بعد أداء باهت ودّعت ألمانيا حاملة اللقب مونديال روسيا من الدور الأول بعد هزيمة مفاجئة أمام كوريا الجنوبية في الوقت المحتسب بدل الضائع، بنتيجة هدفين لصفر يوم الأربعاء 27 يونيو (حزيران) 2018 على ملعب «كازان أرينا» في الجولة الثالثة والأخيرة من مباريات المجموعة السادسة. التي تاّهلت منها السويد والمكسيك.
وتلقّى المنتخب الألماني وجماهيره صدمة مدوّية حيث إنّها المرة الأولى التي تخرج فيها ألمانيا من الدور الأول للمونديال منذ 80 عامًا أي منذ الدورة التاريخية الثالثة عام 1938. وكانت الصدمة كبيرة لكلّ عشاق المنتخب الألماني في العالم بعد المستوى الثابت والمعهود التي كانت تتميّز به في كلّ المنافسات القارية والعالميات لسنوات طويلة، خاصة وهو المتوّج باللقب العالمي قبل أربعة أعوام في البرازيل. وفشلت في اللّحاق بمنتخبي إيطاليا والبرازيل في قائمة المنتخبات التي نجحت في الحفاظ على لقبها العالمي.
وواجهت ألمانيا بذلك المصير الذي سبقته إليه منتخبات إسبانيا وإيطاليا وفرنسا في نسخ 2014 و2010 و2002 على الترتيب، عندما خرجت من الدور الأول في النسخة التالية لنسخ تتويجها باللقب.
ولم يهضم العالم بعد هذه الصدمة حتى بدأ الجميع في البحث عن أسباب تعطّل الماكنيات الألمانية عن العمل في روسيا 2018، رغم أنّ القلّة العارفة بالكرة الألمانية والمتابعة لكلّ صغيرة وكبيرة فيها كانت تتوقع هذا الإقصاء، ويبدو هذا التوقع منطقيًا إلى حدّ ما نظير الأسباب التالية:
أوّل أسباب هذا الخروج يتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى المدرب يواكيم لوف، الذي لم يكن شجاعًا بما فيه الكفاية في اتخاذ القرار المناسب بخصوص استدعاء الأسماء المشاركة في هذه الدورة، حيث احتار كثيرًا في ذلك بين عديد اللاّعبين الجاهزين، فكانت حيرته بين لاعبين كانوا أبطالا للعالم في مونديال البرازيل 2014 ووبين آخرين شباب أثبتوا أحقيتهم بمكانة أساسية في تشكيلة المانشافت بفوزهم بكأس القارات بروسيا 2017.
فجامل المجموعة الأولى التي تقدّمت في السّن والتي تشبّعت بالألقاب مع المنتخب وحتى مع نواديها الكبرى وأصرّ بشكل غير مبرّر على هذه الأسماء لم تلعب الدقائق الكافية مع أنديتها في الموسم الماضي حتى تشفع لها في نيل مكان أساسي في القائمة فما بالك بمركز أساسي في التشكيلة الأساسية. وكان هذا على حساب لاعبين آخرين أكثر جاهزية بدنيًا وجوعًا للألقاب.
ومن أبرز هؤلاء الذين لم يعد لهم مكانة في قائمة الماكينات وسط ميدان جوفنتوس الإيطالي وصاحب 31 سنة ذو الأصول التونسية سامي خضيرة الذي تراجع مستواه كثيرا وأصبح بطيء الحركة، ووسط ميدان أرسنال مسعود أوزيل الذي تراجع مستواه هو الآخر، وتوماس مولر الذي لم يعد مستواه يقنع مع المنتخب ولا مع ناديه بايرن ميونيخ منذ موسم كامل، وحتى ماركو رويس الذي غاب لفترة طويلة بسبب الإصابة وكان يفتقد للمنافسة الكافية التي تجعله يلعب منافسة كالمونديال بتنافسية عالية، وحتى في حراسة المرمى بالنسبة للحارس مانويل نوير الذي غاب طيلة موسم عن المشاركة مع ناديه بايرن ميونيخ للإصابة وافتقد لحسّه القيادي المعتاد ولخّفته في رد الفعل وبناء الهجمات، وحتى المهاجم ماريو غوميز صاحب 33 عامًا الذي أصبح لاعبًا عاديًّا منذ فترة ولم يعد غوميز الذي يسجّل من أنصاف الفرص.
في حين تمّ تجاهل أفضل لاعب ألماني حاليًا وصاحب جائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي الممتاز ليروي ساني لهذا الموسم وصاحب 22 سنة الناشط في صفوف بطل الدوري مانشستر سيتي، والذي كان يمكن أن يقدم حلولًا قوّية في خط الهجوم بسرعته ومهاراته في اختراق الدفاعات المتكتلة التي وجد هجوم الألمان صعوبة في اختراقها طيلة المباريات الثلاثة التي لعبها، إلى جانب مهاجم بايرن موينخ المتألق ساندرو فاجنر صاحب 12 هدفًا في الدوري الألماني هذا الموسم، ومهاجم فرايبورج نيلز بيترسن أفضل هدّاف ألماني هذا الموسم في الدوري برصيد 15 هدفًا.
وبالنسبة لحراسة المرمى فإنّه لم يشرك الحارس تير شتيغن الذي كان الأجدر بحماية عرين المانشافت نظير مستوياته الرائعة طيلة هذا الموسم مع ناديه برشلونة الإسباني. وكذلك جوليان براندت الذي لم يشركه سوى دقائق قليلة جدًّا وهو الذي يعتبر أحد أبرز النجوم الشابة والواعدة في سماء الكرة الألمانية ومحرك نادي بايرن ليفركوزن.
والسب الثاني هو أن الناخب الوطني اتسّم بالثقة المفرطة في تشكيلته، وخير دليل على ذلك هو معاقبته لأفضل لاعب شاب ليروي ساني ليكون عبرة للأخرين كما قالت الصحافة الألمانية بسبب تهاونه في المباريات الودية، حيث كان بإمكان لوف تجاوز مثل هذه الحالات وتذكّر الفرق بين لعب المباريات الودية ولعب المباريات الرسمية، فلا أحد يظن بأن ليروى ساني الذي كان يحلم بالمشاركة في المونديال لأوّل مرّة يتهاون في مباريات هذا المحفل الذي يلعب مرّة واحدة في كل أربع سنوات.
ويعتبر تغيير المدرب لطريقة لعب المنتخب أحد أسباب هذا الأداء الباهت، حيث كان المنتخب يلعب بالعقلية الألمانية المعروفة والمتمثلة في اللعب المباشر نحو الأمام وبناء الهجمات وإنهائها بأقل تمريرات ممكنة والتسديد من خارج منطقة الجزاء، لكنّه في هذه الدورة ومنذ فترة في بعض المباريات الودية التحضيرية انتهج طريقة أخرى مغايرة تمامًا لفلسفة الألمان والمتمثلة في الاستحواذ والاعتماد على التمريرات القصيرة والبينية ومحاولة الوصول إلى أعمق نقطة في منقطة الخصم (المشابهة لطريقة لعب إسبانيا حاليًا) وهو ما صعّب عليهم التسجيل واختراق دفاعات الخصوم.
حيث إن اللاّعبين الذين كانوا يلعبون في نفس التشكيلة اختلفوا في طريقة اللعب، فمنهم من كان يلعب بالطريقة الأخيرة (الاستحواذ) ومنهم من كان محافظًا على الطريقة الألمانية المعهودة، فصار الفريق يتخبّط في كلّ مباراة ويلعب بعدّة طرق، ما جعل البعض يشكّك في وجود خطّة أصلًا، وهنا يتحمل المدرب يواكيم لوف مسؤولية ترّدده في اختيار طريقة لعب واضحة، وترّدده بين الطريقتين (المباشرة والعرضية). كما ظهر هذا الأمر جليًّا في تغييره للاّعبين في كل مباراة.
كما يعتبر ثقل المدافعين الذين تناوبوا على اللعب في الخلف سببًا كبيرًا في النكسة لأنّ ثقلهم جعلهم لا يقومون بوظيفتهم المعتادة المتمثّلة في بناء الهجمات، وهذا الوضع صار معروفًا لدى الجميع من خلال ثقل حركة لاعبي محور الدفاع وهم جيروم بواتينغ وماتس هوميلز وحتى البديلين أنطونيو روديغير ونيكولاس سولي. كمّا كبّل اللاعب توني كروس بمهام دفاعية فقط وهو الذي يعتبر القلب النّابض والمحرّك للمنتخب.
ومن بين الأسباب التي ساهمت في تراجع مستوى المنتخب في الفترة الأخيرة هو تراجع مستوى نادي بايرن ميونيخ الذي لم يفز بأي لقب أوروبي منذ خمس سنوات كاملة، وصار يجد صعوبات كبيرة في مجاراة نسق الأندية الأوروبية الأخرى، ولأنّ هذا النادي العملاق هو العمود الفقري للمنتخب فإنّه كلّما قدّم مستويات سلبية انعكس ذلك بشكل سلبي على المنتخب والعكس صحيح، حيث ضمّت قائمة المنتخب ثمانية لاعبين ينشطون في صفوف نادي الجنوب الألماني وأغلبهم أساسيين في المنتخب.
كما انعكس تراجع المستوى العامة للبطولة الألمانية – البندسليغا – بشكل سلبي على نتائج الماكينات، حيث لم تعد الأندية الألمانية قادرة على المنافسة أوروبيًّا وشهدت إقصاءات بالجملة عكس الأندية الإسبانية التي شهدت سيطرة مطلقة في السنوات الخمس الأخيرة. فصارت البطولة خالية من اللاّعبين النجوم، وصارت تفتقد للتنافسية بعد سيطرة محلّية للعملاق البافاري على لقب البطولة بخمس مرّات متتالية وضعفه على المستوى الخارجي. وهذا راجع أيضًا لقوانين فتح الإستثمار الأجنبي في الأندية الألمانية كما يجري في البطولات الأوروبية الأخرى.
وفي الأخير يمكن القول أنّ بعض الأمور التي كانت تحدث داخل معسكر المنتخب ساهمت هي الأخرى في تراجع أداء اللاعبين بشكل عام، حيث شاهدنا لاعبين غير قادرين على التحكم في إيقاع المباريات ولا على رفعه، وغياب الحماس البدني المعروف على الألمان، والضغط الكبير الذي عاشه اللاعبون بسبب ترشيحهم لهذا اللقب، مثل التصريح الذي أدلى به توماس مولر بعد هذه الخيبة باتهامه لزميليه مسعود أوزيل وألكاي كوندوغان بعدم التركيز مع المنتخب من خلال صورة تذكارية فقط التقطاها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم أنّهما لعبا أفضل منه خاصة كوندوغان، وحتى قبله تصريح النجم السابق للمانشافت لوتر ماتيوس بتشكيكه في وطمية مسعود أوزيل متناسيا مساهمة هذا الأخير في إحراز لقب كأس العالم لألمانيا عام 2014. وغيرها من الانتقادات الإعلامية التي لم تكن في وقتها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست