كم مرة تعلقت بفرصة وأنت على يقين بأنها لك لا محال؟ وقد بذلت قصارى جهدك في سبيلها, لكن يخيب أملك باستمرار؟ لتسأل نفسك لماذا لا أحصل على شيء؟ بينما يحصد “الأوغاد” كل شيء؟
إجابة هذا السؤال لم تكن سهلة، نظرا لوجود إجابات نموذجية جاهزة, من عينة “حظك سيء”، “الطيبون ليس لهم مكان”، “المؤمن مصاب”، “هو ده نصيبك”. لذا من الضروري التفكير بطريقة مختلفة، تجعلك قادرا على رؤية الأمر من زاوية أخرى! ولقد فعلت ذلك نيابة عنك وظني أن إجابتي ستدهشك! اسمح لي أن أسرد لك هذه القصة, والتي من خلالها سنصل للإجابة.
“هي لموظف بسيط, اكتشف حوادث “فساد” متعددة، قام بها زملاؤه في العمل, ذهب إلى مديره وأبلغه بذلك، رد الفعل المتوقع، أن ينال درجة وظيفية أعلى؟ أو مكافأة استثنائية؟ ثم يتخذ المدير خطوة حازمة حيال ذلك الأمر، لكنه فعل شيئًا آخر, قام بطرده على الفور!
ترك بعدها الموظف البلدة, ذاهبا إلى مكان آخر، وهو “متكئ” على خطاب توصية لرجل يدعى “علي بيه الشبوكشي” أخبروه أنه رجل ذو شأن كبير فهو يمر عليه يوميا، من الغفير إلى الوزير، وسيمكنه من الحصول على وظيفة مناسبة! عوضًا عن سابقتها، وهو في طريقه ليه، يتعرض لعمليات احتيال وسرقة، ويخسر كل شيء, إلا خطابه الموجه إلى “علي بيه الشبوكشي” الذي يتضح أنه مجرد ساعٍ.
وكلمة “بيه” أحد أسمائه! ليست لقبًا كما ظن! بعد ذلك يجبره لصان على جريمة سرقة!
ليتحول بعدها من الإنسان المفعول به في كل المواقف إلى آخر يعلب بمصائر البشر, تغيرت لغته وارتفعت نبرات صوته لتعلو على جميع من حوله، ولم ينفعهم تفوقهم في المشاجرات وبراعتهم في السرقة والاحتيال، فهذه الأمور التي كان يخشاها في السابق، أصبح بعد مدة قصيرة أكثر براعة منهمن وبات يخشاه هذان اللصان ولص ثالث أكبر منهما، بل والأكثر من ذلك أن يقوم بطرد مديره القديم من العمل بنفس الطريقة التي تمت معه في السابق!
ربما شاهدت تلك القصة لنجيب الريحاني، بطل فيلم “سي عمر” التي تحوي بداخلها إجابة شافية, ممثلة في عدة نقاط سأذكر أبرزهم بالنسبة لي “الشلاليه”، “حسن الظن المستمر”، “مرآة ذاتك”.
و”الشلاليه” هي جمع “شلة” مكونة من مجموعة أشخاص قد يختلفون في كل شيء، ويتفقون على مصلحة واحدة ينصهر بداخلها أي اختلاف أو خلاف، انظر لرد فعل المدير، وقيامه بطرده لشعوره أنه يمثل إزعاجا له ولشلته فقط؟! تم التخلص منه لينتهي الأمر، وتستمر المصلحة بدون إزعاج، مما يعني أن وجودك منفردا يجعل منك صيدًا سهلاً للأوغاد وربما يستخدمونك ليظهروا أبطالاً، بالصعود على جثتك, فكلهم يخدم الآخر, وأنت لا أحد يخدمك، وهذا درس جديد, ما هو المقابل الذي ستقدمه نظير أي خدمة توجه إليك؟
في وجود شلة من هذا النوع، حتى وإن كنت تملك كل المقومات والأسباب التي تجعلك الأنسب لتلك الفرصة، لن يشفع لك ذلك؟ فهم يتناوبون على خدمة بعضهم البعض, ويجملون صورهم أمام الجميع بما يخدم مصالحهم، لأنهم على يقين أن أي خدمة ستقدم لشخص منهم، هي في النهاية خدمة لهم جميعا على السواء, هم يقومون بوضع المصالح كلها في إناء واحد، ليرتشف منه الجميع في النهاية.
“حسن الظن المستمر” رغم أنه هو الأصل في الحكم على ردود أفعال البشر؟
لكن إفراطك فيه يفتح شهية “الأوغاد” على أكلك دون رحمة، وربما تجد نفسك ضحية لجرائمهم، دون أن يهتز لهم جفن, حتى وهم يسمعون صراخكن لذلك أنصحك بالحذر، وأخذ الحيطة مع وضع احتمالية بسيطة جدًا، بأنك ربما تكون مخطئًا في حسن ظنك غير المبرر في بعض الأحيان، مع أشخاص لا تزال لا تعرف عنهم الكثير!
“مرآة ذاتك” وهذه النقطة الأهم من وجهة نظري، فحسب نظرتك لنفسك, تتحدد رؤيتك للأمور من حولك, وتكون أكثر وضوحًا في ردود أفعالك تجاه ما تمر به من مواقف في الحياة, لتحصل على نتائج نهائية ليس بها دور ثانوي.
كيف تنظر لنفسك الآن؟ لا تكن متسرعًا في إجابتك، فالأمر يحتاج إلى كثير من التفكير والتمعن، إلى إعادة ترتيب وتأهيل لنفسك؟ إلى اكتشاف ميزاتك الخفية التي تتغافل عنها وتستيهن بها؟ كن على يقين أنك تملك الكثير من المواهب، حتى لا تجبرك الظروف على ارتكاب أفعال تنفي صفاتك الأصلية، وتتعارض مع مبادئك الفطرية، وحتى لا تجد نفسك محاطًا بمجموعة من الأوغاد، أو ينتهي بك الأمر بأن تقابل “علي بيه الشبوكشي” ليس الغرض من كتابة هذه السطور، أن يتحول الطيب إلى وغد، لكن ليعرف الوغد حجمه الحقيقي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست