لأني شخص مقسم بين مجتمعين، فلذلك لدي عين وعقل من الممكن أن يقارن العمل بالخارج، والقلب والعقل بمصر، وطبعًا هذه السنة لها طابع خاص، وهو للأسف طابع مأساوى للغاية، وهو انتشار فيروس كورونا.

مع انتشار فيروس كورونا بدأت تنتشر لفظات لتعرفنا مفاهيم، مثل: إجراءات احترازية، والتباعد الاجتماعي، وبدأت معركة عالمية ضد هذا المرض المبهم الذى يقف العالم الأول والثالث. وحتى الرابع – إن وجد – على حد سواء لأول مرة منذ سنين على مرتبة واحدة من عدم الفهم، عدم فهم منشأه، والطريقة الفعلية لانتقاله، ولقاحه، وعلاجه، ومضاعفاته.

وبدأت الدول في اتخاذ أقدم وسيلة لمواجهة الأمراض، وهي عزل المصاب وعدم مخالطته؛ لأنها تتحسس طريقها في التعرف على هذا المرض. بدأت في وضع بروتوكولات من التباعد. الاجتماعي والتدابير الاحترازية، وحتى إغلاق البلاد بشكل كامل وجعلها كحجر صحي كبير مقفول على مواطنيه. من يصدق أن الطيران بكل ما يحمله من ثقل اقتصادى يتم حظره؟

لأول مرة تهبط مصيبة على العالم أجمع كوحدة واحدة، ولكن اختلاف رد فعل أمة عن الأخرى هو وجود نظام.

نظام صحي محترم يتواجد فيه طواقم قادرة على مواجهة الجائحات والكوارث.

نظام إلكترونى يسمح بعمل تداولات الحياة اليومية عن بعد.

نظام بحث علمي يسمح بوجود أبحاث مكثفة للخروج بعلاج ولقاح.

نظام إحصاء يسمح بعمل مسح صحيح وأقرب الحقيقة للإصابات.

نظام يسمح للحياة بأن تستمر بدون ارتباك أو تخبط كبير يذهب بأسباب الحياة نفسها.

نظام مكاشفة وشفافية وإلقاء بعض العبء على عاتق الشعب حتى يتشارك مع السلطة المسئولية في وقف هذا الخطر.

وهنا بدأ توزيع ورق الأسئلة في هذا الاختبار الصعب، وكل أمة بدأت تجتاز الامتحان بما زرعته من وعي وفهم وتثقيف لشعبها، ووضعها لنظام ينقذها في الملمات العظام، ومثل هذا الموقف الجلل.

كان الوضع في مصر عجيبًا للغاية

بدأ كالعادة بالإنكار من قبل الماكينة الشيطانية من حكومة، ورجال اقتصاد، ورجال إعلام، ورجال أعمال وبعد ذلك دخلنا في نفق المؤامرة، وأن هذا ليس مرضًا فيروسيًا، ولكن إشعاع يصيب من يتعرض له، وأنه تم زرعه من قبل شركات الاتصالات العملاقة تحت مظلة أبراج الجيل الخامس للاتصالات، ولا أعلم لماذا كلام الدجل والخرافة، يكتسب هذا الرونق والجاذبية لدى العامة؟

لماذا يفر العامة من كلام العلم والعلماء، ويجنحون إلى الأفاقين، والدجالين، والمشعوذين؟

ولهذه الأسباب اكتسبت نظرية المؤامرة جمهورًا عريضًا، وأدى ذلك إلى إنكار الهجمة الفيروسية، وتبنى وجهة نظر الخرافة، وأدى ذلك إلى تراخى الناس في اتخاذ أي تدابير احترازية أو غيرها، وللعجب العجاب كل الناس بدأت تصاب بدور برد في أشهر الصيف من وجهة نظرهم، ولكن جاءت الطامة الكبرى حين جاء الإغلاق، وهنا بدأ الناس ينتبهون إلى أن هناك شيئًا غير عادى يحدث في بلدهم.

بلدهم التي لا تنام ولا تهدأ حتى في أعتى الحروب والمعارك.

حانات مصر وحوانيتها كانت دائمًا مشرعة الأبواب، حتى تحت أشرس أنواع الاحتلال، وفي أعنف المعارك.

دائمًا باب الرزق عند المصريين شيء مقدس، حتى وإن كان لا يأتى بما يقيم العود، ولكن لابد أن يكون مفتوحًا، ولكن في هذا المحنة تم إغلاقه، وبدأ الانتباه أن هناك شيئًا غير اعتيادي يحدث في مدنهم.

لأن العمل في مصر لا يخضع إلى حقوق وواجبات، فجاء الإغلاق كالمقصلة على رقاب الكثير من «الأرزقية وكسيبة اليوم بيومه»، ومن هنا جاءت كراهية الشعب الإغلاق، وما صاحبه من تدابير احترازية، وقلة عمل، وقلة رزق.

وتجلى رفض المصريين لفكرة المرض الذى يعيق حياتهم ويقطع رزقهم في كرههم لمظهر مهم من سبل الوقاية من المرض ألا وهي الكمامة.

هنا لابد أن نحلل لماذا لا يلتزم شعبنا العزيز بارتداء الكمامة وقد تخطينا مرحلة الإنكار والمداراة؛ لأنه حتى المشعوذين والمنظرين لنظرية المؤامرة أصيبوا بالمرض، وأصبحت دائرة الإصابة والوفاة في المحيط القريب لكل رافض للمرض، فكانت البينة التي بهت أمامها كل من أنكر وبدأت ماكينة أخرى في العمل، وهي «خليها على الله، محدش هياخد أكتر من إللي ربنا كاتبه»، وهي مخاتلة معروفة عند العامة، ألا وهي التواكل على الله، والتفسير الخاطئ للرضا بقضاء الله.

من الممكن أن ترضى بقضاء الله، وتأخذ بكل أسباب عدم انتقال المرض إليك من باب الدين أيضًا «فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

من بين ثلاثة كل أفراد هناك واحد فقط يلتزم بارتداء الكمامة، وهذا من خلال مشاهداتي، وهذا يرجع في المقام الأول إلى عدم فرض غرامة مالية واضحة لعدم الالتزام بارتداء الكمامة، ولكن هناك فهمًا أعمق لعدم لبس الكمامة، وأخذ الاحتياطات لدى المواطن.

المواطن في مصر يعيش بمبدأ المقامرة

هو مواطن ليس له حقوق واضحة، وليس له حيز أمان، فقد تنتهي حياته في أية لحظة من أي إهمال، من بالوعة مفتوحة، أو سلك عار، أو قطار يحترق، وليس عنده أي رصيد بنكي يتكئ عليه إن مالت الأيام ميلتها، ولا يقبع تحت أية مظلة تأمين صحي محترم، فهو يعيش بروح المغامر البائس المرغم على خوض هذا البؤس في ثوب حياة الذي لا يمتلك من حطام الدنيا إلا ما يحمله جسده من ملابس، ولقيمات يومه، ثم تقول له: «البس كمامة عشان الفيروس، وكأنك تسبه بعد كل هذا التماهي مع حياته الخطرة».

«هاخاف من فيروس، واعمل زى الشعوب الفرافير الذين يمتلكون كل ما أفتقر إليه، يبقى أين ذهبت أسطورة المناعة الخرافية للفراعنة التي توارثناها جيلًا بعد جيل؟».

أين جسدنا الفولاذى الذي أخذ جرعات من الكيماوي، والقمح المسرطن، وما زال لم يئن حتى الآن؟

هل يستوى هذا المواطن الحديدي مع ذلك الهش الذى يعيش على الأورجانيك والمياه المعدنية؟

لا يستوون أبدًا.

هذا التفسير هو تفسيري الخاص جدًا، وليس له أي إثبات قولي من أي شخص، ولكن استنتاجًا من مشاهدتي هذا الإصرار على عدم ارتداء الكمامة، وحتى إن وجدت مع الشخص فيصر على عدم ارتدائها، وكأنها مسألة شرف، أو ارتداؤها عند نقاط التفتيش وخلعها سريعًا بعد ذلك.

سلوك الشعب هو وليد تجربته وإرثه الثقافي، وعاداته وتقاليده، وهذا ما يقال عليه مجازًا الوعي، ومخطئ من يربط ما بين الوعي ومستوى التعليم فقط، ولكنه واحد من عدة عناصر معادلة معقدة تخرج لنا هذا السلوك، وإن شئنا أم أبينا فهذا زرعنا الذى زرعناه ونحصده الآن.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد