عند قراءة أي مقال أو مشاهدة شاشة التلفاز يستضيف المقدم أحد الشخصيات ذات الطابع العلمي ويبدأ الحديث عن مساوئ التعليم الإلكتروني أو ما يسمى التعلم عن بعد. أعتقد أننا يجب أن نكون قد تجاوزنا هذه المرحلة بعد مرور سنة أو أكثر على هذا النمط من التعلم وأن نكون قد استفدنا ووظفنا طاقاتنا لتطوير هذا النمط من التعلم.
بعيدًا عن كل الظروف الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية يجب أن نتكيف مع هذا التحول في التعليم على الأقل حتى انتهاء السبب الرئيسي للانتقال إلى هذا المستوى من التعليم. في البداية أرغب في تقديم مفهوم واضح للتعليم وهو بشكل مبسط عملية منظمة تهدف إلى اكتساب الشخص المتعلم للأسس العامة البانية للمعرفة، وبالتالي فهو يحتاج إلى مجموعة من الأدوات والعناصر الأساسية من أجل اكتمال هذه العملية بشكل كامل وسليم. أما التعلم فهو يعبر عن تلقي معرفة وخبرات ومهارات من خلال الدراسة أو الخبرات أو التعليم مما يكسب المتعلم التغير الدائم في السلوك.
أنا لست ممن يؤيد هذا أو هذا، لكن من خلال التعريفات السابقة نجد أن التعلم عملية أشمل من التعليم فبوجود التنظيم والعناصر المطلوبة للتعلم يصبح المفهوم تعليمًا، أما الحالة الأعم والأشمل والأساس هو التعلم، لأنه يمكن أن يوفر المتعلم هذه العناصر وحده دون الحاجة لإنفاق الكثير من المال من أجل ذلك، وأخيرًا الحصول على شهادة تثبت أنه تعلم ومؤهل للعمل. المراقب للتاريخ يجد مئات الأمثلة على من قاموا بالتعلم وتفوقوا في كل المجالات، وحتى في وقتنا الحاضر يوجد أمثلة عديدة ظهرت للعلن والأكثر لم يظهر.
المشكلة ليست بالتعلم عن بعد أو التعليم الوجاهي، وإنما بفلسفة التعليم، هل أصبح التعليم وسيلة للحصول على ورقة تثبت ذلك من أجل الحصول على مقابلة عمل أم أنه غاية نحتاج لها جميعًا من خلال مؤسساتنا التعليمية التي تقدم هذه الخدمات؟ أعتقد أن كل عناصر التعليم الوجاهي ما زالت موجودة حتى من خلال اللجوء للتعلم عن بعد، فكل وسائل التقنيات والتكنولوجيا الحديثة سهلت التواصل حتى لغة الجسد، فهناك عشرات بل مئات الوسائل والأدوات والتقنيات التي تعوض عن حضور الطالب للمؤسسة التعليمية.
منظومة التعليم في الوطن العربي بحاجة إلى إعادة هيكلة وصياغة وإدخال برامج حديثة للتعليم ابتداء من المراحل الأولى وحتى الدراسات العليا، لأن فلسفة التعلم لتكون غاية أهم من أن يكون التعلم وسيلة. كما ذكرت في هذا المقال سابقًا بعيًدا عن كل العوامل التي أدت إلى الوصول إلى هذه المرحلة من التعليم، يجب أن يتغير النهج وأن نتماشى مع هذا التغير ونستغله لصالحنا بل يمكن أن ننافس الغرب المتقدم علميًّا لأنه غاية لديهم.
أرى أن التعلم ليس معلمًا يلقن الطلبة المعلومات المدرجة في المناهج المقررة، وإنما هو مرشد ناصح مربي يعلم الطلبة كيف يتعلمون ويبحثون، وليس كيف يحفظون من أجل النجاح في الاختبار فقط. إننا بحاجة إلى تغيير أفكارنا حول العلم أولًا قبل الحديث عن أي شيء آخر لنستغله أفضل استغلال لصالحنا ولصالح مجتمعنا.
فلسفة التعليم هي الأولى بالتغيير قبل التفكير في المفاضلة بين الأونلاين والوجاهي. علمًا بأن معظم المشكلات التي تواجه التعليم الإلكتروني يسهل حلها ويمكن مناقشتها لاحقًا في مقال آخر. فلنقرأ كما علما رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، وليكن القلم هو التفكر والبحث والمعرفة دون مدرس، وإنما مع مرشد وموجه وليس التلقين الذي غمسنا في مكائده وتأخرنا عن الأمم بسببه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست