لطالما اعتقدتُ سابقًا أن كل نص شعري جانح للغموض، يحملُ بين سطوره وكلماته مفاتيح تكون الكفيلة غالبًا بحلّ مغاليق ذلك النص. وهكذا، فلا يكون علينا سوى البحث بما نملك من؛ أدوات نقدية ومعارف مختلفة حول ما يسمى (علم البديع)، إضافة إلى خاصية (الذكاء الشعري) وما يتعلّق بقدرتنا على التأمل، ناهيك عن مدى قربنا من صاحب النص لتوقع ما يرمي إليه من خلال كتاباته.

كل هذا نستعين به للعثور على ضالتنا الـ(مفتاح).

لكن ماذا إذا كان النص في حد ذاته مفتاحًا مقترحًا علينا لحل مغاليق أخرى تخصنا نحن (القرّاء).

القاعدة الذهبية، المُفتتحُ بها مقالنا هذا، يستخدمها عادة؛ النّقّاد المشتغلون بالشعر، وكذلك هواة الألعاب الالكترونية القائمة على الألغاز، والتي لا تتطلب حلولًا منطقية، بل قدرًا من المعرفة المسبقة اللازمة للتفاعل مع اللعبة (النص)، في إطار المضمون وعلى نحو يتناسب مع المنهج. إنها مسألة مهارات تقوم على ثالوث: التحدي، الخيال، الفضول.

الشاعرة «رضوى ديبس» لا تنفع مع نصوصها كل القواعد الذهبية، إنها تمشي بمحاذاة السعداء والمتحمسين لإيجاد خلاصة لتجربتها، يؤشرون عليها بالأصفر، وبينما هي تمشي يكون الشعر فكرتها الخارقة عن الهشاشة وبغضّ النظر عن كونه يتسربل، في غموض آخّاذ، يبقى غضًّا ويافعًا.

«رضوى ديبس» المطالبة بتقديم نبذة عنها، تقول بروح من السخرية الموجعة لنا: تريد أن أقدم نفسي!.. سأفعل… في الماضي كنتُ أعاني التّوحد… فالتنمر، ثم بدأت في لبس الكعب العالي، فيما بعد اكتشفت أن أحذية «الباليرينا» أخف وأجمل وهكذا وقعت على وجهي فتلقفتني اللغة، هذه حياتي باختصار.

قال عنها الصحافي والكاتب، صلاح الدين الأخضري في نصوصها صخب الأعماق وسكينة القمم. والواقع أن أكثر ما شدني لتجربتها، قدرتها الأصيلة على أن توازن بين ذاك الصخب وتلك السكينة، وأن ترواح بين كل الحدود الممكنة (من الطرف إلى الطرف ومن القاع إلى السطح) لتشيد حالة شعرية، ليس مطلوبا منا الكشف عن كوامنها بل تأمل أثرها فينا [القراءة].

مختارات لـ«رضوى ديبس»

قرمشة

اسمي لم يكنْ فكرةً سديدة

ومع ذلك واثق من أنَ حامل الفانوس لم يكنْ

إلا أنا..

ثمة أحمق بالداخل أقنعني

خلال السنوات التي تراكم دخانها في صدري،

أنني رجل عادي

يصاحب ساعة حائطهِ

بكثير من الوفاء،

يبعث رسائل مجانية كل يوم تقريبا،

دونما يقين بالرد..

لا تنخدعي بربطة عنقي

إنها حبل انتحار أنيق

لونها يناسب لون التابوت

الذي عملت جاهدا لأجمع ثمنه.

لا تنخدعي بي..

أنا أشطف وجهي كل صباح

أمام مرآة الحمام

ولا أراني..

ينطلي الصابون علي

كخدعة نظيفة،

ثم ينزلق وجهي مع الماء

وهوب. .. هوب.. يختفي.

حقا أنا لا أراني،

وهذا يؤرقني كثيرا..

هلا اتصلت بي على الرقم المدون أدناه؟

قرمشي اسمي وأنت تبتسمين بعد سماع الإشارة..

شذرات أخرى

لا شيء يحزنني أكثر من الصبية الذين يرشقون نافذتي بالحجارة.

لا أصلحُ أن أكون أمّا

أنا أشتري الحلوى لطفل قلبي

ثم آكلها..!

أغطّي قبر أبي

بكنزته الصوفية؛

يما يرتعد قلبي من البرد…

أدرب لساني على التهكم والسخرية،

قبل أن تقطعه الحياة

وترميه للقطط الضالة وكلاب الطريق..

أدرب لساني

على التهكم والسخرية،

في اليوم الواحد، عددا لا ينتهي من المرات

الموجعة والمتتالية..

ثم أعيره لحبيب ضال، أخرس فيحشر خصري في

قصيدة بمقاس ستة وثلاثين كاملة…

الحزن الذي ألجأني إليك

عاقبته بفرج فاجر،

يسمع الأصدقاء قهقهته الشرسة

فيتعوذون من خبثهم
تباعا..

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد