وجهت لي العديد من الأسئلة في الفترة الماضية كوني مشجعًا «زملكاويًا» عن رأيي في ما يفعله رئيس نادي الزمالك بخصوص أحقية القلعة البيضاء في استراد لقب «نادي القرن» من غريمه التقليدي نادي الأهلي.
وفي الحقيقة دائمًا ما أستشعر في نبرة كل سائل وغالبًا «بيكون شخص أهلاوي» استنكارًا وتعجبًا من إصراري على تشجيع نادي الزمالك القلعة البيضاء مدرسة اللعب، والفن، والهندسة، بالرغم من كل المهاترات، وبعض التصريحات التي لا تليق ومكانة نادي الزمالك وتاريخه.
ناهيك عن التعليقات التي تأتيني بعد كل مباراة للزمالك، سواء كان فائزًا فيها أو خاسرًا.
ولكوني مشجعة حيث تاء التأنيث عندما تدلي بدلوها في الشأن الرياضي والدخول في مناقشات كروية، أرى استفهامًا في خلفية كل نقاش «أنت ليه بتشجعي الزمالك يعني» وهذا الاستفهام في كثير من الأحاديث لم يكن ظاهريًا، ولكني أستشعره من خلال نبرة الصوت وصيغة الأسئلة التي توجه لي.
وفي بعض الأحيان يكون حرفيًا وبنفس هذه الصياغة.. «لماذا اخترتي الزمالك»، «يعني عاجبك اللي بيعمله رئيس النادي»، «شجعي الأهلي بيكسب علطول وريحي نفسك»، «الزمالك ميستهلش حرقة دمك».
إذ ربما كوني تاء تأنيث، فهم يعتقدون أو «الكثيرون» كي لا أعمم – فهناك من يتفهم ويناقشني بكل جدية – أني لا أفهم كرة قدم، أو أني جبرت مثلًا على تشجيع الزمالك، حيث بإمكاني في أية لحظة تغيير هويتي الكروية، وهذا من وجهة نظرهم شيء عادي وسهل التغيير.
ولهذا أقول لكم: أقسم بالله العظيم أني أحب الزمالك أحب الكيان أحب الفوز مع القلعة البيضاء أحب التتويج بالبطولات مع نادي اللعب والفن والهندسة.
«فنحن الزملكاوية نشجع الفريق على المرة قبل الحلوة، بنشحعه عشان يكسب مش عشان بيكسب»، فنحن الجمهور الوفي ذات الشعار «سنظل أوفياء» الذي نفتخر به دومًا.
جمهور الزمالك حقًا «جمهور غير»، جمهور مختلف لأنه عاشق، جمهور وصل بمشاعره لأعلى درجات الحب، والحب دائما يعطي الشخص قوة – قوة التحمل – لذلك أدعو الجميع أن ينظروا لمشجعي الزمالك بنظرة عاشق لا مشجع لفريق رياضي عادي.
وهذا هو الفرق بيننا وبين أي مشجع آخر، فنحن لا نعتب عليكم، لا نلومكم، وسنظل أوفياء، وهذا الشعار لا يتعارض إطلاقًا مع الانتقاد مع السخرية أحيانًا مع الغضب من أداء بعض اللاعين، بل كلما زاد الحب والوفاء، زادت وتيرة الانتقادات لتحقيق المستوى المنشود من الفريق والتتويج بالبطولات، ورفع علم الزمالك عاليًا مرفرفًا بالفوز.
وبالرغم من عدم حبي، وقراري بعدم الانتقياد خلف أي حزب تيار جماعات في أي من مجالات الحياة، فأنا المستقلة بذاتي، رأيي من قرارة نفسي، رأيي عن قناعات شخصية مبنية على أسس أزعم أنها سليمة بالنسبة لي، إلا انتمائي للكيان الأبيض، أعلنه دومًا، بعد إعلاني وبكل فخر أني مسلمة الديانة.
إذ ربما هذا التنمر الذي دائمًا ما يحدث لمشجعي الزمالك، وللكيان الأبيض بشكل عام، بسبب ممارسات بعض الشخصيات المنتمية له «اسمًا لا روحًا»، والتي للأسف في كثير من الأحيان تفاجئنا بتصرفات وتصريحات أبعد ما تكون عن أخلاق الرياضة، والتحلي بالروح الرياضية، فتسيء لتاريخ الزمالك ولجمهوره، بالرغم من أنه غير مبرر للتنمر علينا بهذه الطريقة التي سهلتها مواقع التواصل الاجتماعي… هو ما جعلني أتمسك بالإعلان عن هويتي الكروية وأفتخر بها، حيث القوة المستمدة من حبي لهذا الأبيض.
فأنا أحب نادي الزمالك، أحب مشاهدة مباريات الأبيض والاستمتاع بتكنيكات الفن والهندسة، أحب الأهداف التي تأتي في كثير من الأوقات بطلوع الروح، أحب فرحة الفوز بعد حرقة دم تلازمني طوال الـ90 دقيقة وأكثر.
لا أنكر هذ الشعور السلبي الذي ينتابني بسبب تقاعس بعض اللاعيبين في الماتش، وما يترتب عليه من ضياع بطولات والتتويج بألقاب بلا شك ستضيف لي سعادة جديدة، سعادة من نوع آخر أحب أن أشعر بها.
فحبي للزمالك مختلف، ولمتابعة مباريات كرة القدم الأجنبية بشكل عام.. لا يفهه الكثيرون، لذلك يكون غضبي وكرهي للفريق الذي أشجعة وهو «وقتي» في لحظات الانفعال، يكون على قدر محبتي له.
فمتابعتي لكرة القدم مختلفة، فهي من باب الحب في المقام الأول.. أحب هذا الفريق أولًا فأشجعه، أفهم العديد من قوانين كرة القدم وأتابع البطولات المحلية والدولية، لكني لست بمحترفة.
أكره التعصب والتلفظ بكل ما هو قبيح كي أعبر عن رأيي في الفريق المنافس، وللأسف أرى الكره والحقد وتبادل الشتائم والألفاظ الخارجة عبر منصات «السوشيال ميديا» وفي تعليقات المشجعين، سواء زمالك، أو أهلي، بصورة مبالغ فيها تكاد تكون حربًا إلكترونية تسبب إشعال فتنة وانقسام بين جمهور أكبر وأعرق ناديين في مصر.
وأعتقد أنه مصطنع وخلفه لجان إلكترونية كي يصل لهذه الدرجة من الفجاجة والكراهية، أو أن هناك تفسيرًا آخر، فما يحدث عبر منصات «السوشيال ميديا» من تطاول، وعنصرية، وكره، وحقد، بين الجماهير دفاعًا عن لاعبهم المفضل، أو ناديهم المحبوب، ما هو إلا كبت ونتيجة ممارسات قمعية حدثت لهم وأنظمة مستبدة، فالجميع يتطاول يعبر عن رأيه متخفيًا خلف كيبورد وآلة حديدية يعبر من خلالها وخلفها عن رأيه الممنوع البوح به في الكثير من القضايا، بغض النظر عن أذية الغير والتنمر عليهم ومضايقتهم.
فأنا أكره هذا التعصب الذي يتنمر على شخصية هذا اللاعب وأبنائه وعائلته، وأكره هذا المزج والزج بلون البشرة بالديانة بنوع الأبناء، فاللاعب كونه قدوة للعديد من الشباب يجب أن يتحلى بالسمعة الطيبة والأخلاق الحسنة، ويحاول أن يكون مثالًا يحتذى به مستغلًا حب الجمهور له.
ولكنه في نفس الوقت إنسان عادي يخطئ ويصيب، وأعتقد أننا في زمن وصلنا فيه لكسر التابوهات، واتمنى أن يفعل كل إنسان ما يراه صحيح من وجهة نظره المبنية على أسس دينية مبنية بعد القراءة والاطلاع والوعي الكامل بما يحدث حوله، لا من تقليده، أو إعجابه بشخصية ما.
وأن يستمتع بلعبة كرة القدم كلعبة مسلية يختبر من خلالها مشاعره وانفعالاته وردو أفعاله، فيفرح عند تتويج فريقه بالبطولات ويحزن عند خسارتهم، ويستمتع باللعبة الحلوة من باب الترفيه عن النفس.
أحب الحب الراقي في التشجيع، أحب التعصب للفريق تعصب المشاهد المحب، التعصب بسبب لاعب أهدر ضربة جزاء كانت سببًا في خروجنا من بطولة ما، أو لاعب استهان بالخصم فلم يلعب بمستواه فكان سببًا في ضياع ثلاث نقاط المباراة، أحب التعصب في الفرحة في التشجيع في عمل طقوس لمشاهدة المباريات، في شراء كل شيء يذكرني بهويتي الكروية.
فخسارة الزمالك وهزيمته، خاصة في مباريات الدوري السهلة أمام الفرق المتواضعة، هو ما يصيبني بحزن شديد وهو بالمناسبة «وقتي» أيضًا.
فأنا على وعي وإدراك تمام بأني أضيع من وقتي الثمين في متابعة مباريات كرة القدم، لكني أفعل ما أحب، وهذا الحب لا يلهيني عن أداء الصلوات في مواعيدها، ولا عن طقوسي الدينية التي أمارسها.
إذ ربما كثرة الاستغفار وقت المباراة يعطيني من الحماس والقوة لاستكمال مباراة منعدمة الملامح، مثيرة للشفقة متعبة للأعصاب تحتاج لمهدئ نفسي بعدها وأثناءها وقبلها تحسبًا لأية مفاجآت.
«وعليكي من ده بإية» هذه الجملة الشهيرة التي دائمًا ما اسمعها، خاصة عند إصراري على استكمال مباراة لا بها روح، ولا حماس، ولا أي درس من دروس مدرسة اللعب، والفن، والهندسة.
وفي حقيقة الأمر.. أنا هذا الشخص الذي يستمتع بمعاناته مع إخفاقات الزمالك، لأن الحياة علمتني أن لا شيء سهل المنال، وكل شيء بثمن، وعلى الإنسان الاختيار، وفي النهاية هي قرارات وعليك تحمل تبعاتها بحلوها ومرها.
في النهاية، كوني زملكاوية فلست مسئولة عن تصريحات رئيس النادي، ولا عن تشكيلة مديره الفني، ولا عن إخفاقات الفريق، ولا عن تصرفات بعض اللاعيبة، فأنا ومنذ زمن.. أدركت فقررت.
قررت الاستمتاع بكل ما أحب، ويضيف لي سعادة حتى لو كانت وقتية، فلما لا، طالما لا يغضب ربي، لماذا لا أفعله، أدركت أني لست بصدد صراعات أندية، وحسابات، وتصريحات، جزء كبير منها شو إعلامي عرض وطلب إعلانات ومكاسب مادية بعيدة كل البعد عن الرياضة والروح الرياضية.
قررت عدم الانسياق وراء التصريحات، وكوني صحافية، فلم أكتب عن هذا الظلم الذي يتعرض له هذا اللاعب الذي لم يأخذ حقه في الملعب لأسباب لا يعلمها سوى المدرب والجهاز الفني، لأننا جميعا نشعر بالظلم.
ولم أكتب عن الارتفاع المبالغ في أسعار اللاعبين وانتقالاتهم وأجورهم، ولا عن سفرياتهم وطائراتهم الخاصة، ولا عن تلك التصريحات المستفزة المصطنعة التي تجلب مزيدًا من الشو الإعلامي، والتي تهدف للوصول إلى «التريند» وحديث «السوشيال ميديا»، وربما تصل لأن تصبح قضية رأي عام، وهذا هو المطلوب في كل مرة يطل علينا أصحاب التصريحات المستفزة هذه.
وقررت فقط الكتابة عن فرحة فوزي بتتويج فريقي المفضل بألقاب وبطولات، وعن تألق اللاعبين داخل المستطيل الأخضر، لما يضيف لي شعور بالفرحة في زمن أصبحت فيه الفرحة عملة نادرة.
فأنا دائمًا أشبة الزمالك بالوطن، حبي لهما لا يتأثر بحاكم ولا أنظمة ولا رؤساء.. أحب الكيان أحب الوطن، لا أحب رموز وشخصيات بعينهم.
أقدر الوطني المنتمي للكيان، استشعر في تصرفات هذا اللاعب في الفريق، أو هذا المسئول في البلد، مدى صدق حبه للمؤسسة التي ينتمي إليها، فأحترمه وأشجعه على تصرفاته النابعه من حبه هذا.
ولكني أضع في اعتباري أنه بشر يخطئ ويصيب، وهو ليس بالدولة، ولا بالنادي بالمناسبة، هو مسئول فقط، فعندما يخطئ أو يتقاعس في عمله أو نكتشف أنه فاسد، يجب أن يعاقب ويأخذ جزائه، وهذا هو العدل الذي غالبًا لا يطبق للأسف.
وأخيرًا.. انظروا إلى جمهور الزمالك بنظرة مختلفة، فهو لا يقارن بأي جمهور لأنه مشجع بدرجة عاشق.
فأنا الزملكاوية العاشقة.. «واسمع كلامي.. أنا جنب النادي ده وعمري ما همني أسامي.. ناس تمشي وناس تفضل بروحها كاسبه احترامي.. وأنا مش برئ لو كان حبي هو اتهامي.. أيوه اتهامي».
من أغنية « في التالتة يمين».
تأليف وتلحين وغناء أحمد طارق يحيى، نجل لاعب الزمالك ومنتخب مصر السابق.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الزمالك