إذا نظرنا بتمعن لحال الواقع في بلد مثل اليمن لربما وجدنا أن هناك مأساة حقيقية تتجذر يومًا بعد آخر في الوسط المجتمعي المتهالك الذي هو اليوم عرضة لعوامل عدة، منها الجهل والتخلف والرجوع لزمن القرون التي كانت تحكمها وتسيطر عليها العشوائية والارتهان والاتكالية، كما أنه عرضة للدمار والحرب والمجاعة والإفلاس الاقتصادي والثقافي.

ربما كنا نملك أمل العودة لما كنا عليه قبل أن تحدث الحرب وتشتد أوزارها وتسقط عبواتها المفخخة على كاهل وطن أرهقته الحروب والأزمات المتلاحقة.

كان لنا أمل في إعادة رسم خارطة طريق تلبي تطلعاتنا من حيث إعداد خطة سلام حقيقية تجمع كل أطراف الصراع في الواطن، وهذا قد ظهر فيما تم في الحوار الوطني الشامل الذي أجمع الجميع على تأييده وإنجاح جلساته مع محاولة عدم تسيسه لصالح أحزاب أو ما شابه، ربما كان يمثل خارطة مثالية تؤهل لصناعه سلام وتنمية مستدامة تعود بالنفع على الوطن والمواطن لولا تخلف ومكابرة من هم أعداء للسلام والأمن والاستقرار.

حال قد يكون سيئًا للغاية تتفاقم سلبياته وتنعدم كل الإيجابيات التي كنا نعول عليها في رفع وتغيير واقعنا المرفوض، فهو واقع متهالك لا يشجع على أن يكون أملًا مستقبليًا للعيش ولو للحظة واحدة، ثمة تعقيدات تبدو واضحة في المشهد الحياتي والعملي معًا، ليس هناك من بوادر أمل تلح بالأفق، كل ما في الأمر أننا نأمل بعودة الحال إلى ما كنا عليه من قبل، أبسط ما بدأ البعض يفكر فيه في ظل استمرار الحرب ولعناته المنبوذة، الآن هناك أصوات عالية تطالب من دون تفكير مسبق بعودة تلك الأنظمة التي كانت يومًا مستبدة ومتجبرة على الواقع والوطن والمواطن، كثير من يفكر بهذه الطريقة ويدلي برأية أمام الجميع بأنه سوف يقبل بالحياة والعيش في ظل هيمنة النظام والمشيخ في حال أن صلحت البلاد ورجعت إلى ما كانت عليه خلال فترات سابقة، ليس حبًا فيهم وإنما محاولة للعيش في ظل دولة قائمة تحتكم لدستور متوافق عليه من الكل دون استثناء أحد.

نستطيع أن نقول للعالم ولكل من يتابع تطورات المشهد السياسي لوطن مثل اليمن أن البلد في وضعه الحالي يحتاج إصلاحًا شاملًا لكل مؤسساته المدنية والعسكرية، وتعميرًا لما لحق بالبنية من دمار شامل نتيجة الحرب الداخلية والخارجية، كل هذا أمره بسيط لكن بعد توافق من خلاله تتم تسوية منصفة وشاملة تجمع جميع المتخاصمين على طاولة حوار مشتركه سواء من هم في الداخل أو الخارج، شرط أن يكون المتحاورين يحملون على عاتقهم مشروع سلام حقيقي يراد به إخراج اليمن واليمنيين من أزمتهم هذه.

نعم قد لا يحدث هذا بطريقة سهلة وقد يكون هناك تعنت ومكابرة من أطراف الصراع في رفض إحلال السلام وهو الرأي السائد دون مفاجئة ولغة الخطاب عند الطرفين كونهم لا يريدون للحرب أن تنتهي فهم مستفيدين من إطالة زمن الحرب إلى سنوات إضافية حتى تكون ينبوعًا متواصلًا يغدق عليهم بخيرات المال، أو قد يكون تعنتًا منهم لغرض تمكين الخصم في التجذر في حربه على اليمن والذي قد يفضي إلى احتلال حقيقي مسيطر على كل مقومات الدولة، وهـذا قد يكون إما احتلال خارجي أو احتلال داخلي لا فرق بين الأهداف والرؤى المتبعة عند الكل.

نعود ونكرر للمرة الألف: الوطن اليوم يعاني ويلات الحرب الظالمة التي لم تنته بعد وإنما هي في استمرار دؤوب، أيضًا المواطن يعاني ويلات الفقر والعوز والعدم ولم يجد سبلًا تجعله يلقي لقمة حلالًا يسد بها رمق جوعه، فالأزمة الحالية جعلته حائرًا في أمره متقوقعًا في وضع لا يحسد عليه، كل الحلول لديه قد ذهبت بعيدًا بعد ما زادت مأساة الحرب في وطنه.

الجميع اليوم مطالب بحل أزمة اليمن بدءًا من مكونات الداخل بشقيها والمكونات السياسة الخارجة عن إطارها السياسي، وصولًا إلى المجتمع الدولي ومنظمات السلام، وهيئات حقوق الإنسان مطالبة بحل الأزمة اليمنية وإخراج أبنائه من براثن مآسيها، أما التغافل وتهميش الأمر وتغيبه عن محافل منظمات الحقوق في العالم سيجعل المعاناة تتراكم وتكون عبئًا ثقيلًا على كاهل المواطن يصعب تحمله لفترات قادمة.

هناك انعدام لسبل العمل والإنتاج داخل البلد نتيجة ما فرض على واقع الحياة من حرب عبثية بامتياز، تلك الحرب التي استطاعت أن تعمل على تعطيل الحياة بكل ما فيها من مقومات، فالاقتصاد منهار وهناك إفلاس في خزينة الدولة، ولا وجود لما يسمى ميزانية عامة أو مبالغ لتغطية العجز ومكافحة الأمور الطارئة.

ركود الاقتصاد وهروب المستثمرين من البلاد مكن شريحة واسعة من تجار السوق السوداء من السيطره الكاملة، مما جعلهم يعملون على تنمية بيئة تجارية محتكرة تجعلهم هم وحدهم من يتحكمون بالوضع الاقتصادي السيء داخل الوطن غير مبالين بحجم المشكلة التي يعود تأثيرها على المواطن، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ازدياد المعاناة وطفحها.

عاجلًا أو آجلًا، يجب أن تنتهي حرب اليمن لكونها حرب لا ضرورة في استمرارها، والتعجيل في إنهائها من قبل مشعليها سبيل لنجاة مصالح عالم بكامله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد