مذيع يجلس وحيدًا أمام الكاميرا، ليس له ظهير سياسي يحمل أفكاره، ولا جماعة تدعمه، ولا حزب سياسي يحمل أفكاره، كل ما في الأمر مجموعة لا تتعدى أصابع اليد من الإعداد والفنيين؛ فيكسر الجمود، ويحرك الماء الساكن، ويضع أهل السياسة في غاية الحرج، فكيف بدأ؟ وإلى أين سيذهب؟
البداية من تشيلي
حينما انقلب الجنرال العسكري بينوشيه على الحاكم المدني المنتخب سلفادور الليندي، وذلك في 11 سبتمبر (أيلول) 1973 لتدخل تشيلي في دوامة الحكم العسكري مدة 16 عامًا.
إذ أسقط الحكم العسكري فعليًّا فى 14 ديسمبر (كانون الأول) 1989 عبر انتخابات ديمقراطية حرة، أجبر بينوشيه على إجرائها مرغمًا، ليفوز مرشخ المعارضة وزعيم الحزب الديمقراطي المسيحي باتريشيو أيلوين بنسبة 53.8% وينهي بذلك حكم بينوشيه الذي استمر 16 عامًا عاشها شعب تشيلي في قمع، وقهر، وقتل، وتشريد لكل من يعترض على الحكم العسكري، وبلغ عدد من تعرض لذلك أكثر من 30 ألفًا.
قصة السقوط
وقد كانت قصة سقوط الطاغية بينوشيه مليئة بالمشاهد التي تحمل صورًا مبدعة، وغير تقليدية من صور الاعتراض السلمي.
فبعد القتل، والسجن، والتشريد الذي مارسه بينوشيه على كل من يعارضه أصبح الخوف من إظهار الاعتراض مسيطرًا على الناس خوفًا من التعرض للأذى، واستمر الأمر على ذلك سنوات عديدة، إلى أن ابتكرت أدوات وأفكار خارج الصندوق لإظهار الاعتراض بطرق سلمية مبتكرة، دون التعرض للأذى أو الاحتكاك المباشر مع السلطة.
أفكار خارج الصندوق
من هنا كانت الأفكار غير التقليدية وغير المسبوقة مثل استخدام الصافرات، والطرق على أدوات المطابخ من الشرفات، واستخدام أدوات تنبيه السيارات في وقت وساعة محددة، ولمدة معينة، وانتشرت هذه الأفكار وتفاعل معها الناس؛ فكان أكبر مكاسبها هو كسر حالة الخوف وبدأت روح التصدي والاعتراض تنمو شيئًا فشيئًا؛ فأجبر ذلك الساسة على تبني مشروع سياسي حاضن لهذه الروح، اشترك فيه كل من يعترض على الحكم العسكري.
لينتهي الأمر بسقوط بينوشيه بعد أن حاول تعديل الدستور؛ فرفض الشعب، وأجريت انتخابات جرت من خلالها الإطاحة ببينوشيه.
لماذا ذكرت كل ما سبق؟
لقد ذكرت كل ما سبق لكي أبين لكل من يسخر من أفكار حملة #اطمن_أنت_مش_لوحدك أن ما فعله معتز مطر هو أنه قرأ التاريخ، ودرس ثورة تشيلي، وظهرت له أوجه التشابه مع الحالة المصرية؛ فاستنسخ الأفكار نفسها لتلقى تجاوبًا جيدًا من حيث المبدأ.
لقد أدرك معتز مطر أن التاريخ هو معمل العلوم الإنسانية؛ فدخل إلى معمل التاريخ ليخرج بالتجارب الناجحة، وهذه مهمة أهل الفكر والثقافة، فبدلاً من الاستغراق في التنظير و الفلسفة بلا عمل، خرج من قراءة التاريخ بما يجعله قادرًا على الفعل في وقت كان الجمود فيه هو سيد الموقف.
هكذا بدأت هذه الحملة، ولكن يبقى السؤال الأهم والذي يطرح نفسه بقوة؛ وماذا بعد؟
والإجابة عن هذا السؤال ليست مهمة الإعلام وحده، ولكنها ستكون مسؤلية الجميع، تيارات وأهل سياسة وغيره.
حتمية مشروع سياسي جامع
لا بد من وجود مشروع سياسي جامع، لا مساحة فيه للتنازع والشقاق، ولكن لا بد من العمل في المساحات المشتركة، والعمل والاتفاق على الاستراتيجيات الجامعة، مع تجاوز نقاط الخلاف الفرعية.
إن الإعلام وحده قد يصنع حالة لدى الناس، ولكن يبقى المشروع السياسي الحاضن والمترجم لهذه الحالة إلى إجراءات تؤدي إلى نتائج تنهي الأزمات.
هذه هي خلاصة الأمر.
إن ما فعلته هذه الحملة أنها تحمل رسالة واضحة المعالم من الشعوب للساسة، فكروا خارج الصندوق، وستجدوننا معكم، فهل وعينا وفهمنا الرسالة؟ أم أننا سنصم آذاننا وسنظل في عالم المظلومية متوهمين أن الشعوب تنتظر إشارتنا، والتاريخ موجود لمن أراد أن يعتبر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست