب السفير محمد توفيق (ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر ٢٠٢٢).
على ظهر الكتاب تقرأ هذه الكلمات:
«يا عقرب العقارب، يا حكيمة المخلوقات، الحق قولي، والضلال بددي..المستور اكشفي..واللئيم افضحي» تنشد الفتاتان عدة مرات وتنصتان باهتمام لهمس العقرب.
تمزج الرواية بين الواقع، الكثير منه، وبين الخيال، والحقيقة أن الكاتب نجح في أن يضفي واقعية على خياله وخيالًا جميلًا على الواقع؛ فلا تكاد تبين أي الأحداث وقعت، وأيها محض خيال من فرط الحرفية في التناول.
يطرح الأديب سؤالًا بل أسئلة حول الحياة والموت والرحلة والوصول!
يؤطر كل هذه الأسئلة إطار روحاني ويطغي على الحوار الاقتباسات الصوفية وعباراتها!
أما عن المفاهيم التي يشرحها الأديب من خلال رحلة بطله الاستكشافية، فهي تتعلق بأنماط الثقافية واختلافها بين الشرق والغرب.
تتناول الرواية الرحلة الاستكشافية التي قام بها حسين المصري ابن الأزهري كما جرى تعريفه في الرواية. ويرافق حسين روز الممرضة البريطانية، والتي تهوى الاستكشاف، وتكتب في مدونتها ما تقابله خلال رحلتهما.
تمتد الرحلة عبر الصحاري، وأكثر ما يميز الرواية توظيف الألفاظ والمصطلحات التي تتوافق مع جو الصحراء!
على قدر مشقة الرحلة، والخطر الذي يحدق بالبطلين، فإنهما عاشا لحظاتٍ من المتعة الخالصة توحدا فيها مع الطبيعة، وعرفا أن السر في التسليم.
يعرض لنا الأديب أوجه الاختلافات بين بداية الرحلة ونهايتها، بين مؤنة البطل ومؤنة البطلة، وكذلك بين هدف كل منهما من الرحلة!
يصف لنا كذلك استقبال الواحة للغرباء بكثيرٍ من الجود والكرم، كما اعتادوا دوما، وانبهار الغرباء بالاستقبال المهيب.
هل كان الغرباء تمهيدًا للاستعمار؟ّ!
أم أنهما يبغيان الوصول لعمق نفسيهما ؟
وهل الرحلة لاكتشاف الصحراء وكنوزها أم لاكتشاف أنفسهما وكنوزهما!
السؤال الذي عدته سؤالا فيصليًّا:
هل الحقيقة مطلقة؟ أم أنها تحتمل الصواب والخطأ!
عنوان الرواية مناسب لأجواء الصحراء كما سبق وقلت في البداية، فقد وظف الكاتب كل أدواته لنعايش جو الصحراء بتقلباتها، وحبات رملها، المتناثرة والإبل المنتشرة في أرجائها، كما أسهب في وصف الخيام وما تحويه من أبواب ودهاليز، يتوه فيها من لا يعرف دروبها جيدًا.
أصاب حسين وروز من الصحراء الكثير من الحكمة، كما أصابهما الإعياء والحوادث والخوف والترقب مما هو قادم.
التناول الزمني، تقع أحداث الرواية في الفترة التي تلت ثورة 1919، وقد بدأت الرواية بمشهد الحفل في عام 1938 ثم بدأ سرد الأحداث بالرجوع بالزمن إلى عام 1921 .
تسلسل الكتابة أشعرني بالدقة في تحري ما جرى في هذه الرحلة، التي تحمل الكثير من الواقعية وأضاف عليها الأديب لمساته الخيالية، وبعض الشخصيات المتخيلة.
اعتمد الكاتب في سرده على وصف ما يحدث للأبطال، ووصف انفعالاتهم كما تخلل ذلك بعض الحوارات الشيقة والتي تكمل سرد الحكاية.
بين الهروب من الماضي ومحاولة التصالح والتعايش مع اللحظة الحالية، تتأرجح الرواية، ونعايش معها حيرة الشخصيات الرئيسة روز وحسين، ونرى مدى تماهيهم مع الصحراء، كما نلاحظ التفاصيل التي تبرز الفروق بين حسين وروز خلال الرحلة.
إلى جانب حسين وروز نتعرف إلى البدو يمثلهم سيدي فوزي ونائبه يوسف. جميلة وسندس والجدة . ياسين.
تتقاطع مصائر الشخصيات ويمتزج كل منهم بالآخر، رغم اختلاف الثقافات والعادات.
هل تنتهي الرحلة بالنتائج المرضية لحسين وروز؟
هل ينكشف سرهم؟ أم يكشفان هما الأسرار؟
أدعوكم لقراءة الرواية فقد تجدون بين الصفحات إجابات لأسئلة طالما حيرتكم!
رواية تستحق القراءة للأديب محمد توفيق، وهو روائي ومهندس مصري، كان آخر مواقعه الدبلوماسية سفيرًا لمصر لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست