من عاش في مصر خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فقد شاهد وتعلم أشياءً لا يمكن مشاهدتها أو تعلمها إلا في مصر، أما من عاش بها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فقد عايش شيئًا لا يمكن وصفه، ربما يكون شيئًا شبيهًا بأفلام الزومبي.
في حوار له مع رؤساء تحرير الصحف القومية أكد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي على تسليم الشباب 500 سيارة نقل ثلاجة خلال 45 يومًا، وذلك تنفيذًا لبرنامجه الانتخابي الذي أعلن عنه سابقًا للقضاء على البطالة.
الغريب هنا أن رئيس الجمهورية الذي يعمل بطريقة بعيدة كل البعد عما يعرف باقتصاديات الدول، لكنها أشبه ما يكون بعمل شركات التجزئة وتجارة الأفراد، فتوفير عربات لنقل الخضار لن يحل مشكلة البطالة على الإطلاق، بل سيحل مشكلة 500 مواطن فقط، فما يقوم به الرئيس يطلق عليه الاقتصاد الخدمي الذي لا ينتج ولا يخدم إلا صاحبه، وهو صالح فقط للأفراد والشركات، لا للدول التي تحتاج إلى إنتاج حقيقي ومشاريع زراعية وصناعية كبرى تحقق التنمية وحلول جذرية للاقتصاد، إنما ما يقدمه الرئيس لا يمكن وصفه سوى بالمسكنات.
يا رزاق!!
***
بينما تعاني البلاد من أزمات اقتصادية ومديونيات تهدد الدولة بالإفلاس، قام وزير الداخلية قبل أيام بافتتاح سجن الجيزة المركزي الجديد، والكائن بطريق مصر إسكندرية الصحراوي، وهو ما يضعنا أمام تساؤل هام: هل تحتاج الدولة لأن تنفق أموالها على إنشاء السجون الجديدة، أم على المشاريع القومية والتنموية والتعليم والصحة؟! أين أولويات الدولة؟!
الجواب “بيبان” من عنوانه.
***
صديق لي يعمل كوكيل للنيابة فوجئ أثناء تواجده في منزل “حماه” بسرقة سيارته، وأثناء حديثي ومواساتي له، كان السؤال الذي أصبح اعتياديًّا في الفترة الأخيرة: هل اتصل بك السارق؟!
فنفى بحزن، فسألت نفسي: أي وضع مزري بتنا نعيشه؟! هل أصبح أمل المجني عليه يقتصر على أن يتصل به الجاني ليفاوضه، أما إذا ما قررت الذهاب إلى قسم الشرطة وإخبارهم بأن السارق قد اتصل بك نصحوك بالتفاوض معه، وكأن وظيفة الشرطة قد اقتصرت على كتابة المحاضر؟!
لله الأمر من قبل ومن بعد!
***
صديق آخر حاول تمضية وقت مسلي مع زوجته في أحد المولات الشهيرة في مدينة السادس من أكتوبر ليلة رأس السنة، وكعادة المولات الكبرى في الأعياد يقتصر الدخول على الأسر والأزواج وCouples، ولكن هناك استثناء دائمًا للشباب الذين يمتلكون سيارات، وذلك لأنهم من مستوى اجتماعي جيد، وهو ما يجسد الفارق الطبقي المرعب الذي بتنا نعيشه الآن.
ما حدث هناك في هذا اليوم جسد الواقع الأليم في مصر، أسر مصرية تقوم بإدخال الشباب كأنهم من أفراد العائلة بمقابل مادي، مئات الشباب المحبط يقف أمام البوابات، قوات خاصة من الجيش لتأمين المكان، وفي نهاية المشهد، المئات من الشباب المحبط يخاطر بمستقبله فقط من أجل دخول مول تجاري؟! يندفعون دفعة واحدة على البوابات. تخشى عناصر الأمن من الانفلات الأمني، يخرج من في المول من باب الطوارئ وسط تدافع عنيف في مشهد أقرب ما يكون لفيلم أمريكي، يندفع فيه الزومبي الذين نال منهم المرض والجوع وقلة التفكير للفتك بمن هم أفضل منهم لنهش لحومهم “بالتحرش” أو بالتمتع بالأضواء المبهرة التي تعم المكان، غير مبالين برصاصة ربما تسكن رأس أحدهم، أو رأسه هو شخصيًّا!!
أي بلد تلك التي نحيا بها؟! أي قوانين وأي مستقبل لها؟! حقيقة لا أعلم. ولكنني على يقين من أننا بتنا نعيش في بلد الزومبي، حيث ينتشر الفقر والجهل والتخلف والظلم متناثرة حول دماء الأبرياء، لا قانون ولا منطق ولا عدالة، إنها بلد الذراع.
إنها بلد الزومبي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست