كتب الإخوة عماد الدين السيد وأحمد عبد الحميد ورامي محمد 3 مقالات بالتداول ما بين مقال طرح فيه الأول نقده لمنهج الإعجاز العلمي للدكتور زغلول النجار ثم مقال ردّ يجمع الثاني والأخير ثم أخيرا مقال رد لعماد. ولعل السطور الآتية بمثابة استكمال للثلاث مقالات، فضلا عن أن تكون في أجزاء منها ردًا على عماد في بعض الأفكار. نحاول هنا الخروج عن التفاصيل إلى طرح أسئلة عن تصور العلاقة المفترضة بين القرآن والعلم المادّي وما ينشق عن تلك العلاقة تحت مُسمى “الإعجاز العلمي في القرآن” وعن ماهية هذا الإعجاز وإلى من يوجّه خطابه.
الصِّفر السَّهل
مما لا شك فيه أننا وعلى مستويات عدة وجدنا أنفسنا مضطرين إلى إعادة تشريح وتنقية أوراقنا الفائتة كلها وهي عملية عموما ليست باليسيرة وتستلزم قبل مهارة التشريح هداية من الله نأمل أن يوفقنا إليها. من تلك الأوراق، قضية الإعجاز العلمي في القرآن والتي وإن استحثها د.مصطفى محمود ومن بعده د.زغلول النجار بإخلاص نظنه فيهما، فقد تم تبنيها إعلاميا في الفترتين، كخامة جديدة وطيبة تلهي الجمهور الطيب الغالب عليه التواكُل فقط، والمأخوذ في ذلك بكل ما فيه “إعجاز”. فما بال الإعجاز إن كان قرآنيا وعلميا يخاطب دينَ الجمهور وعِلمَ أهلِ العلمِ منهم.
هذا صيدٌ لا يمكن التفريط في مكاسب تسويقه ولو مؤقتا، من قبل أن يعمد الإعلام نفسه إلى تقويضه بعدها، في المثالين، لأنّ هناك درجة من الوعي “العلمي الإيماني” لا يجب تعديها. هذه الوضع البائس يغري النفس بهدم المعبد كله وبدء البناء من الصفر كبديل عن الوقوف على بعض أساسات قد تخرج بنا منه إلى آفاق بديلة في التفكير.
هل معجزة القرآن علمية فقط
والمقصود بالسؤال هنا هل معجزة القرآن متوقفة عند كونها علمية مادية يمكن لعقل الإنسان إدراكها بالقياس الفيزيائي، على قصوره، أم أنها متميزة بامتدادها أيضا إلى كونها معجزة إنسانية مكتملة تخاطب في الإنسان عقله وروحه، فإن قصّر القياس الخاص بالطرف الأول في إدراك المُعجزة فإنه وعلى ناحية أخرى مكتمل للطرف الثاني.
ربما لا نستطيع فرضا وبشكل كامل قياس التغيرات الفيزيائية، مثلا، الطارئة على أحدهم بعد الصلاة حتى نجزم بعائد الصلاة الإيجابي على نشاط الدورة الدموية وعلى وظائف الدماغ..إلخ ولكن ماذا عن عائدها الإيجابي المكتمل قياسا بوقعه على الروح، وهكذا الحال بالنسبة لأمثلة أخرى كثيرة..هل يُمكن بالقياس الفيزيائي هنا الإلمام بجانب المعجزة الروحي أم أنه حتى عاجز عن فهم الروح نفسها؟!
القرآن والعلم المادي
فهم الإعجاز العلمي في القرآن يتطلب ابتداءً فهم العلاقة بين شواهد العلوم المادية في القرآن وبين تفسيرات الإنسان لها. هل هي علاقة قائمة على الندية في تحري الحقيقة العلمية خلف تلك الشواهد أم أن الأول أصلا بحكم أنه حق محكم فهو بمثابة ثابتٌ حاضِن لتفسيرات الإنسان التي قد تتغير من زمن إلى آخر، جيئة وذهابا، بحُكم تقدّم قياساته الفيزيائية، أو تراجعها لقصور اكتُشِف فيها..هذا الفهم يستلزم بالأساس، من جانب المؤمن، تسليما واعيا إلى أنّ ناتج تحرّي الحقيقة العلمية وإن لم يأت بحال الشاهد القرآني فهو إما لخلل في قياسات الإنسان أو خلل في تأويل هذا الشاهد، لا غير ذلك.
ما أثار مسألتنا المطروحة وما فيها من كون العلاقة بين الشواهد القرآنية وتفسيرات الإنسان لها تحولت إلى الندية، هو أنّ أغلب حال من يقولون آمنا، الابتعاد، أسفا، عن الرسوخ في العلم المادّي، وأنّ الخائضين في مطاردة الحقيقة العلمية المادية، ليسوا بمؤمنين. يؤول الموقف النهائي إلى أن نُساق، كمؤمنين، عميانا إلى سرديات سجالٍ، بين الإيمان والعلم المادي أو حتى بناء جانب من جوانب الدعوة على الإعجاز العلمي في القرآن بلسان حال يُثبّت المسلم الضعيف “انظروا هذا إعجاز القرآن يتفق مع ما وصل إليه أهل العلم المادّي الذين نثق في علمهم!” أو بلسان حال يخاطب غير المسلم “انظروا هذا إعجاز قرآننا وصل منذ أكثر من 1400 عام إلى ما وصل إليه أهل العلم منكم!”
يَخلُص، الصَّديق عماد في مشاركة خلال صفحته الشخصية، تلت مقاله الأول، وتساعدنا في توضيح مقصوده وفيها يرتدي عَبْرَ نفس السجال عباءة، وإن كان مخلصا فيها، كسطور مقاليه، بألا نفتح بابا لمن لا يؤمنون إلا بالعلم المادي، ينالوا به من القرآن، إلا أن الصياغة قد خانته وأتت وكأنما يعمم استحقاقا؛ لا ينبغي له؛ لمبتغي الفتنة بأن يأول النص القطعي كما يحلو له.
“إذا كان الناس تؤمن بالإعجاز العلمي القائم على تغيير معاني النصوص القطعية، لتناسب النظريات العلمية الظنية القابلة للتغيير، فمن حق من يشاء أن يؤمن بنفس المبدأ، بتأويل معنى النص القطعي في الربا، ليناسب النظرية العلمية الاقتصادية التي تقول إن الربا سيعود بالنفع على الناس” هذا بغض النظر عن أنّ عماد ألبس حُكمًا شرعيًا بغير محلّه من الاستدلال، وكأنما القَصْد الأوّلي من تحريم الربا إعجاز كل النّاس علميا، لا أمر إلهي بالتحريم يختص الله به المؤمن به وبهذا الكتاب، لأنّ غير المؤمن إلا بالحقيقة المادية له أيضا ما يخصّه من خطاب آخر. فإنّ هذا التلبيس يدفعنا إلى التفكير في السياقات المادية التي تفتح باب النظر فيما يتوجب أن يكون عليه منهج الإعجاز العلمي المادّي في القرآن فضلا عن الفصل في تحديد المُخاطَب بهذا الإعجاز … ولعلنا نفنّد إن شاء الله في الجزء الثاني من المقال ما يتناول تلك النقطة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست