«وحده الذي يسأل يحصل على الجواب» -علي عزت بيجوفيتش، هروبي إلى الحرية

هدفي من خلال تلك السلسلة التي وصلنا فيها اليوم للجزء الثالث أن أحاول أجيب عن أسئلة ممنوعة، أحاول أن أنبش التراب الذي دُس تحت السجادة، ديننا لا شيء فيه نخاف أن نظهره، ديننا يجيب عن كل الأسئلة ويرد كل الافتراءات، أنطلق في سلسلة «لماذا لا ينصر الله مسلمي اليوم..؟!» والتي وصلنا لجزئها الثالث اليوم تحت بند «أفلا يعقلون»، «أفلا يتدبرون»، «أفلا يتفكرون».

سؤالنا الفرعي اليوم: القتل باسم الله، ما رأي الله فيه؟! فالقصة ببساطة أن أناسًا آمنوا بالله ووجدوا أنفسهم هم المؤمنين حقـًا، وأرادوا أن يقيموا أنفسهم «نوابًا» عن الله في الأرض لمحاسبة غير الملتزمين وغير المؤمنين، وبدأ هؤلاء الناس يعيثون في الأرض فسادًا لدرجة أنهم أحلوا لنفسهم قتل المخالفين معهم في المذهب وليس في الدين فقط؛ فتجد هؤلاء يفجرون الأماكن في مدينة رسول الله ليقتلوا أبناء دينهم، وتجدهم يقتلون غير المسلمين كالمسيحيين تحت ذرائع مختلفة.

لماذا؟!

يجاوبون: أنهم يتقربون إلى الله بتلك الدماء، ويذكرون اسم الله قبل الذبح وقبل التفجير، هم بما يفعلون وسيفعلون فرحون!

سأحاول اليوم أن نعرف هل قتل الأبرياء طاعة أم حرام؟!

دعني أخبرك أن هذا المقال عدد كلماته 1659 كلمة، إذن فلتكن صبورًا معي في عرض الفكرة ولا تتسرع!

كيف لنا أن نفهم قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه سيدنا إسماعيل، البعض يقول حتى يختبر الله نبيه إبراهيم ويبتليه في أعز شيء وهو ابنه، وقال آخرون حتى يعد إسماعيل لتحمل المسئولية مثل أبيه فكان لابد من تعريضه للابتلاء، كل تلك التفسيرات لها درجة من الصحة ودرجة من المنطق لا يمكن لأحد أن يعترض عليها، ولكن دعني أسأل سؤالاً وأطلب منك أن تفكر في الإجابة قبل أن تكمل القراءة، لماذا كان الاختبار هو «ذبح إبراهيم لإسماعيل» ولم يكن أي نوع آخر من الابتلاء؟ قد تهتدي للإجابات السابقة ولا أعترض، ولكن أعيد لماذا بالتحديد هذا الذبح؟ قديمًا أيام سيدنا إبراهيم كان تقديم الذبائح أمرًا شائعًا عند كل الشعوب منذ أقدم العصور، وفي أحيان أخرى كانوا يقدمون ذبائح بشرية «ولا نعجب نحن المصريين لذلك؛ حيث كان المصريون يلقون عروسة النيل في نهر النيل تبركـًا وتقربًا لآلهتهم من أجل الخير والبركة» كما أن بعض الشعوب السامية واليونان والرومان والإفريقيون والهنود في المكسيك، مثبت عندهم أيضًا تقديم ذبائح»، وكان تقديم الذبائح مشهورًا وشائعًا أيام سيدنا إبراهيم فأراد الله أن يعلمه ويعلمنا درسًا أن الدماء البشرية حرام، حرام، حرام إلى يوم الدين، ويعلمنا أيضًا أنه لا يوجد قتل باسم الله لأن الله ألغى ذلك بنفسه، وألغى مبدأ التقرب إلى الله بدماء الأبرياء كما يفعلها الذين لا يعقلون، وافُتُدي إسماعيل؛ حيث ناداه ملاك من السماء، لا تمد يدك إلى الغلام، فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا بكبش وراءه ، ممسكـًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وذبحه عوضًا عن ابنه، وكانت دماء الكبش انتهاء لفكرة التقرب إلى الله بالدماء، وأصبح كل عام عيدًا للمسلمين نتراحم فيه نحن البشر.

يقول الكاتب والباحث «علي سام» عن قصة سيدنا إبراهيم «فهمت القصة بشكل مُختلف، فـالنبي إبراهيم جاء في زمن كان البشر فيه يُضحون بالبشر أمثالهم كقرابين للآلهة وقصة إبراهيم جاءت لتعلّن تحريم التضحية بالبشر واستبدالها بالتضحية بالحيوانات»

هل  الإسلام دين العنف والقتل؟!

دعني أجيبك كمسلم أنعم الله عليه بالإسلام، وتلك نعمة تعادل الدنيا وما فيها، دعني أجيبك وأنا قلبي يعتصر ألمًا على رمي الإسلام بتلك التهمة التي كان السبب فيها بعضًا ممن يدعون أنهم مسلمون، دعني أوضح وأقول لك:

إن الإسلام تلك الرسالة الربانية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى إلى العالمين جميعًا، نعم إلى العالمين جميعًا، لم يختص بها قومًا أو مجموعة أفراد أو منطقة بعينها، بل كانت دعوة شاملة للجميع؛ فمن يُسلم ويدخل في الإسلام يتبع تعاليم الإسلام كما أنزله الله، ومن يأبى الدخول فيه لا يُفرق تعاليم الدين بينه وبينه المسلم ويترك ما بينه وبين ربه لله وفقط.

إنها رسالة شاملة للكل، مُحتوية في باطنها للكل، دعوة غايتها الرحمة، والرحمة لا تكون باستثناء أحد أو عقاب أحد، ولكن الدعوة تكون بالشمول مع احتواء؛ فينعكس ذلك في مردود الأفعال الحسنة بين الجميع فتتحقق غاية الوجود على الأرض، ألا وهي أداء تكليف كل شخص الذي خُلق من أجله!

فسيدنا محمد – عليه أفضل الصلاة والسلام – لم تكن دعوته سوى في مبدأ الرحمة، نعم الرحمة التي تسبق العدل، الرحمة التي تسبق الحرية، نعم الرحمة من أجل الرحمة، وأي رحمة للإنسان سوى عقله هذا الذي يجب عليه الاعتناء به، فإن تلوث خاب سعيه وانحرف عن غاية وجوده علي الأرض واتبع تكليف نفسه الأمارة بالسوء التي تريد الشيء السهل، ولا شيء أسهل سوى الشهوات وغيرها من الذنوب والاعتداء على الغير، لذلك كانت الدعوة هي الرحمة في إنارة ذاك الضوء الذي خفت انبعاثه في ذاك العقل المملوء بالظلام، الدعوة رحمة في منهج «إخراج الناس من الظلمات إلى النور».

ولكن أيكون إخراج الناس من الظلمات بالعنف؟!

أيكون إخراجهم بتحقيرهم أمام أنفسهم؟!

أيكون إخراج الناس بقطع رؤوسهم؟!

أيكون، أيكون…، أيكون…،؟!

 «لِيُخْرِجكُمْ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور»

لم يذهب رسولنا الكريم محمد ليقطع رؤوسهم أو ليأخذ مكانتهم أو أموالهم ليخضعوا له بل هم من عرضوا عليه أن يأخذ، رفض!

ولم يذهب إلى الكعبة التي كانت مُحاطة بالأصنام فلم يأخذ شيئًا صلبًا لتكسير تلك الأصنام، كما فعل سيدنا إبراهيم عندما أخذ فأسه وكسر آلهتهم وأصنامهم،  فتلك الأصنام في حقيقتها لا شيء!

أيذهب ليهدم الأصنام حول الكعبة؟!

كيف لصنم أن يهدم صنم؟!

كيف لطين أن يهدم طينًا؟!

لا بد أولاً إخراج هيئة الطين إلى الصورة التي أرادها الله له.

فهذا سيدنا إبراهيم عندما أراد أن يهدم الأصنام سأله قومه لماذا هدمها، ولم يسألوا أو يفكروا كيف لبشر أن يهد إلهًا؟!

لماذا لأنهم حينها كانوا مجرد أصنام كالأصنام التي حطمها إبراهيم عليه السلام.

أما سيدنا محمد فأعاد النفخة الإلهية للطين فصار إنسانًا ليس صنمًا، فكان قادرًا على هدم الأصنام حول الكعبة، فكان واعيًا بأن الأصنام رجس فهدمها، والكعبة من عند الله فقدسها، فأصبح واعيًا بالحقيقة.

فالمهمة الأساسية هي العقل، التي إن تمت مهمة إعادته للحياة عبر إنارته مرة أُخرى، هذا العقل الذي بمجرد أن يعاد إلى الحياة أول شيء سيفعله هو تكسير الأصنام، مهما كان نوعها من حجر أو أفكار أو أوهام، وهذا ما فعله محمد مع أمته أنار عقل الأمة ثم دخل الكعبة وكسر الأصنام مؤذنًا بعودة النور للعقول!

نور العقل  الذي يُعيد النفخة الربانية في ذاك الطين ليكتمل خلقه من روح وجسد روح تعلم الحق والرحمة، وجسد ليقوى على تنفيذ متطلبات الروح، روح ترقى وترقى وترقى حتى تصل إلى مرحلة من الإيمان والاصطفاء، حتى تخشع الجوارح وتستكين وتصبح بكامل إرادتها خاضعة لأوامر الله عز وجل، خاضعة لتنفيذ تكليف ما من أجله وُجد على تلك الأرض.

ولكن أيضًا كيف، كيف تُعيد الروح مرة أُخرى؟!

وكيف تضمن استمرار الروح على تلك الوتيرة بل ارتقاءها كل حين من حالٍ إلى حالٍ أعلى؟!

أتعرف كيف، سأخبرك يا صديقي!

أتعرف تلك العبادة التي تُسمى «الصلاة»، نعم تلك العبادة التي أُمر الله بها المسلمين أن يؤدوها كل يوم خمس مرات، أتعرفها؟! أتعرف الأذان الذي يسبق الصلاة؟!

سنذهب معًا في رحلة صغيرة لمعرفة حقيقتهما الباطنة التي أتى بها سيدنا محمد لنا كمسلمين خدمة لكل البشر ولأنفسنا.

ألم تتفكر يومًا في الأذان الذي يبدأ بكلمات «الله أكبر» أتعرف ماذا تعني؟ تعني أن الله أكبر منك أنت شخصيًا ومن كل العالم ومن الأعمال التي تشغلك عن أداء العبادات، أتعرف ماذا يعقُبها؟! يعقُبها «لا إله إلا الله» يُخبرك الله أنه هو المسيطر والمهيمن على كل شيء فاقطع تعلُقك بكل شيء، بكل شيء؛ لأنه هو من معه كل شيء ويمنح الشيء لمن يستحقه؛ فاذهب لتطلبه منفعة لك أولاً وأخيرًا.

ثم يمضي الأذان حتى يصل إلى كلمات «حي على الصلاة، حي على الفلاح» إخبار واضح للكل هنا الفلاح في الصلاة، ثم يمضي الأذان ليُختم كما بُدأ ليقطع عنك أي عذر أو أي طريق تفر منه.

أتعرف ذاك الأذان هو غرضه إسماعه لأذنيك ليصل إلى عقلك عبر قلبك، أتعرف أن هناك أذان ثم إقامة من أجل إسماعك لأكثر من مرة لعل بالترديد يزول التردد والتكاسل والغفلة، أتعلم أنه بداية طريقة عودة روح لجسدك لترتفع من كونك مجرد طين «جسد» إلى إنسان «روح وجسد» ثم ارتقاء الروح لتصل إلى منبع الرحمة ليكتمل معنى النور في الآية الكريمة».

ولكن يبقى الجسد مُلوثـًا والروح غير خاضعة سوى لشهوات ضالة، كيف السبيل لذلك!

وللتقريب لو أن هناك إناء مُتسخًا تريد أن تُنظفه لتشرب به الماء مثلاً، فلا يجوز أن تشرب الماء في ذاك الإناء إلا بعد تنظيفه وتطهيره ليستقبل الماء الصافي، كهذا الوضوء قبل الصلاة هو بمثابة مُطهر الجسد «الطين» من مُتبقيات الذنوب وآثار الشهوات أتى الوضوء ليكون هيئة الجسد لاستقبال النفخة الربانية التي نفخها فيه من قبل وستُعاد سريان الروح في ذاك الجسد.

نعم ويتم الوضوء مُهمته مُسلمًا الجسد نقيًا طاهرًا نظيفـًا ليتقبل ذاك الأمر الغالي.

ثم يدخل المُسلم إلى الصلاة بتكبيرة أيضًا كتذكرة له كل فترة وكل حين ويكون شرط «الخشوع» شرطـًا خاصًا لتقبل الصلاة، الخشوع الذي يعني أنك تُسكن جسدك، وكل جوارحك لله، لا تتحرك ولا تهمس ولا تأكل ولا تشرب، فهي الآن في حضرة الإله الواحد الأحد الذي منه وإليه كل شيء.

حيث الخشوع مناسب للباطن، والوضوء مناسب للظاهر، فيتم التطهير على أعلى المستويات لاستقبال الرحمة الربانية لعبده.

فابدأ بأصنامك وحطمها؛ فتلك رسالة الإسلام للعالم إلى يوم القيامة.

أما بخصوص الأجهزة الأمنية التي لا تقوم بدورها بشكل فعال في تحدي هؤلاء الذي يسيئون غالينا أحب أن أهدي لهم هذا المشهد «دون تعليق مني» من فيلم «الشحاذون والنبلاء» بين الضابط والمواطن:

_القنبلة؟

_ تاني القنبلة لا يا سيد «يَكن»، مقدرش أمنع القنبلة!

_الله هي الحكومة بتديك مرتب عشان متعملش حاجة، وإيه فائدة إنك تقبض على بني آدم مسكين، آه لو كنت تقدر تمنع وقوع القنبلة يا سعادة البيه

_ تصبح على خير يا حضرة الظابط

في المقال القادم «الجزء الرابع» إن شاء الله سنواصل معًا تكملة ما بدأناه، أتمنى يا من تقرأ تلك الكلمات الآن أن أكون قد أفدتك، ولم أضيع وقتك.

في الختام سلام

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد