تحل الذكرى السادسة لثورة يناير، الجميع لا يزال يطاردها رغم أن الباقي منها ذكرى في عقول من قاموا بها، يتذكرون أيامها وحين «ينأح» عليهم الحنين يصرخون ويهتفون ضد كل من سلبهم حقهم، هذا الفتات الباقي لا يعجب معارضيها، يخونونهم على الشاشات، يحبسون أفرادها ويشوهون كل ما يرمز لها.
في كتاب «ولدت هنا ولدت هناك» يقول الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي أن الجميع يظن أن فلسطين في ورطة لأنها ببساطة ما زالت محتلة، ربما لم ينظروا إلى أن الورطة الحقيقية هي ورطة إسرائيل التي لم تستطع أن تحسم الأمر خلال تلك العقود طويلة.
الأمر ذاته ينطبق على ثورة 25 يناير، يظنها الجميع باتت في ورطة، والحقيقة أنهم لم يستطيعوا محوها، لكن ذلك ليس سؤالنا، السؤال الحقيقي لماذا نتمسك بتلك الثورة التي ما نجحت في شيء حتى الآن من وجهة نظري؟
كنت ممن شاركوا في الثورة، ذهبت لميدان التحرير وأنا لم أكمل الـ21 بعد، هتفت ضد «مبارك» وما زالت أمقته وألعنه كلما جاءت سيرته، لكن ليس الأمر مجرد نزول فقط، هتاف واسقاط رئيس وتنصيب آخر بنفس النظام والآليات .
25 يناير كانت حلمنا، ليس ذلك الحلم الخيالي الذي تبنيه فوق الرمال فينهار سريعًا، الثورة أبعد من فكرة الإطاحة برئيس وحلم التغيير، لكن كان الحلم الوحيد الذي من خلاله يمكن أن نقول أننا في دولة، بالنسبة لي كان الحلم الوحيد الذي أثبت من خلاله أني مواطن له حقوق وواجبات .
متوسط من نزلوا في الثورة في العقد الثالث من عمرهم، جميعهم لم يروا حلمًا تحقق، الوظيفة والشقة المناسبة ترفًا، الالتحاق بأي كلية من تلك الكليات النظامية أمر مستحيل، الشغل بالواسطة والعلماء في الخارج والتغيير مستحيل، إن سألت أحدهم كيف ترى مستقبلك سيقول لك خارج الوطن، الخوف عشش في قلوب الجميع، حبيب العادلي الذي أصبح اسمًا ضمن أخبار الصحف، لا يدركه الكثيرون، لا يعرفون جبروته، ما يحدث الآن مقارب تمامًا لولا أن «العادلي» كان محظوظًا لم تكن وسائل الإعلام بتلك الكثافة كي تنتقده ولم يكن هناك «فيس بوك» يوثق جرائم الداخلية .
في تلك البيئة التي تفقدك أي حلم نشأنا وترعرعرنا على وجوه ثابتة، تمامًا كالطاولة في البيت، هناك «مبارك» رئيس، وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب، فاروق حسني وزيرًا للثقافة، صفوت الشريف في كل المناصب «بينور»، الأمور هادئة وأي تفكير في التغيير هو نوع من العبث.
لم نكن نرى النار تحت الرماد، وجدناها تشتعل تحت أقدامنا ولا تحرقنا رغم إننا لم نكن أنبياء، طاردت الجميع سوانا فصدقنا النبوءة ولم تخذلنا، رأينا التحفظ على أموال «عتاولة» النظام، قادة عسكريون يعطون لنا التحية، رئيس يقول سأتنحى عن الحكم، كل ذلك ونحن لا ندرك ماذا نفعل، كل ما في الأمر أننا ضربنا اللكمة الأولى فإذا بالجسد العملاق ينهار، نظرنا إلى أيدينا ورددنا الآيات القرآنية والتعاليم الإنجيلية وضربنا الثانية فانهار الجسد أكثر، وكل لكمة نزيد وكل صفعة يضعف هو، حتى حين حاول الرد صمدنا وانتصرنا في النهاية .
ذقنا طعم النجاح وتحسسنا لذة الإرادة، لم يكن الأمر متعلقًا بما حدث، بنظام وسلطة ورئيس ووزارة ولا حتى ميدان ، لكن هو الحلم الذي مر بنا في غفلة من الزمان، حلم دولة العدل والقانون والمواطنة، ربما كان سهلًا لو لم ننجح لكن النجاح في أول الخطوات غرس كل شيء في قلوبنا، حفر الأسماء والمشاهد والهتافات والوجوه والمنازل والبرامج ومانشيتات الصحف في عقولنا، عدنا لبيوتنا وكل منا يحمل في قلبه إنجازًا لن يغيره الزمان .
نعم ما يحدث ليس نتاج ثورة على الإطلاق، بل الحق أن ما يحدث ليس نتاج نكسة أصلًا، لكن رغم ذلك ، الحلم بداخلنا، بعضنا ينظر إليه من منظور إعادة الكرة، آخرون بعين الحنين لماضٍ ولّى، في كل الأحوال نرفض إهانتها، يمس الحديث عنها شيئًا في القلب، وخزة تحمل كل ما يتعلق بالـ18 يوم، لن يعرف معارضو الثورة كل هذا، لن يفهموا، كلامهم وتسجيلاتهم وتشويههم لن يصمد أمام أي شاب وقف في ميدان التحرير ساعة واحدة، هو الحلم الوحيد الذي نرفض أن يموت.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست