“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحبونه..” المائدة 54

الحب ركن إذن. أو على أقل تقدير لا يكتمل إيمان المرء إلا به. و لكن هل تشعر به في أعماقك؟ بصدق؟ أجل ؟ و قد فرقت بين الحب و الخوف و الطمع؟ هنيئًا لك إذن بـ “واديك المقدس”. أشك؟ لست وحدك. و آمل أنك لست روحًا رديئة لذلك. القضية هي : لماذا لا نحب الله؟ برغم إيماننا بوجوده و انبهارنا بصنعه و لجوئنا إليه في كثير من الأحيان.

في الحقيقة، قد كانت لحظةٌ لا نعرف موقعها من التاريخ على وجه الدقة، حيث انفصل الله عن العالم و أصبح كيانًا خارجيًا يشبه الأسطورة. عندما تحولت دفة الحضارة عن الشرق، أخذت في التحول شيئًا فشيئًا عن الأديان كذلك. ابتداءًا من انتصار العلم في أوروبا على سلطة الكنيسة ،العلم الذي اكتملت دائرته في الشرق الإسلامي قبلاً- و بالمناسبة لا يُذكر هذا التنوية كنوع من التباهي و لا أي من هذه الصغائر، و إنما هي حقائق الأمور- وصولاً إلى اللحظة التي نكتب فيها هذه الكلمات. لقد تم خلق دين جديد اسمه (العلم) يدين به عالمنا الصغير المتماهي أو الآخذ في التماهي حضاريًا بشكل أو بآخر. لا أستطيع كفرد شرقي متدين –بمعنى مؤمن بالأديان- و لا أفضل كذلك، أن أنبذ العلم في سبيل أن أحفظ على نفسي ديني. و في الحقيقة لا تظهر حاجة ملحة لهذا الأمر في أغلب الأحيان. و لكن هناك صراعٌ آخر قد تولد. صراعٌ غلى مستوى اللغة. لقد أحببنا لغة العلم.

و أصبحت لغة الوعاظ  مُضْجِرة و بغيضة. صراعٌ آخر على مستوى العقل. عقل المتلقي المتوسط ثقافيًا الذي يشاهد فيلمًا أمريكيًا يدور في الفضاء،  يصور رحابة الكون، يناقش جوهر طبيعة الكميات الفيزيائية، كما يتساءل حول فلسفة الشعور الإنساني الغامض بالمحبة. كل هذا خلال ثلاث ساعات زاخرة. لا يمكن لهذا العقل بأي حال أن يهتم بما يهتم به المتدينون من طبقته الثقافية ذاتها: هل يقع تطليق الرجل لزوجته إذا أقسم به أم تكون عليه كفارة و تحل له بعد ذلك أم أم ؟ قضايا كمثل هذه القضايا لا يجب أن تناقش. يجب أن يؤدب سائلها الذي يضع زواجه في مهب كلماته الطائشة. إذا كان يهمه حقًا ألا يعيش مع امرأة في الحرام؛ ليحفظ لسانه و يظهر احترامًا أكبر لزواجه. انتهت القصة. و لا داع أن يسفسط العلماء و يدعوا معرفة عميقة في أمور لا تستحق حتى النظر.

لا يمكن كذلك للفرد العشريني، الذي عايش بنفسه الثورات العربية، و تعلم منها شيئين اثنين: أنه ليس ثمة حقيقة مطلقة واحدة على هذه الأرض. و أنه لا يوجد مبرر واحد لقتل الإنسان. لا يمكن لهذا التوجه الذي تولد عن حتمية تاريخية أن يتعايش كليًا مع الإشكالات البعيدة و المناقضة لكل ما يفهمه عن العالم. أمور كحدود  الردة و السرقة و الزنا و حتى الحرابة. هذا الفرد يرفض بشكل قاطع أن يُقتل المرء لأنه قرر أن يتحول عن دين. كما أن هذا الفرد حتمًا يشك في نزاهة أصابعه، و لا يأمن للنظام –أي نظام- أن يقوم على تنفيذ أحكام بتَّارة كهذه الأحكام.

إذن، لقد اجتذب تيار الحضارة الغربية كل ما هو مثير للاهتمام. و كل ما يدفع بالإنسانية –و لو على مستوى التنظير- إلى احترام حق الحياة و الحرية و عدم التمييز. و تُرك لاسم الله كل ما يدعو إلى الكراهية. ما قد يحتمله و ما لا يحتمله. تُرك ذلك لاسم الله لأن المتدينين انشغلوا بمعالجة الصغائر و نمص الحواجب. و وقفوا أمام الكبائر بين التعصب و الحيرة و الطبطبة. إذا لم توضع نهاية لهذا المنهج الصبياني؛ فإن أجيالًا قادمة بأكملها، يُخشى أنها سوف لن تحب الله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

حب الله
عرض التعليقات
تحميل المزيد