عادة ما نواجه نحن الصحافيات في رحلة البحث عن الحقيقة حول ما تواجهه النساء من عنف منزلي الجملة الخالدة، إن ما يحدث بين الرجل وزوجته هي مجرد مشاكل شخصية تُحلَّ على المستوى الشخصي فيما بينهما، كما يتم مهاجمة النساء عندما تحاولن الحديث عن مشاكلهن خلال فترات الوباء الجماعي بدعوى أنها مشاكل فردية وأن الوقت ليس مناسبًا للحديث عن الأمور الفرعية.

«قد يعترفون أحيانًا أن النساء مُضطَهَدات (ولكن فقط بواسطة النظام) وقالوا إننا يجب أن نحصل على أجرٍ مساوٍ في العمل، وبعض الحقوق الأخرى. ولكنهم ظلوا يستصغروننا لمحاولتنا جلب ما أسموه مشاكلنا الشخصية إلى الحلبة»
ورقة «الشخصي سياسي» التي نُشِرَت في «ملاحظات من العام الثاني: تحرر النساء» في 1970.

ولكن الواقع اليوم يثبت أن الأمر ليس كذلك وأن حال النساء ليست مجرد مشكلة شخصية عند الرجال أو مشاكل فردية عند النساء فبالنظر الي الوباء المتفشي والوضع المشترك الذي يشهده العالم بأجمعه يمكننا بوضوح ملاحظة التشابه في وضع النساء في كل دول العالم تقريبًا باختلاف مدى قدرة النساء على الحصول على الدعم في تلك الدول من عدمه، وباختلاف ظروف النساء ومدى تدخل الجهات الحكومية والمنظمات النسائية لردع العنف بحقهن وتطبيق نظام للمحاسبة.

على الرغم من أن هناك إحصاءات تقول إن فايروس كورونا (كوفيد-19) يصيب الرجال أكثر من النساء وأن الضحايا أغلبهم من الرجال إلا أنه طبقًا لإيما ليغنيرود بوبيرغ، مستشارة برنامج الجندر والتنمية في «منظمة دعم الإعلام الدولي (IMS)» فإن النساء أكثر عرضة للمعاناة من تبعات الوباء وتداعياته والخطر المتزامن المتمثل في استبعادهن ووجهات نظرهن من التدابير والسياسات الموضوعة للاستجابة للمرض.

فعلى سبيل المثال النساء مسؤولات بشكل أكبر عن تقديم الرعاية الصحية داخل منازلهن، مما يرفع احتمال تعرضهن للفايروس كما أن النساء يشكلن حوالي 70٪ من العاملين في مجال الرعاية الصحية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لكن ومع ذلك فإن الرجال يستحوذون على 72٪ من مناصب الرؤساء التنفيذيين في مجال الصحة في العالم.

كما أن تناول النساء في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لا يتجاوز 24٪ و19٪ فقط من الخبراء الذين تستضيفهم وسائل الإعلام من النساء.

فعلى الرغم من أن النساء معرضات للكثير من المصاعب التي يطرحها الفيروس، إلا أن الرجال هم الذين يطورون سياسات التعامل مع هذه الجائحة.

«على الرغم من أن النساء معرضات للكثير من المصاعب التي يطرحها الفايروس، إلا أن الرجال هم الذين يطورون سياسات التعامل مع هذه الجائحة».

وفقًا لتقرير «هيئة كير الدولية» فإن واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض خلال حياتها إلى العنف الجسدي أو الجنسي أو كليهما من قبل شريكها الحميم وهذه المعدلات تشهد تزايد واضح حول العالم منذ بدأ جائحة فيروس كورونا.

ففي فرنسا مثلًا، سجّلت السلطات زيادة كبيرة في حوادث العنف المنزلي، إذ ارتفعت بنسبة وصلت إلى 36٪ في بعض المناطق في الأسبوع الأول فقط مما جعل الحكومة تدخل إجراءات جديدة تسمح للنساء اللاتي تواجهن الإساءة بطلب المساعدة في الصيدليات عن طريق قول كلمة «Mask-19».

وهي نفس الجملة التي يمكنك استعمالها في الصيدليات في إسبانيا في مبادرة يجري اختبارها هناك، بالإضافة إلى طرح خدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي.

وأشارت صحيفة ديلي ميل البريطانية إلى ارتفاع المكالمات إلى خطوط المساعدة الخاصة بالعنف المنزلي بنسبة 25٪ خلال الأسابيع الأولى فقط من الحجر الصحي.

تقول بيت طومسون وهي معالجة نفسية تدير مجموعات علاجية للنساء المعنفات: «يقول الناس: عليك أن تتحصن مع عائلتك، إن هذا شيء جميل إذا كان لديك عائلة محبة، لكن العزلة مع مرتكب الجريمة هو كابوس يجعل المرأة تشعر بالاختلاف والخجل».

أما في السويد والتي تعتبر من أفضل الدول فيما يخص حقوق المرأة كما أنها ليست من الدول التي طبقت الحجر الصحي، أو حظر التجوال الإجباري على مواطنيها فوفقًا لجريدة «SVT» يرى بعض ضباط الشرطة السويدية أن هناك ازديادًا في نوع الجرائم المرتبطة بالعنف المنزلي منذ بداية الوباء.

كما تقول أولغا بيرسون، الأمينة العامة لمنظمة «Unizon» في الأسابيع الأخيرة شهدنا زيادة في معدل طلبات الانضمام إلى ملاجئ الفتيات والمراهقات بنسبة تتراوح بين 20 و40٪.

فبالنسبة للعديد من الضعفاء، يكون الوضع أسوأ عندما يبقى عدد أكبر من الناس في منازلهم لفترة طويلة من الزمن.

وترى يوهنا الأخصائية الاجتماعية في خط حماية المرأة – الخط الهاتفي الوطني للمساعدة في السويد – ترى انه على الرغم من ارتفاع معدل الشكاوى والبلاغات حاليًا إلا أنه بمجرد أن ينتهي الوضع الراهن من المتوقع أن تتضاعف أعداد البلاغات المقدمة من النساء إذ إنك إذا كنت محاصرة مع رجل عنيف، فمن الصعب الاتصال وطلب المساعدة.

إذا كنت محاصرة مع رجل عنيف، فمن الصعب الاتصال وطلب المساعدة.

وتضيف منظمة أنقذوا الأطفال Rädda barnens ان معدل الرسائل التي يتلقونها قد تضاعف حوالي ثلاثة أضعاف خلال الفترة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بالإبلاغ عن العنف بسبب جرائم الشرف.

كذلك وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة فإن الصين قد سجّلت ارتفاعًا مهولًا في نسبة الاعتداءات على النساء، وصل إلى ثلاث أضعاف ما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.

مما اضطر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش في رسالة مصورة إلى الدعوة لحماية النساء والفتيات من العنف الأسري خلال فترة الحجر المنزلي، بجعل «منع العنف ضدّ المرأة ورفع الضّرر الواقع من جرّاء هذا العنف جزءًا أساسيًا من خطط الحكومات الوطنية للتصدي لـ(كوفيد-19)».

ولكن هناك خوفًا من نوع آخر وهو أن يتخذ العنف ضد النساء انعطافًا أكثر تعقيدًا، كطرد النساء من بيوتهن من دون أن يكون لهن مكان آخر يتوجهن إليه في ظل أزمة كورونا أو خلال ساعات حظر التجوال أو حتى أن يصل إلى القتل.

وهو ما حدث بالفعل حين وصلت الطفلة اللبنانية ذات الخمس سنوات مهى إلى المستشفى الإسلامي بطرابلس شمال لبنان جثة هامدة مصابة بالعديد من الكسور والكدمات بعد أن اعتدى عليها أبوها بالضرب.

ومع الأسف فإن حالة الطفلة مها ليست استثناء فوفقًا لقوى الأمن الداخلي بلبنان فإن الخط الساخن المخصّص لشكاوى العنف الأسري، شهد ارتفاعًا بنسبة 100٪ في عدد البلاغات التي وصلته، مقارنة بعدد الحالات التي تلقّاها في مارس (أذار) 2019.

كذلك سجّل التجمّع النسائي الديمقراطي الذي يُعنى بدعم النساء المعرّضات للعنف والمناصرة من أجل تحقيق المساواة الجندريّة في لبنان، ارتفاعًا في عدد الاتصالات الواردة إلى الخطّ الساخن خلال شهر مارس بنسبة 50% مقارنةً مع الأشهر الماضية.

أما في تونس ومصر فلم يكن الوضع أفضل خاصة مع فرض حظر التجوال من الحكومة، حيث أطلقت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ التونسية أسماء السحيري، نداء فزع في وسائل إعلام محلية حول تزايد حجم العنف الممارس ضدَّ المرأة خلال الحجر الصحي.

وتؤكد السحيري أن عدد البلاغات المقدمة من قبل نساء قد تضاعف خمس مرات أكثر مقارنة بنفس الفترة الزمنية في عام 2019.

لن ينتهي الغلاء حتى تتحجب النساء

أما في مصر فالوضع لا يقتصر فقط على العنف المنزلي الذي شهد ارتفاعًا ملحوظًا، ولكن أيضًا ارتفعت وتيرة التحرش الجنسي بالنساء في الشارع بدعوى أنهن سبب الوباء الذي أتى حاملًا غضب من الله بسبب أفعالهن وملابسهن الفاحشة وهو ما يعززه التفكير النمطي حول المرأة ويدعمه الخطابات الدينية التي تصور المرأة كمركز للشهوات، ومسبب للبلاء، وهو ما تكرر من قبل منذ أعوام حين انتشرت بكثافة عبارة لن ينتهي الغلاء حتى تتحجب النساء.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأحد ضباط الشرطة يقوم بعملية توعية دينية للمواطنين، يحثّهم فيها على التكبير والدعاء، ويقول هاتفًا في مكبرات الصوت: ربنا ابتلاك بالوباء دا علشان ترجع لربنا، اللي بيسرق يبطل سرقة، البنت اللي بتمشي لابسة بنطلون تبطَّل.

كنوع من التأكيد على أن النساء هن سبب الخراب، ولا يمكن تصنيف هذا الخطاب سوى خطاب كراهية وتحريض على العنف ممزوج بالخطاب الديني.

ولكن تلك مع الأسف عادة المجتمعات الذكورية، تحميل الطرف الأضعف نتيجة المشكلات التي تواجه المجتمع بغض النظر عن المسبب الرئيس أو طرق النجاة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

مواجهة, نساء

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد