كثير من الناس عربًا كانوا أو غربيين يطرحون تساؤلات من قبيل:
أتريدون أن تعيشوا في الماضي؟
أتريدون أن تعيدونا 1400 سنة إلى الوراء؟
وللإجابة عن مثل هذه التساؤلات أقول: لا لن يعود أحدٌ إلى الماضي ببساطة لأننا لا نملك آلة سحرية للزمن تعيدنا إلى عصورٍ وأحقابٍ سابقة، ولكننا حين نطالب بالعودة إلى الماضي نقصد العودة إلى مبادئ وقيم ذلك الزمن العظيم حيث خرج نور الإسلام على يدِ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحيث بدأت حضارة عربية وإسلامية جعلت لنا مكانة بين الأمم والشعوب الأخرى، وحين نطالب بالعودة إلى الماضي فهذا لا يعني أن نلبس الإزار والعباءة وأن نجلس في الصحراء نرعى الإبل ولا أن نعيد حياة القبيلة والعشيرة، ولكن هذا يعني أن نعيد إحياء أخلاق وأصالة ذلك الزمان، فلا يوجد في تاريخ الإنسانية أن خرجت حضارة من العدم دون أن تأخذ مما سبقها وتستفيد مما أسماه المفكر الجزائري مالك بن نبي «التراكم الحضاري».
ففي أوروبا مثلًا لم يقم منهج ديكارت وبايكون من الصفر، ولم تكن لحضارة ونهضة أوروبا أن تقوم لها قائمة لولا أن عادوا إلى الحضارة الإغريقية، إلى كتابات أرسطو وأفلاطون وطاليس، ولولا أن رجعوا إلى الحضارة الإسلامية الوسيطة بينهما والتي يحاول البعض إما الإنكار أو التقليل من قيمتها ودور علمائها الكبار كجابر بن حيان والخوارزمي والبيروني وابن خلدون، والقائمة تطول في الذين أثروا تاريخ الحضارة البشرية جمعاء.
ومن الأسباب الأخرى التي تدعونا للرجوع بقيمنا إلى الماضي هو إعادة اكتشاف هويتنا الحقيقة والتي اختلطت علينا وأصبحت لكثرة تشبهها بالغرب نسخة ممسوخة عنهم، فأخذنا منهم الانحطاط الأخلاقي والمظاهر الخارجية وتركنا عنهم علمهم واجتهادهم بالتقدم المادي.
إن ما يظلل حاضرنا الحالي من مآسٍ وأوجاع وانسداد في الأفق يدعونا أن نسترجع البدايات الأولى لنشأة حضارتنا العربية والإسلامية، والأخذ من هذا المعين العظيم ما نستطيع به إحياء عزيمتنا وقيمنا الروحية التي ستدفعنا إلى الأمام وتعيد عجلة التطور لدينا إلى الدوران.
وكل ما سبق لا يمنعنا من دراسة الحضارات الأخرى وتاريخها والتعمق في فهم الأسباب التي أدت إلى قيام حضارة ما ومن ثم أفول نجمها، وأن نتعلم المزيد والمزيد عن تاريخ الأمم والشعوب وأن نترك الغث منها ونأخذ السمين.
فقد قال الله تعالى يحث الناس على استذكار الماضي واستحضار العبر والدروس المستفادة من قصص الأولين «لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثًا يُفترَى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».
مصيرنا في المستقبل ومصير أجيالنا القادمة يرتبط بتغيير تفكيرنا الحالي وإعداد جيل جديد تبنى شخصيته وأفكاره على نفس الطريقة التي بني فيها الإنسان حين كنا خير أمة أخرجت للناس، على أن يتم بناء الهوية والشخصية على سنة سلفنا الصالح دون تفريطٍ بمعطيات العصر الحالي ولا إفراطٍ فيه، وما سوى هذا دورانٌ لنا في حلقة مفرغة، وضياع أكبر لهوية شبابنا وأجيالنا القادمة، وازديادٌ لتخلفنا وسيرنا عكس قافلة الحضارة والرقي والتقدم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست