أشرف العام الخامس للعدوان على وطني من مقاربة الانتهاء، فها هو الأن يحتضر وما زالت المأساة الإنسانية في تجدد واستمرار وتهشيم لبنية المجتمع وحجم الخراب الهائل في مدن الحرب، وتفشي الأوبئة والأمراض، وتدهور الاقتصاد والخدمات الأساسية، هي العناوين البارزة التي تلي خطر المؤمرات وتزايد الأطماع الإقليمية والدولية والتدخلات الخارجية التي أدت إلى تعقيد الحرب، وغياب أي بوادر على مستوى المدى القريب تبشر بإنهاء العدوان.

فهناك إجماع كبير حول العالم بأن التدخل الأمريكي في الحرب العدوانية على بلادنا تسبب في تنامي حدة العدوان وعرقلة الجهود المبذولة لوقف الحرب.

فتدخل قوى العدوان السعودي الأمريكي في الحرب على بلادنا وتحالفه، يحاول شرخ وحدة المجتمع اليمني وسوقهِ إلى أتون الانقسام الطائفي والمناطقي الذي بات يهدد بحرب طويلة الأمد مع غياب أي آفاق لتسوية سياسية تحفظ كرامة اليمن ووحدة أراضيه أو اهتمام دولي «ضاغط» لإرغام دول العدوان بوقف إطلاق النار بقرارات يتبناها مجلس الأمن الدولي.

كما صور لدويلتي السعودية والإمارات أن التدخل في اليمن هو مسألة جوهرية لمواجهة التدخل الإيراني في اليمن والمنطقة كما يدعي من قبل المخابرات الأمريكية، غير أنه ليس من المتوقع في المدى المنظور ولا بعد قرون من الزمن أن السعودية والإمارات والقوات الحليفة لها قادرة على حسم المعركة عسكريًا وهزيمة إرادة الشعب اليمني وجيشه.

حتى بدعمها لمرتزقة القوات التابعة بما يسمى بشرعية هادي، المقيمة في فنادق الرياض وشقق القاهرة، وقوى قبلية ومجموعات مسلحة تتلقى دعمًا خاصًا من دولة الإمارات التي تلعب دورًا قياديًا رديفًا للدور السعودي من إخضاع اليمن.

فقد فُرضت على بلادنا الحرب التي فرضها علينا العدو منذ 26 مارس (آذار) 2015 عندما قامت دول تحالف العدوان بعدوانها وضرب كل المناطق العسكرية والأمنية والمنشأت الحكومية والخاصة للبلاد، بل تدمير واستهداف الطرقات والجسور والمدارس وصالات الأعراس ومركبات النقل التي تقل المدنيين بذريعة إعادة بما يسمى بشرعية هادي وجماعته؛ هو ما أدى إلى تفاقم الأزمات الكارثية وإنتشار الأمراض القاتلة التي تفتك بحياة المواطن اليمني.

وخلال هذه السنين القاحلة وصف المجتمع الدولي والأمم المتحدة بأن ما صرنا إليه هو أكبر كارثة إنسانية في تاريخ البشرية.

كما يشكل استمرار العدوان التحدي الأكبر أمام وصول المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل منظمات الإغاثة الدولية إلى اليمنيين المهددين بالفقر والجوع والمرض، بالإضافة إلى أكثر من 2 مليون نازح في الداخل اليمني يعيشون أوضاعًا إنسانية قاسية ومتدنية.

ومع استمرار الحرب تزداد أوضاع البنية التحتية في اليمن سوءًا، ودول العدوان لا تكترث لجرائمها المخالفه للقوانين الدولية الإنسانية، بل تجحف بعدوانها الذي أدى إلى التدمير الممنهج لمرافق ومنشآت البنية التحتية، بما في ذلك التعليم والصحة والخدمات الأساسية.

ومع ذلك ما زالت قائدة التحالف السعودي الامريكي وشريكتها الإمارات.. المؤيدة بضمانات أمريكية صهيونية وبريطانية مُصرة على موقفها العدائي للسلام في بلادنا، رغم كل الجهود المبذولة من قبل حكومة صنعاء وما تقدمهُ من مبادرات وخيارات لإنهاء الحرب وآخرها مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى المشاط التي لم تتعاط معها بإيجابية من أجل السلام وأمن أراضيها قبل أن تصل إليها طويلات المدى لمنشآتها النفطية والعسكرية التي حددت ضمن بنك الأهداف، وهذا الحق المشروع لنا في الرد والردع والدفاع عن أنفسنا، ولكن هذه المرة ستكون الضربات مؤلمة ومؤلمةً جدًا، حتى تعلم أنه حان الوقت لترفع يدها عنا وتكف أذاها قبل أن تُقطع يدها، وأن تعرف أننا شعب لا يساوم على سيادته وكرامته، وأن تتراجع عن اوهامها التي تصور لها القدرة على الاستمرار في الحرب، وأن تتراجع عن مشاريعها وتجنح لأجل إحلال السلام.

ولكن إذا استمرت في مسارها، واتبعت الإيحاءات الأمريكية بحمايتها سيظل الطريق إلى التسوية السياسية طويلًا وشائكًا لسنوات أو حتى لعقود، ولكن عليها أن تعلم أن اليمن وشعبه قادر على حسم المعركة في المستقبل القريب وكل المؤشرات تقول ذلك.

لأن المجتمع الدولي بات يضج من تصرفات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الرعناء حتى داخل الولايات المتحدة فقد برزت أصوات رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية ترفض هذه الجرائم التي ظلت مغلقة طول سنوات الحرب لاعتبارات تتعلق بالتحالف القوي بين ممكلة آل سعود والولايات المتحدة، لكن هذا التحالف الذي اهتزت بعض مقومات قوته بعد جرائمها بحق الصحافيين والحقوقيين أبرزهم جمال خاشقجي. الذي أدى إلى التفات المشرعيين الأمريكيين إلى الجانب الإنساني في الحرب اليمنية، وما يتعلق بتصدير الأسلحة الأمريكية لدول عرب الصحراء.

وفي هذا الخصوص، أقر مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون يوقف دعم أمريكا للحرب الذي تقوده السعودية في اليمن، التي أصبح من الصعب التكهن إلى أين قد تؤول الأمور وما تبعات الانجرار، وراء نزوات محمد بن سلمان وابن زايد في حين يعتقد المشرعون الأمريكيون أنهم قد يصلوا إلى خطوات قد تؤدي إلى السلام وحفظ ماء وجه أمراء الخليج توقف الدعم الأمريكي لها.. إلا أن المؤشرات تستبعد ذلك.. فإذا كانت اتفاقية السويد لم تلتزم بها قوى العدو وهي الاتفاقية الأهم، التي توليها دول العالم الاهتمام الكبير، والتي تؤثر على العمل الإنساني لم تتعامل معها بإيجابية، ولا مع «مبادرة المشاط» التي ما تزال مطروحة على الطاولة التي لم تجد تعامل جاد.. وفي نفس الوقت تقرر إدارة ترامب بإرسال 3 آلاف جندي أمريكي للحد الجنوبي للممكلة السعودية بحجة حمايتها، فإن هذا مؤشر يفصح على النية المبيته في استمرار الحرب، وأن السلام ما زال بعيد المنال على المدى المنظور.

ومن هذه المرتكزات لا يمكن التعويل كثيرًا على إحلال السلام في اليمن عن طريق المفاوضات أو المجتمع الدولي والأمم المتحدة طالما أن الإدارة الأمريكية ما زالت مُتمسكه بوقف بالتدخل الوهمي من أجل استنزاف البقرة الحلوب ودعمها سياسيًا ولوجستيًا مع معرفتها بأن من تراهن عليه خاسر.

السعودية 

فإن الشعب وحده من يدفع أثمان باهظة الكلفة مع مرور الوقت وإن أي اتفاق لوقف الحرب لا يضع في أولوياته منع رفع الوصاية السعودية على وطننا بتسوية سياسية تضمن حقوق الشعب اليمني سياديًا وسياسيًا فلن يكون الأمان ضيفًا مقيمًا فيها.

ولهذا يبدو أننا نمشي على طريق لا تحقق الأمن والاستقرار حتى في حال التوصل إلى تسوية سياسية إذا لم تتضمن مشروعية الشعب اليمني في احترام إرادته وحقه في العيش الكريم.. فمن المؤكد أن دفاع الشعب اليمني سيستمر مع زيادة معاناته الإنسانية الذي سببها العدوان في ظل عالم يتجاهل هذه الكارثة الإنسانية، ويقف عاجزًا غير قادر عن كبح جماح السياسية الأمريكية العدائية تجاه الشعوب الحرة في الحرب، ولم يحرك ساكنًا لمنع وصول السلاح لدول العدوان.

فإن نزيف الدم اليمني سيظل يراق في طريق الكرامه ويتدفق ويقاوم في انتزاع حقه في الاستقلال أمام مجتمع دولي فاقد الرؤية وأمم متحدة غير واضحة في التعاطي مع مظلومية شعبنا من أجل التوصل إلى حل يرضي اليمنيين بوقف الحرب وإنهاء الصراع وارساء السلام وبداية لعهدٍ جديد يجمع شمل اليمنيين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد