خرجت اليمن في 2014 بتشريعات قانونية تلغي المركزية، لكنها في 2019 تسعى لتفصيل اللامركزية بشكل يخدم الإدارة الذاتية. كان لدينا شيء اسمه عدم اللامركزية، ودخلنا في مسودة مشروع الاتحادية والأقاليم الستة، وبات ملزمًا عمل استنباط استراتيجيّ معقول بإدارة العقل الوطني، ويتحدث بالوطنية؛ نظرًا لأن العقل الحزبي الجهوي، والنفعي، والمرتزق، والقبلي السياسي سيظل جامدًا؛ لأنه مفصل على مركزية لا تأتي باللامركزية، بل إن مصالحه منذ 1994 تم بناؤها في هذا الإطار.
المنطق يقول إنه لا يعتد بلص ليتم التشاور والحوار معه حول آليات مقاضاة، وحوكمة اللصوص، وكذلك في السياسة، والحوار الوطني، يجب ويتوجب مراجعة الصفحة الجنائية للعضو، ماذا قدم طوال مشواره السياسي؟ ناهيك عن بعض هوامير الفساد، ومَن تلطخت أيديهم بدماء اليمنيين.
خلاصة وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، هي ما اتفق عليه بعض ساسة اليمن، وبالإمكان عمل وثيقة حوار وطني بجهود بعض الشرفاء، والأمناء في اليمن، لنجرب ونتصور ما الفرق؟ الفرق أن الشرفاء سيلتزمون بما اتفقوا عليه، وسيسنون تشريعات لمحاكمة اللصوص في بادئ الأمر، لكن اللصوص، والقتلة، والمرتزقة سيعدون مسودة حبر على ورق، وأذكاهم من سيسيطر على رغبته في الانقلاب، والفجور، منتظرًا الأقل منه ذكاءً ليوفر علية المهمة، وهذا ما حدث في اليمن سنة 2014 بالضبط.
وعليه؛ لا بد وننتهز هذا التوقيت العصيب الذي تمر به اليمن لنفرض إرادتنا بذكاء ودهاء، ولو نجح ذلك فقط في تهامة، وتعز، ومأرب، والجنوب العربي.
محافظة تعز لو نجحت في الحكم الذاتي، والإدارة الذاتية؛ فستعمم فكرتها بدون مخرجات حوار، لكن استنادًا لتشريعات مخرجات الحوار، ووثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل.
نحن اليمنيين نحتاج إلى فرض أمر واقع، بلدنا تحتاج إلى أن تجعل مشروعك واقع. هنا المحك، هنا التركيز، وهنا لب الموضوع، هنا فقط سنصل لهدفنا.
لماذا؟
الحديث عن الاتحادية مجرد قناع للوصول للسلطة، فكل من في الحوار الوطني كانوا ينفذون أجندة مسبقة، بينما من كانوا خارج حسابات الحوار فهم قناعات شعبية، وهم الغالبية، وهم من يبحثون اليوم عن الإدارة الذاتية. استراتيجية مناطق حكم ذاتي، أو إدارة ذاتية تفرض قرارها في هذا التوقيت الذهبي، والصراع على أشده بين قوات «هادي» السعودية الإماراتية، وميليشيات «الحوثي» الإرهابية المدعومة من إيران.
نعم؛ بالفعل فشلت الأحزاب 19 سنة، فلو كان 565 عضوًا في الحوار الوطني من غير تلك الوجوه! برأيكم كيف كانت نتائج الحوار؟ تعالوا لنتصور بناء الدولة كيف سيكون؟ هل يوجد الوعي الوطني عند التفكير بالمال لبناء الدولة؟
مثال استراتيجي في تعز اليمنية: عندما يجمع 10 أشخاص في محافظة تعز، على مشروع يجلب الأموال من أول اتفاق، وهذه الأموال جزء منها يخصص لدعم الجيش مباشرة في استكمال عملية التحرير، وتأمينها لاحقًا. التفكير بلغة جلب الأموال ما نحتاجه اليوم، فكل مشاكل اليمن هي بسبب غياب المال التنموي، واستفحال المال السياسي؛ يوجد مال، فكل شيء سيتغير، غير هذا، فكلها أطروحات كلام مال سياسي.
الخلاصة يا معشر اليمنيين لا تجعلوهم يشتتونا عن هدف الإدارة الذاتية، والحكم الذاتي، بالأمس تحدثنا عن دولة اتحادية، لكن أعداء الشعب اليمني في الداخل، والخارج حولونا إلى اللادولة، رجعنا خطوات إلى الوراء، الموضوع لم يعد أقاليم، بل كيف نعيد الدولة في كل مكان، الدستور الجديد معطل كليًّا؛ بسبب عدم الاستفتاء عليه، خطوة تراجعنا عنها، والدستور القديم معطل جزئيًا؛ بسبب فوضى الحرب، وبذلك رجعنا للوراء خطوات.
ما الحل؟
أي منطقة محررة تمتلك صوتًا موحدًا، وتمتلك خيارًا شرعيًا في أن يتم تعيين فريق حكم ذاتي بما هو متوافر ومتاح وله خبرة، ويجمع عليه الجميع، ليمثل مصالحها، ويتصرف قانونيًا، ودستوريًا باسم الجميع، وهذا حل، وخيار مؤقت.
أو هناك خيار آخر؛ وهذا الأنجح، وهو انتخابات المجلس الشعبي الولائي، بأن نرجع إلى دوائر البرلمان في المناطق المحررة، مثل تعز، لننتخب برلمان خاص بتعز في ذاتها الدوائر البرلمانية في محافظة تعز؛ ومن ثَمّ يُجمع الفائزون بالانتخابات على رئيس نواب، وبرلمانيو تعز؛ لتشكل حكومة مصغرة خاصة بتعز، وتدير شؤونها.
للتذكير ما عدا ذلك سنظل ننتظر للتحرير، واستعادة الدولة، وهذا التحرير لن يأتي بيمن اتحادي في نهاية الأمر، ولا بالأقاليم؛ لأن السلطة في يد قبائل الشمال، ممثلة بـ«علي محسن الأحمر» نائب الرئيس، و«عبد الملك الحوثي، ومحمد علي الحوثي، وأبو علي الحاكم، ومهدي المشاط» زعماء ميليشيات «الحوثي»، ويتقاسمونها مع قيادات من أبناء الجنوب العربي في السلطة الشرعية، وشرعية الأمر الواقع، والذين يمثلون أنفسهم ومصالحهم، ولا يمثلون الجنوب.
بات ملحًا اليوم الولوج في الخطط الاستراتيجية في المناطق المحررة، والابتعاد عن الخطط السياسية المزمنة، وتصطف لدينا مواقع استراتيجية منها عدن، وكذلك ما يحدد بمأرب، وشبوة، والحديث عن الغاز الطبيعي المسال، وكذلك هنالك ما يخص ميدي، والصليف، ورأس عيسى في الحديدة (تصدير وتكرير النفط).
لكنني سأركز على الجسر الرابط بين اليمن وجيبوتي، وسنتجاوز ذلك نحو المواقع الساحلية المتاخمة في لحج وتعز، الفكرة هنا تعتمد على الربط الاستثماري الاستراتيجي ما بين أبناء اليمن، والأشقاء في دول الخليج العربي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست