هي حالة عشق، تلك التي تجمع ما بين عشاق ريال مدريد، والعراف زين الدين زيدان. لا بل كل من يطرق الحب قلبه تلهفًا لكرة القدم يعشق زيدان. فالقلم ما عاد يكتب حزنًا لرحيله مرةً أخرى، وإنما القلب هو من يسطر تلك الكلمات ويحذوها جنبًا إلى جنب.
مَن منا لم يُرد معاقبة ماتيرازي بعد واقعته مع زيدان في نهائي كأس العالم 2006، ليس نصرةً لزيدان أو كراهيةً للمدافع الإيطالي، وإنما رغبةً في رؤيته يحمل الكأس التي استحقها تمامًا بما كان ينثره في أرض الملعب من فنون لم نعتد عليها من أحدٍ سواه.
في حالاتٍ صار تكرارها كثيرًا مؤخرًا من رحيل لاعبين أفنوا حياتهم في فريق واحد، وكذلك مدربين دائمًا ما انقسم العاشقون وتفرقوا في آرائهم حولهم، لكن هذا لم يحدث وغير قابل لحدوثه مستقبلًا مع زين الدين زيدان، لا أعلم لماذا، ولكنه إحساس داخلي يتملك القلب والعقل مصدرَي القرار؛ فلا يصدر منهما سوى ما يساند زيدان دائمًا عشقًا له، ولسنواته التي أسهمت في عشقنا لكرة القدم، ولكلماته التي ساعدتنا كثيرًا في تقبل مفهوم آخر عن الهدوء والحكمة ولانفعالاته بأرضية الملعب التي أوقدت لهيب العشق داخلنا وزادتنا شغفًا بهذه اللعبة.
هذا هو زيدان، بكل ما يملكه من شخصية هادئة لا تتحدث كثيرًا، فتحسب ما يدور بداخله يسيرًا إلا أن أفعاله تجعلك مبهورًا مستلقيًا تتلقى جرعة من السعادة والبهجة والإعجاب لما يقوم به حتى وإن كان يقضي عليك. فهو الذي تحدث عنه النجم البرتغالي كرستيانو رونالدو قائلاً «هو خجولٌ جدًا لكنه يدير الأمور بطريقة مبهرة، ويسير على أسلوبه الخاص الذي لا يشاركه أحد به، بل ويحقق نجاحات عجز عنها الكثير من عظماء هذه اللعبة».
هذا لم يكن حديث رونالدو وحده، بل كان ينطق بلسان كلٍّ منَّا عما نراه مجسدًا في زين الدين زيدان ، فللوهلة الأولى تراه يقف هادئًا يبتسم بخجلٍ شديد، وهو يلقي التعليمات للاعبيه على أرضية الملعب، بل وحتى نادرًا ما تراه منفعلًا مع ما يجري في الميدان. ظهر ذلك جليًّا في مباراة فريق ريال مدريد أمام إشبيلية في الجولة 35 من الدوري الإسباني للموسم المنقضي، حينما انتهت المباراة بالتعادل الإيجابي بهدفين لكلا الفريقين فتحدث زيدان في المؤتمر الصحفي الذي يعقب المباراة قائلاً «اليوم من حقنا بأن نكون غاضبين، أنا غاضب للغاية، وتوجهت لحكم المباراة لمحاولة فهم ما حصل، اليوم كان هنالك لمستي يد، واحدة لريال مدريد وأخرى ضد ريال مدريد، فقط واحدة تم احتسابها وهي التي ضدنا» .. رغمًا عن كلماته تلك لكنه لم يكن يبدو غاضبًا أبدًا بل كان هادئًا أكثر ممن امتلأت القاعة بهم.
حتى في لقطته تلك بعد المباراة والتي ظهر يتحدث بها مع الحكم ظهر هادئًا خجولًا على الرغم من تحدثه بأنه كان غاضبًا، هذا لم يكن أبدًا عاديًا، لكنه كان كذلك لزين الدين زيدان. هذه هي المرة الوحيدة التي شهدنا فيها زيدان يصرح بأنه غاضب منذ لقطته مع ماتيرازي ولكنه لم يكن أبدًا.
حينما تحدث النجم الإيطالي أندريا بيرلو «كرة القدم لعبة تُلعب بالعقل، الأقدام هي مجرد أدوات»، كأنه كان يصف ما يفعله زين الدين زيدان، فهو من برهن على ذلك لاعبًا ومدربًا.
تحكمه بالكرة وتلاعبه من خلالها بلاعبي الخصم وسهولة تناقله لها، ومداعبتها كذلك سيطرته الكاملة على منتصف الملعب وتحكمه بنسق المباراة هذا كله انتقل معه حينما أصبح مدربًا، فصار يكرر ما كان يفعله بالخصوم لاعبًا، كل هذا كان كافيًا ليقع عشاق هذه اللعبة في حب زيدان ويصفونه بأنه غير اعتيادي، بل وربما ذهب البعض بأنهم لم يشهدوا مثله من قبل، إلا شخص واحد كان يرى أن كل ما يحدث هي أمور عادية تمامًا، هذا الشخص هو زين الدين زيدان. فما كان خيالًا وغير اعتيادي لنا كان بالنسبة له شيئًا عاديًّا جدًا، بل سهلًا أيضًا. فهو السهل الممتنع.
قيادته لمنتخب فرنسا وإحرازه هدفين في نهائي كأس العالم 1998، وتحقيقه الكأس كان عاديًا ، تحقيقه لقب اليورو 2000 مع فرنسا كان عاديًا، إحرازه أجمل أهداف بطولة دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ في نهائي البطولة 2002 مع ريال مدريد أمام بايرن ليفركوزن الألماني، وتحقيقه لقب البطولة التاسع للملكي الإسباني كان عاديًا، قيادته لمنتخب فرنسا للوصول إلى نهائي كأس العالم 2006، بعدما تغلب بمفرده على عمالقة إسبانيا والبرازيل، بل واعتزاله بعدما هزم جميع من شاركوه اللعبة حينها بحجة أن جسده صار غير قادر على تلبية ما يدور بعقله كان عاديًا، قيادته لفريق ريال مدريد وتحقيقه لقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية كان عاديًا، تحقيقه تسعة ألقاب مع الفريق الملكي في ولايته الأولى فقط في موسمين ونصف كان عاديًا، قيادته للفريق الملكي في الموسم المنقضي واستمراره في المنافسة حتى الرمق الأخير من الدوري ووصوله إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بقائمة من اللاعبين لم يطرأ عليها تغيير منذ 5 أعوام، وقائمة إصابات بلغ عددها 64 إصابة بالموسم، كرقم قياسي لأكثر فريق يتعرض للإصابات بموسم واحد كان عاديًا. جل ما فعله في أرض الملعب لاعبًا ومدربًا كان عاديًا بالنسبة له بينما كان لمن عاصروه وشاهدوه قائدًا في الإطار الفني مبهرًا وإعجازيًّا؛ بل وغير قابل للتكرار.
حتى وإن ظن البعض بأن جل ما يملكه زيدان هو الحظ وعلاقته الجيدة بلاعبيه وغرفة الملابس فكان رد زيدان عليه «أنا أعرف جيدًا غرفة الملابس، وأعرف جيدًا كيف يفكر لاعب كرة القدم لكن ليس هذا هو الأمر الوحيد، هنالك عمل كبير خلف ذلك، قد لا أكون الأفضل تكتيكيًّا لكن لدي أشياء أخرى» .. كيف يُخَيَل لمن أبصر زيدان لاعبًا وكان شاهدًا على إعجاب كل من لعب معه أو ضده بأن يعتقد أن جل ما يملكه زيدان هو الحظ؟!! .. لم يتحدث كثيرًا لكنه جعل العالم جميعًا يمتلئ بالحديث عن إبداعاته وأناقته ومدى جودته لاعبًا ومدربًا.
مارسيلو ليبي «أفضل لاعب في العشرين سنة الماضية ؟ بالتأكيد هو زيدان فهو لديه كل الإمكانيات وكل شيء، ليس عليك بأن تخبره ما يفعل لأنه سيفعله بالفطرة».
سيزار مالديني «زيدان هو الأعظم، بإمكاني التخلي عن خمسة لاعبين ليكون زيدان في فريقي»
فرانكو باريسي «لقد كان أنيقًا كما لو كان راقصًا بالملعب، لقد كان يستخدم باطن قدميه بكفاءة عالية فكل شيء بالنسبة له سهل، وهو ليس كذلك أبدًا لأي لاعبٍ منا، إذا حاولت تقليده فبالطبع سأفقد قدميَّ»
زلاتان إبراهيموفيتش «عندما يحل زيدان بالملعب، فجأة العشرة لاعبين الآخرين يصيرون أفضل. لقد كان ساحرًا أكثر من مجرد لاعب جيد».
لوكا مودريتش «كل جزء من نصيحة يقولها زيدان هي بمثابة الذهب، وتساعدني كثيرًا لأتحسن على أرضية الملعب».
بيليه «زيدان هو سيد هذه اللعبة، لا يوجد لاعب مثله فهو أفضل لاعب في العالم».
تييري هنري «في فرنسا، الجميع آمن بأن الرب موجود وقد عاد في المنتخب الفرنسي».
ديفيد بيكهام «لقد كان حلمًا لي بأن أتدرب مع زيدان لثلاثة سنوات، بالنسبة لي هو أفضل لاعب».
رونالدينيو «هو أحد أفضل اللاعبين عبر التاريخ. لقد كان أنيقًا ولديه لمسة ورؤية رائعتان».
إيمانويل بيتيت «أعتقد بأنه وُلد بكرة في قدميه، عندما جذبه الدكتور قال هناك كرة معه».
بول سكولز «رؤية زيدان بالملعب كرؤية حفلة شعرية، المهارات والرؤية والأهداف لقد كان عظيمًا، عندما كان في يومه، فاز بكأس العالم ودوري الأبطال وكل الألقاب الأخرى. هو الأفضل بالتأكيد».
مثلما كان لاعبًا مبهرًا، وحقق جميع الألقاب استمر في ذلك مدربًا مع ريال مدريد فحقق 11 لقبًا مع الفريق الملكي منهم ثلاث بطولات دوري أبطال أوروبا على التوالي، ليكون المدرب الوحيد الذي استطاع فعلها. فإذا لم يقم بها زيدان فمن غيره القادر على نثر هذا الإبداع.
مثلما فعلت في صغري وتسلل عشق كرة القدم لقلبي بعدما أبصرت زين الدين زيدان ومعه نما عشقي لريال مدريد وصرت متلهفًا لرؤيته بكل لحظة تمر من حياتي ها أنا أتعهد مسبقًا بعشقي وشغفي للفريق الذي سيتولى تدريبه زيدان.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست