قررنا في الأيام التالية الذهاب في مغامرة بحرية عبر المحيط الهندي. أكدنا حجزنا مع إحدى الشركات المعروفة هناك. كانت الرحلة تشمل مشاهدة الدلافين، والسنوركلينج أو الغطس، وغداء على إحدى الجزر ثم العودة.
عبر المياه الزرقاء بارعة الجمال سار القارب الكبير، وما أن بدأ من كانوا معنا على المركب في التحدث حتى التقطنا من بين كلامهم كلمة “شالوم”. كلهم فضول في معرفة هويتنا؛ فالكثير من صديقاتي محجبات. كانوا مجموعة مكونة من سبعة أشخاص يبدو أنهم من عائلة واحدة؛ اثنتين من النسوة، ورجلين، وفتاة، والابن الأصغر، والابن الأكبر، جميعهم يتحدثون الإنجليزية بطلاقة بجانب العبرية. اقتربت إحداهن، وكانت تبلغ من العمر حوالي الأربعين.
سألت أكبرنا بالإنجليزية: من أين أنتم؟
رددنا: من مصر.
المرأة: من القاهرة أم من أين؟
نحن: القاهرة.
المرأة: أهلًا بكم، نحن جيران إذن، أنا من إسرائيل.
علت شفاهنا ابتسامة صفراء، أرادت المرأة مواصلة الكلام ولكننا أردنا الصمت، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي نقابل فيها إسرائيليين في زانزيبار، فقد شاهدناهم أيضًا في غابة جوزاني، ولا أعلم سبب انتشارهم في زانزيبار. هناك مرشد أخبرنا أن ربما لأن شهر أبريل لا يتمتع بكثير من السياح فتصبح أسعار كل شيء منخفضة، ولذلك يأتون.
على أي حال، مغامرة المحيط الهندي كانت رائعة؛ رأينا الشعاب المرجانية، وكذلك الأسماك الصغيرة الملونة، ثم على الجزيرة تناولنا الغداء؛ شرائح سمك مشوي على الفحم ومنه سمك التونا، ومعه الأرز الأصفر البسمتي وبعض الخضراوات منها البطاطس والكوسة، وتزين الطبق الكابوريا، وقطعتين من مخبوز الأناناس وهو بسكوت خاص بهم لم نأكله في أي مكان في زانزيبار إلا أثناء تلك الرحلة.
ثم تناولنا الفاكهة التي لا يوجد مثلها في العالم، ومنها الباشون فروت، وفاكهة تقطّع فتصبح على شكل نجمة تسمى الستار فروت (فاكهة النجمة)، وهناك الجاك فروت، والمانجو، والبرتقال، والقصب، والأناناس، وجوز الهند، واليوسوفي (الذي لا يشبه ما نعرفه في مصر)، والموز، وفواكه عدة لا أذكر اسمها ولكني أذكر طعمها!
إن الله قد حبا ذلك البلد بألذ الفواكه على الإطلاق، وأكثرها تنوعًا في الطعم. كما أنها فواكه من الصعب أن تجدها في أي مكان آخر في العالم، كما شاهدنا على تلك الجزيرة أثناء الغداء عرضًا فلكلوريًا تنزانيًا، وغنينا مع الفرقة “أوووه تنزا- نيّا”، ثم بعد ذلك كانت لنا فرصة السباحة في أجمل المياه وأصفاها.
ذهبنا أيضًا في يوم تال إلى ستون تاون (المدينة الصخرية)، هي من الأماكن القليلة في زانزيبار التي رأيت فيها مبانيَ مكونة من أكثر من طابق، ذلك حيث يعيش الزنزيباريون في أكواخ صغيرة في الغابات. ستون تاون هي مدينة سياحية في المقام الأول، تجد فيها الكثير من محال بيع الهدايا، وخاصة حجر تنزانيا الأزرق المميز غالي الثمن “التنزانيت”، وكذلك تجد المقاهي والأماكن والمباني الأثرية.
زرنا هناك “متحف السلطان”، الذي يحتوي على مقتنيات السلاطين العمانيين الذين حكموا زانزيبار فترة كبيرة، كما أوضح لنا مرشدنا السياحي “إبراهيم”، حتى استقلت تنجانيقا (تنجانيكا كما ينطقها التنزانيون) بعد أن استعمرها البريطانيون والألمان لسنوات عدة، وضمت إليها زنجبار (أو زانزيبار كما يطلق عليها أهلها) ومن هنا أطلق اسم تنزانيا على أول جمهورية بقيادة أول رئيس، وهو “جوليوس نيريري” عام 1964، الذي شاهدنا صورته في المتحف، وكان معروفًا بتبني الفكر الاشتراكي.
في آخر يوم لنا، زرنا مزرعة التوابل، ويا له من عالم! هؤلاء الناس يملكون أشجارًا لجميع أنواع التوابل وتجد لديهم جميع أنواع الزروع، حتى النادر منها، كأعواد الفانيلا التي لا تثمر إلا مرة كل عام، وتحتاج وقتًا لتجفيفها حتى تصبح بنية اللون كما نراها، وكذلك الحبهان، وجوز الطيب، والبن ذي الجودة العالية، والزنجبيل، وأنواع كثيرة من الفواكة أكثرها جوز الهند والأناناس، وأغربها فاكهة “أحمر الشفاه”، وهي فاكهة ذات شعر أحمر تقوم بفتحها وهرس بذورها فتصبح مسحوقًا أحمر، تتزين به الفتيات كـأحمر شفاه وتصنع منه الحناء.
في ذلك اليوم شممنا الكثير من النباتات الجميلة التي يستخلص منها أشهر العطور العالمية، كعطر شانيل.
ذهبنا إلى السوق أيضًا لأجل إحضار بعض الخضراوات والسمك، لأجل درس في الطبيخ بقيادة إحدى النساء الزانزيباريات في مزرعة التوابل. اصطحبتنا السيدة إلى سوق دراجاني، حيث جلبنا المطلوب ثم ركبنا الدالا دالا، وهي المواصلة العامة لديهم، وتشبه عربة نقل صغيرة محاطة بأسوار يركب الناس فيها متكدسين كسمك في علبة سردين، دون فصل بين الرجال والنساء، وأيضًا دون تحرش، بل يمكن لامرأة أن تزيح رجلين وتجلس وسطهما دون أي خوف أو انزعاج لا منها ولا منهم!
وأخبرتنا المرأة أنه سمي الدالا دالا؛ لأنه أول ما ظهر كانت أجرته عالية جدًا فشبهوه بالدولار، أو كما ينطق بالإنجليزية “دولا دولا”، والتي حورت إلى دالا دالا.
عندما علمت المرأة أننا مصريون اندهشت، فالكثير هناك اعتقدوا أننا أتراك. ولكن حينما قلنا لها “مصري”، أخذت تحكي عن فخرها بمصر، وأن لولاها ما عرف العالم الكتابة، ولا عرف العالم معنى الحضارة، قالت بالحرف “إن مصر هي قلب أفريقيا”، ثم حكت عن فخرها بأم كلثوم وعبد الحليم.
ثم سألتنا إن كان الوضع ما يزال مضطربًا في مصر، فطمأناها أن مصر بخير. كانت هذه المرأة من القلة القليلة الواعية بما حدث في مصر، وذلك أنها كانت من القلة ممن قابلناهم وقد أتمت تعليمها الجامعي، حيث يتوقف معظم الناس عندهم عند مرحلة التعليم المدرسي فقط.
طبخنا سمكًا، وهرسنا البطاطس، وقطعنا الموز ليتم طبخه كذلك، فلديهم أكثر من عشرين نوع موزًا، منهم ذلك النوع الكبير جدًا حيث يقطع ويقشر ثم يطبخ كنوع من الحلوى.
أخبرنا مرشدنا في مزرعة التوابل ونحن نطبخ، عن النزعة الانفصالية التي بداخله هو وعدد من الزانزيباريين، حيث يميلون إلى كون زانزيبار منفصلة عن تنجانيكا، يقول أن تنزانيا “ليست جيدة”، لا أعلم إن قصد بذلك الحكومة، ولكن ما لاحظته هو أن الشرطة هناك مرتشية إلى حدٍ بعيد، فلا يمكنك أن تعبر كمينًا مروريًّا ومعك سياح إلا ولابد أن تدفع رشوة لتعبر. أيضًا لا توجد إنارة للشوارع في الليل، فبعد السابعة تصبح الدنيا ظلامًا حالكًا.
قمنا بأنشطة عديدة على مدار ثمانية أيام قضيناها في زانزيبار، طفنا تلك الجزر الجميلة من نونانجوي في الشمال، حيث أحواض السلاحف المائية التي زرناها ولعبنا معها وسبح بعضنا معها أيضًا، إلى جوزاني في الجنوب الشرقي. لا مغامرة فوتناها حتى أن إحدى صديقاتنا كانت ستسجن لأنها لم تضع حزام الأمان وهي تجلس بجوار السائق، وأخرى عانت من إعياء شديد فجلبنا لها طبيبًا يذكرني بمغني البوب في الماضي حيث الشعر الأكرت والخواتم الذهبية.
ودَّعنا رمضان سائقنا الهمام بعزومة في كوخهم، حيث قابلنا والدته، وأخاه، وأخته. أحسنوا ضيافتنا حيث قدموا لنا الكاجو المطبوخ، والبطاطس المطبوخة، والأكلة الشعبية لديهم “العصيدة” والتي لم نحببها صراحة.
كنا بالنسبة لرمضان أول سياح من مصر يتعامل معهم، فلم يكن يعرف مصر أصلًا، فقط يعرف السودان، فقلنا له أنها قريبة جدًا من مصر، حتى أن في عصر مضى كنا لا نفصلهما نقول “مصر والسودان”، وعلق على تجربته معنا قائلاً: “أحسست أنكم مثلنا، أحسست أنكم من زانزيبار”.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست