مر عام على الحرب التي افتعلها الحوثيون والمخلوع صالح في اليمن، بجنوب محرر وشمال، لكن الحرب وآثار الدمار لم تنتهِ بعد.
في مدينة عدن الجنوبية التي تم تحريرها في منتصف يوليو/ تموز العام 2015م تشاهد آثار حرب الاجتياح اليمنية الشمالية لمدن الجنوب باقية.
منازل مدمرة، وبقايا قطع لآليات عسكرية تؤكد قوة المعركة التي شهدتها المدينة الجنوبية الساحلية.
من هنا مر أبشع عدوان عسكري شمالي شهدته المدينة، مقارنة بالاجتياح العسكري الأول في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
كان نظام المخلوع قد اجتاح مدن اليمني الجنوب في منتصف تسعينيات القرن الماضي بالتحالف مع الإخوان المسلمين، وهي جماعة تصنف من قبل دول عربية جماعةً إرهابية، ليكرر المخلوع فعلته مرة أخرى عقب تحالف مع جماعة الحوثيين.
في الثلث الأخير من مارس (شباط) 2015 وجد الجنوبيون أنفسهم أمام قوات عسكرية ضخمة تجتاح بلادهم مرة أخرى، تدمر كل شيء أمامها، في محاولة لإسقاط عدن لمصلحة عدو الأمة والمنطقة (طهران).
لكن كان للمساندة العربية والخليجية الدافع القوي في صد العدوان العسكري عن عدن ومدن الجنوب الأخرى.
قبيل انطلاق (عاصفة الحزم) الداعم للشعب اليمني، كان المخلوع صالح والحوثيون قد وضعوا خطة لإسقاط عدن من الداخل، من خلال فتح جبهات داخلية، وتحرك الوحدات التي ينتمي أغلب منتسبيها إلى اليمن (الشمالي) الزيدي.
كانت الأجواء حارة في صيف عدن الساخن، حالة من الترقب المحفوفة بالمخاطر، فالحرب التي قرع الحوثيون والمخلوع صالح طبولها، الهدف منها إخضاع الجنوبيين وإلى الأبد، بعد أن ارتفعت قبل عشرة أعوام الأصوات الجنوبية للمطالبة باستعادة الدولة الجنوبية السابقة التي يقول الجنوبيون إن حربًا شمالية قضت عليها.
كانت خيانة ضباط وجنود من الشمال اليمني، في معسكر لبوزة وقاعدة العند الإستراتيجية، كفيلة بسقوطها وانتقال المعركة إلى عدن؛ فما هي إلا ساعات والمعسكرات في عدن تفتح جبهات داخلية.
كان سكان مدينة خور مكسر وسط عدن يسقطون ضحايا من جراء القصف العشوائي لقوات موالية للمخلوع صالح، أنتقل من معسكر بدر في المدينة، إلى مطار عدن الدولي الواقع في الضاحية الشمالية للمعسكر.
في تلك الأثناء لملم الجنوبيون أوراقهم وبدؤوا بتشكيل مقاومة شعبية، لمواجهة الاحتلال الشمالي الذي يجتاح بلادهم للمرة الثانية.
في دوار حي دار سعد شمال عدن، وقفت مركبة عسكرية يرفرف فوقها علم اليمن الجنوبي، وعلى متنها خمسة شبان بأسلحة خفيفة، في حين اعتلى فتى في العشرينيات من عمره عمارة سكنية قبالة الدوار، كان ينادي على زملائه في الدوار «دبابة قادمة نحوكم على طول الطريق». كان ظلام الليل يدنو على عدن، اقتربت الدبابة من الدوار في الوقت الذي استعد فيه المقاومون بسلاح مدمر الدبابات (آر بي جي 7)، قبل أن تصل إلى الدوار، كان أحد الفدائيين يتسلل للدبابة من أروقة منازل شعبية، ليطلق عليها صاروخًا دمرها قبل أن تصل إلى الدوار «لتهز أرجاء الحي أصوات التكبير».
كانت المقاومة في البداية خفيفة وغير مرتبة، فالجميع ذهب للدفاع عن عدن ضد غزو شمالي، دون تنسيق مسبق، لكن مع مرور الساعات كان الترتيب يجري على قدم وساق، فالجنوبيون هذه المرة عزموا على مواجهة جحافل الجيش القادم من الشمال.
كان الجنوبيون يدركون أن أي سيطرة شمالية على بلادهم مرة أخرى، يعني انتهاء قضية بلادهم، وتعميق الهيمنة الشمالية على بلادهم ربما لعقود قادمة.
قصص كثيرة سطرها أهالي الجنوب، وكان للمرأة الجنوبية دورٌ بارزٌ في معركة صد العدوان عن عدن.
حسناء عوض فتاة جنوبية من مدينة عدن، خريجة كلية الحقوق في جامعة عدن، كانت واحدة من عشرات الفتيات في المدينة اللواتي انخرطن في صفوف المقاومة من خلال إسعاف الجرحى وتقديم الطعام للمقاومين.
تقول حسناء «عاصفة الحزم، كانت بشرى وفرحة أدمعت عيوننا بعدها من الفرح، وقتها شعرت أن هناك إخوة لنا ينصروننا، لم أتخيل قط يومًا أن دولًا عربية تقف إلى جانبنا وتساندنا».
وتضيف حسناء لـ«ساسة بوست»: «لقد تحولت عدن عقب عاصفة الحزم إلى مقاومة، فحتى الأطفال شاهدتهم ينصبون نقاطًا في الحارات يحرسون المنازل التي ذهب أغلب رجالها إلى الجبهات».
انخراط الفتيات في الجبهات
كانت لفتيات كثر غير حسناء النصيب الأوفر في الانخراط ضمن المقاومة، من خلال إسعاف الجرحى ونقل الطعام ومياه الشرب للمقاومين.
تقول حسناء «كان هناك مجموعة من الشباب المتطوعين يعملون في مجمع مدينة الشعب الصحي، وهم هبة علي، عيشة بامهدي وأدهم ، خالد حسن، وكانوا يعملون في كلية الحقوق في الحرم الجامعي وكان حينها معسكرًا للمقاومة الجنوبية وفتحت لهم غرفتين كعيادة لإسعاف الجرحى الذين كانوا يصلون من الجبهات أو من المدنيين الذين تصيبهم قذائف العدوان الحوثية العفاشية، وبدأت المناوبة بين الشباب المتطوعين من الفترة الصباحية، وبعدها انضم إليهم حسين عبد العزيز وأماني عبد الرحيم ومنصر محسن غالب وأحمد علوي وبدأ التناوب بالفترات المسائية والصباحية لاستقبال الجرحى سواء بإصابات إثر طلق ناري أو شظايا».
وأضافت «كانت هناك فرق أخرى تعمل في عدة أماكن، وقد استشهد العديد من المسعفين والمسعفات برصاص قناصة العدوان الحوثية العفاشية».
حسناء ورفاقها في مقدمة المقاومة
انتقلت حسناء ورفاقها من العمل في مخيم طبي إلى فريق طبي متنقل يرافق تقدم المقاومة الجنوبية والجيش الوطني في معركة تطهير رأس عمران في الثلث الأخير من شهر رمضان (يوليو/ تموز) 2015م.
تقول حسناء «عندما بدأت المقاومة، عقب وصول الدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، من أسلحة نوعية وذخيرة، بدأت هجمات التحرير للمقاومة الجنوبية وبدأت برأس عمران (غرب عدن)، وكنا أنا حسناء عوض وشذى وبسام، مع الطاقم الأول الذي كان يعمل في مجمع الشعب، ليكتمل العدد لهذا الطاقم الذي شارك المقاومة لحظات الانتصار واقتراب نهاية العدوان الميليشاوي، في رأس عمران وتمكن من استيعاب ومجارحة ونقل الجرحى إلى مستشفيات عدن الخاصة «الوالي والنقيب»، وأطباء بلا حدود و22 مايو، حيث وصل عدد المصابين تقريبًا إلى 40 مصابًا معظمها حالات قنص».
«عقب تحرير رأس عباس، تلقينا إشعارًا بأن علينا الاستعداد لمعركة تحرير مطار العاصمة الدولي، في خور مكسر، لينضم إلى فريقنا محمد علي عيسى وأيمن عارف محمد علي. وفعلًا بإذن من الله انتصرنا يومها». تقول حسناء عوض.
وتتذكر أحد رجال المقامة، وتصفه بالوالد «فتح لنا الأب العزيز عبد العزيز الحسني صالات بالمطار كانت الميليشيات تستخدمها لتخزين العلاجات، وعثرنا فيها على معدات جراحية وأدوية وصرفت لنتمكن من متابعة عملنا واستعددنا لليوم التالي لتحرير مستشفى الجمهورية، وتقدمت المقاومة لتصفية ما تبقى من الميليشيات في خور مكسر، وانتقلنا بعدها لتحرير المعلا والتواهي وكريتر».
انتقال الفريق الطبي إلى خارج عدن
«عقب تحرير عدن – تقول حسناء عوض – انتقلنا مع المقاومة إلى بلدة الوهط في لحج لتحرير، وهناك أصيبت زميلتنا (هبة علي) ونقلت إلى أطباء بلا حدود للعلاج، ولاحقًا تم نقلها إلى الأردن، نتمنى لها الصحة والسلامة».
وتتابع حسناء حديثها «توجهنا بعد ذلك إلى صبر حيث فتح لنا رجال المقاومة إحدى العيادات وقمنا بترتيبها وتأخر الهجوم تقريبًا إلى المغرب، وبدأت مقاتلات التحالف بالقصف على مواقع الحوثيين وقوات المخلوع»، واستقبلنا 54 جريحًا وأربعة شهداء، واضطررنا إلى استخدام مركبات عسكرية، لنقل وإسعاف الجرحى إلى عدن، واستمرت مرافقتنا للمقاومة وقوات التحالف إلى أن تم تحرير قاعدة العند العسكرية والعلم».
تشارك العمل مع طاقم طبي إماراتي
تتحدث حسناء عوض عن مرافقة طاقمها الطبي لطاقم طبي إماراتي قدم مع القوات الإماراتية، التي أتت لنصرتهم.
«كنا نعمل مع الفريق الإماراتي في أحد المساجد، وقد استفدنا خبرة من أشقائنا الإماراتيين، وكانوا نعم الإخوة، فقد نصرونا وقدموا تضحيات كبيرة في سبيل ذلك، نسأل الله أن يديم الأمن والأمان على بلادهم».
جحود ونكران
عادت حسناء ورفاقها إلى عدن بعد دحر الميليشيات إلى بلدتي كرش في الحدود مع تعز، ومكيراس في الحدود مع البيضاء. «كنا نتوقع أن يتم تكريمنا جميعًا، وأن نحصل على وظائف، ولكن أكبر شيء قدم لنا أثناء عودتنا من الجبهات إلى عدن هي بطاقة تعريفية لا أقل ولا أكثر، في حين حصل بعض رفاقنا على وظائف ودعم مادي ومعنوي، لكن نحن لم نحصل على شيء».
وتضيف «كنا نتوقع بعد أن عدنا سالمين والحمد لله أن يتم توظيفنا، لكن فوجئنا بأن بعض أعضاء الفريق تم دعمهم ماديًّا من قبل محافظ عدن السابق نائف البكري، في حين أن أغلب الفريق لم يحصل على أي شيء».
لكن حسناء تستدرك وتقول «أهم تكريم لنا هو تحرير عدن وباقي المحافظات الجنوبية من الاحتلال الحوثي عفاشي، وهذا أتى بعد تضحيات جسيمة». متمنية في ختام حديثها أن يحصل ذوو الشهداء على حقهم في الرعاية والوظيفة، وأن يتم توظيف كل من ساهم في تحقيق هذا النصر، ولم تنسَ أن تشكر التحالف العربي والإمارات العربية تحديدًا على وقوفها إلى جانب أهلها في دحر ما أسمته بـ«العدوان الشمالي لبلادها».
على الرغم من البطولات التي سطرها أبناء عدن في صد العدوان وإعادة الحكومة الشرعية إلى عدن، إلا أن الحكومة الشرعية التي عادت إلى عاصمة بلادهم تنكرت لكل تلك التضحيات.
فالكثير من المقاومين الجنوبيين لم يحصلوا على مرتبات في حين توفي العديد من الجرحى في مشافي المدينة، بعد تعثر نقلهم إلى الخارج.
كان الجنوبيون يعتقدون أن الانتصار الذي تحقق على الأرض ربما يمنحهم جزءًا من حقوقهم التي صادرها نظام المخلوع صالح منذ احتلال بلادهم في يوليو/ تموز 1994م، لكن ذلك لم يحصل؛ فالجنود والضباط في الجنوب لم يحصلوا على مرتباتهم لأكثر من عام في حين تصرف الحكومة الشرعية لمنتسبي الجيش والأمن في اليمن الشمالي.
والسبب كما يقول مسئولون «أن قادة الجيش اليمني، الجنرال علي محسن الأحمر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والجنرال محمد علي المقدشي، يرفضان صرف مرتبات الجنوبيين، في حين تشن وسائل إعلام موالية للإخوان هجومًا عنيفًا على الجنوبيين بدعوى أنهم يطالبون باستعادة دولتهم السابقة».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست