في يناير 2013، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) UNESCO تقييمًا كليًا لتطوير قطاع الإعلام في مصر، وذلك في إطار البرنامج الدولي لتطور الاتصال IPDC ، وفي ما يتعلق بـ”تعدد وتنوع وسائل الإعلام، وسياق اقتصادي يكفل تكافؤ الفرص وشفافية الملكية”، أوردت في توصياتها مما أوردت أن “ينبغي وضع قواعد تقضي بالحد من ارتفاع معدلات تركيز ملكية وسائل الإعلام، سواء على مستوى أي قطاع من القطاعات الإعلامية، أو فيما بين تلك القطاعات، وذلك قبل تفاقم هذه المشكلة في مصر”.
فما هو تركز ملكية وسائل الإعلام؟ ولماذا يعتبر مشكلة؟
تركز ملكية وسائل الإعلام يعني أن تصبح ملكية المؤسسات الإعلامية في أيدي عدد محدود من رجال الأعمال. وهو مشكلة تعتبر في الغالب مسببة لأثرين سلبيين رئيسين، يتمثلان في: انخفاض مستوى المؤسسات الإعلامية (من حيث تقديم الخدمة، ومن حيث جودة المحتوى الإعلامي)، وتقليص التنوع المفترض في وسائل الإعلام الذي يهدف إلى تمثيل كل الألوان وكل وجهات النظر. ولعلنا نتفهم ذلك أكثر في نهاية هذه الأسطر.
ولعل أشهر مثال في العالم لتركز ملكية وسائل الإعلام يتمثل في شخصية رجل الأعمال (روبرت مردوخ)؛ فهو يضم فيما يمتلك ملكية 120 صحيفة تنشر في خمس دول على الأقل، وهو مؤسس ومالك شركة News Corporation إحدى أكبر عشر شركات للإعلام في العالم، والتي انفصلت في 28 يونيو 2013 إلى شركتي News Corp و21st Century Fox، وقد أوردته مجلة الفوربس هو وعائلته في المرتبة الثانية والثلاثين في تصنيفها لأكثر الشخصيات نفوذًا في العالم في عام 2014.
وعود إلى المسار الأصلي:
من يمتلك إذا الإعلام في مصر؟
لنبدأ من حيث يصح البدء: فملكية المؤسسات الإعلامية في مصر تنقسم بالأساس إلى ثلاثة أنواع من الملكية: ملكية قومية – تابعة للدولة –، وملكية حزبية، وملكية خاصة.
ولعل المؤسسات ذات الملكية الحزبية هي الأقل نفوذًا، أما الملكية القومية – التابعة للدولة – فقد وصفها التقييم المذكور أعلاه بأنه “يهيمن بشكل كبير على البيئة الإعلامية”؛ وذلك بضمها اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ودور الصحافة الثلاث الكبرى (الأهرام – الأخبار – التحرير)، بجانب وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وعلى أية حال: تبقى المؤسسات الإعلامية ذات الملكية الخاصة هي الأكثر تأثيرًا ونفوذًا في مصر حاليا، وبمحاولتنا التعرف على ملاك هذه المؤسسات تبرز أمامنا بعض الأسماء التي نورد بعضًا منها في ما يلي:
– محمد الأمين:
رجل ربما لم يظهر اسمه إلا في النصف الثاني من عام 2011؛ فكثر حوله الكلام فجأة، وما هو ثابت أنه: مؤسس مجموعة قنواتcbc ، ويصف نفسه حاليا أنه “أحد ملاكها”، وهو مالك جريدة الوطن، بجانب شرائه لوكالة الأخبار العربية ANA . كما تتبع له شركة فور ميديا للإعلان. انتشر أيضا أمر شرائه للنسبة الأكبر من قناتي النهار والنهار دراما، وكذلك مجموعة قنوات مودرن قبل إغلاقها، والنسبة الأكبر من جريدة الفجر، وقد كان صاحب نصيب في جريدة اليوم السابع قبل بيعه إياه في عام 2013. وترددت كذلك محاولاته لشراء مجموعة قنوات بانوراما. ومؤخرا: صدر قرار جمهوري بتعيينه ضمن ستة أعضاء لمجلس أمناء صندوق “تحيا مصر”. وهو رئيس غرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع المؤسسة حديثا.
– السيد البدوي:
رئيس حزب الوفد الحالي. رئيس شركة سيجما للصناعات الدوائية، وهو صاحب قنوات الحياة، وقد قام بشراء جريدة الدستور مع آخرين في عام 2010.
– طارق نور:
صاحب مجموعة شركات طارق نور التي تضم مجموعة شركات للدعاية والإنتاج الإعلامي وغيرها، وكذلك تضم مجموعة قنوات القاهرة والناس.
– نجيب ساويرس:
رئيس شركة أوارسكوم للاتصالات، ومن مؤسسي حزب المصريين الأحرار. مالك قنوات Ontv ووكالة O للأنباء ONA وONA للتدريب الإعلامي، وهو صاحب شركة برومو ميديا، بجانب نصيبه في جريدة المصري اليوم، ومؤخرًا تم تعيينه هو أيضا لعضوية مجلس أمناء صندوق “تحيا مصر”.
– أحمد بهجت:
صاحب مجموعة شركات بهجت، والتي تضم مجموعة قنوات دريم، وصاحب جريدة الصباح، كما أن له نصيبًا كذلك في جريدة المصري اليوم.
– محمد أبو العينين:
صاحب مجموعة شركات كليوباترا، والتي تضم شركة كليوباترا ميديا التي تتبع لها قنوات صدى البلد وموقع صدى البلد الإخباري.
– حسن راتب:
صاحب مجموعة شركات استثمارية وعقارية يهتم جزءٌ كبير منها بسيناء خاصة. صاحب قنوات المحور.
– صلاح دياب:
رئيس مجلس إدارة مجموعة بيكو الاستثمارية، وهو مؤسس جريدة المصري اليوم.
– إبراهيم المعلم:
رئيس مجلس إدارة مجموعة الشروق، والتي تضم: دار الشروق للنشر والتوزيع، والشركة الوطنية للطباعة، والشركة المصرية للنشر الدولي والعربي التي يصدر عنها جريدة الشروق ومجلة وجهات نظر، وسلسلة مكتبات الشروق، والشروق للإنتاج الإعلامي، وكليب سليوشنز لإنتاج وسائل الإعلام الرقمية.
والآن، لنا السؤال والتحليل البسيط: ماذا يستفيد رجال أعمال كهؤلاء من ملكيتهم لمؤسسات إعلامية وصحافية، خاصة أن الغالبية منهم نشاطها الأساسي ليس له أي علاقة بالإعلام؟ فيما يلي نورد ما أرجوك أن تعتبره – سيدي القارئ – مجرد احتمالات، تنظر إليها بعين الشك والنقد والمراجعة:
– الربحية المادية:
وهذا مفهوم؛ فبالنسبة لبعض رجال الأعمال إنشاء أو شراء المؤسسات الإعلامية والصحافية ما هو إلا تحرك آخر في مجال الاستثمار. الإشكال أن مجالات الاستثمار كثيرة، وربما ليس الإعلام أكثرها ربحية. فلا بد أن تكون ثمة دوافع أخرى.
– لسان حال مالكها:
منذ كانت الأشكال الأولية للصحافة وعبر التاريخ. إصدار أي جهة أو شخص لأي محتوى إعلامي أو صحافي لا يكون بالأساس إلا للتعبير عنه.
– إمكانية تشكيل توجهات الجمهور، والتأثير في صناعة القرار:
ربما لا تكون مستسيغا للفظ “تشكيل”، ربما تفضل مجرد “تأثير”، أو ربما لا تكون مقتنعًا بإمكانية تأثير الإعلام على “الجمهور” أصلا، وهذا من حقك ولا جدال. على كل: فليس من المنطقي أن تعبر المؤسسات عن توجهات تخالف اهتمامات ومصالح رجل الأعمال الذي يمتلكها ويمولها.
ربما كان لنا من كل هذا أن نخلص بأمر واحد: فهمنا لأسباب تبني أغلبية المؤسسات والوسائل الإعلامية رأيًا واحدًا تجاه حدث أو شخص أو سياسة، وكأنها الحقيقة المطلقة. أي خبرة في الحياة تعلمنا أن للأمر دوما أبعادًا أخرى. ربما كان لنا أن نخلص بإبصار أن أحادية النظرة قد تكون لها أسبابها المتعمدة، وأنها من عين الباطل، و أنها هي ما علينا مقاومته.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
2014, cbc, أحمد بهجت, إعلام, التحرير, المصرى اليوم, حسن راتب, دار الشروق, صدى البلد, صلاح دياب, محمد الأمين, مصر