(1)

بينما كان الشاب يجلس على أحد الأرصفة لمدخل الشارع؛ ليهدأ قليلاً، ويدخن سيجارة، ثم يعاود الدخول مرة أخرى، كانت تقف بجواره فتاة تقوم بتكسير بعض الأحجار لقطع صغيرة؛ لتوردّها لمن هم مازالوا واقفين على أرجلهم، يرون بأعينهم، ويستطيعون إدخال الهواء إلى صدورهم بعد الأمطار التي تنزل على رؤوسهم، ينهى السيجارة، ويقبض على بعض الأحجار؛ لينضم إلى من بالداخل.

 

(2)

هناك من كان يقف ويشعل الشماريخ؛ ليحمى من وراءه، وبجانبه يرفع الفتى العلم، الذي لم ينزل طوال فترة الاشتباكات، ولم يتحرك الفتى، لا هو ولا وشاحه الذي كان يغطى وجهه.

– كان الرجل يجلس وبجواره كوب من الشاي، فيعطى نصفه لمن بجواره دون أن يعرفه، وهو على يقين أنه لن يراه مرة أخرى بعد انتهاء الاشتباكات، لم يكن ينتظر شيئاً، بل كان يشاركه أشياءه.

– لم يكن شارع عيون الحرية أو كما يطلق عليه البعض (محمد محمود) مجرد شارع حدثت به بعض الإشتباكات، كان وطناً لمن يبحث عن وطنه، كان حياة لمن أرادوا للثورة أن تحيا، وكان الجنة لمن أُستشهد من أجل الثورة، كان صوت الشباب العالي الذى يزعج أصحاب القصور.

 

(3)

وسط الاشتباكات، وبينما يصارع من بالداخل، كانت تقف الفتاة واضعة الوشاح على رقبتها، وتمسك بيدها محلول الخل والخميرة، وفي الأخرى المياه الغازية؛ لتخفف من مفعول القنابل التي تمطر على كل من هو داخل الشارع، بينما يقوم آخرون بنقل المصابين إلى لمستشفى الميداني.

 

(4)

جاءت الذكرى لأحداث محمد محمود فلم تترك الدولة الفرصة لأي من الخونة و العملاء أن يدخلوا الشارع، فكانت تحتمى وراء متاريسها ودروعها التي لا تعد ولا تحصى، فكيف لمثل هؤلاء الشباب أن يقوموا بإحياء ذكراهم، وذكرى يوم من أسوأ أيام الدولة؟ ألم تروا كيف كان هؤلاء – العيال – يقومون بالتخريب؟ ويعطلون العرس الديمقراطى؟ ألم تروا كيف كانت الشرطة تقوم بضبط النفس؟ ولم تطلق طلقة خرطوش واحدة؟ ولم تسلب روحاً من جسدها؟

– لن يترك الإعلام هذه الفرصة تمر من بين يديه، ولكن لن يتحدث عمن قنص عيون الرجال، بل سيتحدث عن الاقتصاد الذي تحسن، والأمن الذي عاد، وأنه لن يكون هناك مكان للمخربين في هذه البلاد، فهي هيبة الدولة، وما سواها فمكانه جهنم وبئس المصير.

– لم تترك الدولة حتى الفرصة لأن يقوم بعض الشباب بوقفة لإحياء هذه الذكرى، فقامت بالقبض على من وقف على كوبرى أكتوبر ببعض اللافتات التي من المفترض أنها لا تسمن و لا تغني من جوع، ولكن القلوب ترهب كل من يذكرها بالمعارك الطاحنة.

 

(5)

– يعيش الفتى الأول في المعتقل، ويأتى له أصدقاؤه بالسجائر حين يُسمح لهم بزيارته، بينما تزوجت الفتاة، ولم تعد تكسر الأحجار، ذات الوشاح سافرت إلى دولة من دول الخليج مع أهلها، صاحب العلم يبحث عن عمل، فلا يجدهن ومن شرب نصف كوب الشاي يجلس على المقهى، وينتظر ذات الوشاح أن تمر يوماً من أمامه، فهل ستفعل؟

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد