لماذا تقرأ؟! قد يبدو هذا السؤال سخيفًا أو ساذجًا بعض الشيء، مع ذلك لا بد أننا جميعًا واجهناه يوما ما، فاندفعنا لفعل معين عادة يكون بناء على أسبابنا الخاصة، وإن كان هنالك أسباب ظاهرية مجمع ومتفق عليها بشكل مجمل. هنا يقف الواحد منا عند هذا السؤال الحائر، ليفكر هل سبق لي وأعطيت نفس الإجابة أو إجابتين مشابهتين لشخصين مختلفين طرحًا على هذا السؤال؟!
غالبًا الإجابة ستكون لا، وستندهش منها وتستغربـ رغم سكونها المسبق في عقلك، ففي كل مرة يباغتك أحدهم بهذا السؤال تقدم سببًا جديدًا يدفعك للقراءة ويدعوك لها، ويزينها لك كأنها الأنثى الضارعة الجمال، فتجد المقاومة أمامها أو تجاهلها ضربًا من العبث.
مما هو متفق عليه أن هذا الفعل ثابت مهما تغيرت الأسباب التي تدعونا له أو ازدادت، كثيرًا ما سئلت هذا السؤال لماذا تقرئين؟! وفي كل مرة كنت أجيب السؤال بسؤال فأقول للسائل: لماذا لا اقرأ؟!
بينما كانوا يفتشون عن سبب يدفعني للقراءة كنت أفعل العكس، فأفتش عن شيء يثنيني عنها ويردني فأفشل في كل مرة فأستمتع بهذا الفشل وأستلذ به! فلم أكن أتصور ولو للحظة أني سأكف عن القراءة وأركن لأسلم قيادي للجهل.
بعيدًا عن كل ما كتب عن القراءة، وكل ما قيل عنها من حكم أو أقوال مأثورة سأجيب على هذا السؤال للمرة الأولى، علها تكون إجابة شافية مقنعة رغم أن هذا الفعل لا يحتاج لإقناع، على الأقل في نظري.
فأقول بداية، أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفي، حياة واحدة ضيقة كثقب الإبرة، قصيرة كرسان الفرس، وأنا أريد لهذا العمر أن يتسع، أريده أن يكون فسيحًا بحيوات كثيرة رغم السنون القليلة، فالكتب امتداد أفقي لحياة لا تنتهي فكل كتاب يقرؤه المرء هو امتداد لعمر جديد، عمر يزداد مع كل صفحة، ويطول مع كل كتاب يضاف لمحصلة القارئ، إنه عمر الكاتب/المؤلف مضافًا لعمر القارئ، وهذا الامتداد هو ما يمنح الحياة اتساعها الشاسع الذي أمني نفسي به.
أقول أيضًا، الكتاب بالنسبة لي تذكرة سفر مجانية، رحلة مدفوعة التكاليف من شخص مجهول، كل كتاب أقرؤه يمنحني رحلة جديدة لعالم لم يسبق لي زياته أو اكتشافه، عالمًا لم أكن لأتوقع شيئًا من أحداثه لولا حذاقة مرشدي – أعني الكاتب/المؤلف – بين جنبات كتابه وطيات صفحاته، فأي شخص يرفض السفر والاكتشاف الذي يروي شغفه ويغذي روحه ولو من باب الفضول؟!
فالكتاب آلة الزمن التي أخفق علماء الفيزياء في اختراعها، فسجل بذلك السبق لعلماء اللغة وجهابذتها مرورا بالمؤرخين والفلاسفة والرحالة، ليضع كل منهم ما استطاع من علم ومعرفة في هذا المجال، فجعلنا نجوب أزمانًا غابرة وعوالم اندثرت ولم يبق من آثارها سوى الفتات المتناثر هنا وهناك، أو المحبوس في المتاحف والمحجوب عنا خشية وصونًا، فكرامة الكتب هنا هي أنها جعلتنا نشاهد هذه النوادر، فنقرأ عنها وننغمس فيها كحال المسافر من شمال الأرض لجنوبها مشدوها بجمال الطبيعة واختلافاتها.
وأقول أيضًا، لا يمكن للمرء أن يدرأ الجهل الذي وجد فيه وغلفت به الحياة بتفاصيلها وموجوداتها إلا بالقراءة، والتنقيب بين الكتب عن شتى المعارف التي تشبع عقولنا النهمة للمعرفة، وتروي عطشنا للعلم، فأي شيء أفضل من تصفح الكتب ومحاورتها يجعلنا نقضي على جهلنا ونحاربه، بل نقصيه من حياتنا؟! وأي شيء أفضل منها يجعلنا نصل لإجابات أسئلتنا التي تتجدد كل يوم، بل وكل صفحة نقرؤها؟!
وهنا لا بدّ من القول إن الكتب تقوم بدور مزدوج في باب البحث والتساؤل، ففي الحين الذي نجد فيه بعض الكتب لا تقدم لنا سوى التساؤلات التي تضاعف لهفتنا للمعرفة نجد أن كتبًا أخرى تقدم لنا من الإجابات أضعاف من كنا ننتظره ونسعى إليه، وطالما أن الإنسان مدفوع بالفضول والتساؤل فهذا أوجه سبب يفترض أن يدفعه للقراءة ويعلق نياط قلبه بالكتب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست