ما أكثر شيء يضايق أغلب الذين يتصفحون المواقع أو شبكات التواصل الاجتماعي؟ قد تتعدد الإجابات، لكن ربما يتفق العديد منا على أنها تلك الإعلانات دائمة الظهور، والتي أصبحت تطاردنا في كل وقت ومكان عند دخولنا لعالم الإنترنت. ربما لا يوجد موقع ولا شبكة تواصل إلا وبها أجزاء مخصصة لوضع الإعلانات التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الافتراضية.
لكن الأمر الآن لم يعد يتعلق فقط بكم الإعلانات وانتشارها، بل بنوعها أيضًا، ومحاولات الشركات المعلنة التحايل علينا من أجل إقناعنا بالضغط على الإعلان والدخول إلى عالم التسوق أو صفحة المنتجات والخدمات التي تقدمها.
من أجل هذا، ظهر منذ فترة ما يسمى «الإعلانات الشخصية» أو «الإعلانات المخصصة»، ويقصد بها تلك الإعلانات المخصصة والملائمة لك تحديدًا طبقًا لتاريخ تصفحك للمواقع وغيرها من البيانات التي تجمعها المواقع عنك وتقدمها للشركات المعلنة.
وعلى عكس الإعلانات التي تظهر على التلفزيون، يمكن أن تكون هذه الإعلانات عبر الإنترنت أكثر تخصيصًا وتفاعلية. هذا هو السبب وراء أنك كنت تبحث عن هاتف جديد على الإنترنت، فتفاجأ أن «فيسبوك» يقدم لك إعلانات عن الهاتف نفسه، الذي كنت تبحث عنه.
الآن، أظهر بحث حديث أن هناك نوعًا جديدًا من إعلانات المقامرة يستخدم عبر الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة جذب المشاهدين. وهي الإعلانات التي قد يصعب تمييزها عن المحتويات الأخرى، فما قصة هذه الإعلانات؟
إعلانات المقامرة على هيئة استطلاع رأي!
على سبيل المثال، تستخدم شركات المقامرة أساليب مثل ظهور إعلان، لا يظهر لك كإعلان ولكن باعتباره طلبًا لإجراء استطلاعات الرأي على من هو الفريق الفائز في إحدى مباريات كرة قدم لإغراء المستخدمين للتفاعل معهم. وعلى الرغم من أن تأثير هذا النوع من الإعلانات غير معروف نسبيًا، فإن الأبحاث المبكرة تشير إلى أنه من المحتمل أن تزيد مشاركة الشخص المستهدف في عملية المقامرة بعد ضغطه على الإعلان وإجراء الاستطلاع، لأن الأمر سيجذبك تدريجيًا.
في البحث الحديث، قام الباحثون بجمع وتحليل بيانات 25 دراسة روجعت من قبل المتخصصين والتي نشرت بين عامي 2015 و2020، وهي الدراسات المرتبطة بالإستراتيجيات التي تتبعها شركات المقامرة. غطت هذه الدراسات المحتوى المستخدم في الإعلانات وإستراتيجيات التسويق لأكثر من 300 إعلان مستقل عبر الإنترنت، و500 صفحة ويب للمقامرة، و10 آلاف منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. هنا، ظهر لنا وجود تغيير مهم في ثلاث إستراتيجيات تتبعها شركات المقامرة.
1. التسويق لكل فرد على حدة.. أنت الهدف!
أشار البحث إلى أن أول تحول مهم في إستراتيجيات الشركات حول الإعلان على الإنترنت ينطوي على ابتعاد صناعة المقامرة عما يعرف «التسويق الشامل»، وهو نفس طريقة الإعلانات التي كانت تظهر على التلفاز. التسويق الشامل يعني أننا نسوق المنتج لكل الجمهور بالطريقة نفسها. بدلًا من ذلك، تنتقل شركات المقامرة إلى نوع جديد من إعلانات المقامرة، باستخدام معلومات وبيانات كل شخص على حدة لتقديم إعلانات مخصصة إلى الجماهير عبر الإنترنت.
وكما بات معظمنا يعرف، عندما يتصفح الأفراد الإنترنت، تجمع بيانات التصفح والشراء والملف الشخصي وترسل إلى شركات الإعلانات. بعد ذلك، تخزن هذه البيانات عبر ملفات تعريف الارتباط بالمتصفح (الكوكيز) التي تسمح لهذه الشبكات بتقديم إعلانات شخصية لكل مستخدم بعينه.
هذا يعني أنه من خلال موقع الإنترنت نفسه، يمكن لمستخدم واحد أن يواجه ظهور إعلان للمقامرة عبر الكازينو الافتراضي، بينما يمكن أن يظهر لآخر إعلان عن المراهنات الرياضية عبر الإنترنت، وذلك اعتمادًا على محتوى ملفات تعريف الارتباط الخاصة بكل منهم. فهذه الملفات وما بها من بيانات سيحدد اهتمامات كل منهم.
نحن نعرف أن كل الشركات حول العالم تستفيد من محتوى الإعلان المخصص المصمم خصيصًا للمستخدمين. ومع ذلك، فقد زادت صناعة المقامرة بشكل كبير من إنفاقها على هذا النوع من الإعلان عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة. وأشارت الأبحاث السابقة إلى أن «الإعلانات المخصصة» أكثر فاعلية من «التسويق الشامل»، نظرًا لكونها أكثر صلة باهتمام الشخص وجديرة بثقته وتجذب الاهتمام إليها لأنها تخاطب اهتمامًا أو غريزة ما بداخلك.
2. استخدام العناصر التفاعلية.. لا تضغط على هذا المنشور
أما التغيير أو التحول الثاني في إستراتيجيات إعلانات المقامرة على الإنترنت، فهو المتعلق باستخدام العناصر التفاعلية لتحفيز مشاركة المستخدم. فالطريقة التقليدية للإعلان تتضمن تقديم معلومات ما عن المنتج أو الخدمة إلى الجمهور المستهدف. لكن الآن، يقوم عدد متزايد من شركات المقامرة بتضمين روابط مباشرة إلى مواقعهم الإلكترونية وسط منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
أضف إلى هذا ما ذكرناه في البداية من ظهور إعلانات تشبه منشورات وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن استطلاعات رأي وغيرها مما قد يثير حماستك للمشاركة به أو الضغط عليه دون أن تعلم أنك تواجه إعلانًا، أو حتى ربما تعرف أنه إعلان لكنه يقدم لك شيئًا لا تستطيع رفضه.
3. استخدام المؤثرين على شبكات التواصل.. الكل يتربح من ورائك!
إستراتيجية ثالثة بدأت تتبعها شركات المقامرة، تتعلق بأدلة على أن شركات المقامرة تستخدم الآن شركات تابعة لوسائل التواصل الاجتماعي لتأييد المقامرة عبر قنواتها الخاصة. هذه الشركات هي جهات خارجية مدفوعة الأجر توجه العملاء على شبكات التواصل نحو علامة تجارية أو منتج معين.
يندرج تحت هذه الفئة استخدام المؤثرين، الذين يمكن أن يكونوا فعالين في الوصول إلى الجماهير بسبب الأعداد الكبيرة من المتابعين لهم. قد تكون مخاطر هذا الأمر مماثلة لتلك التي تظهرها الأبحاث المتعلقة بالترويج للوجبات السريعة، والتي تشير إلى أن الأطفال سوف يأكلون المزيد من الوجبات السريعة عندما يروج لها مؤثر معروف على وسائل التواصل الاجتماعي.
إعلانات المقامرة ومخاوف أخلاقية مشروعة
هنا تبدأ المخاوف في الظهور. فاستخدام البيانات الشخصية مثل البيانات الديموغرافية والسلوكية للأفراد عبر الإنترنت لتسويق المنتجات التي قد تسبب الإدمان مثل المقامرة يثير مخاوف أخلاقية. هناك بعض الأدلة على أن هذه الإعلانات تسبب ما يسمى «تأثير الاستجابة للجرعة»، مما يعني أنه كلما زاد تعرضك لشيء ما، زاد احتمال تأثرك به.
بالتالي، فإن التعرض لمزيد من إعلانات المقامرة قد يعني زيادة المشاركة في المقامرة بالفعل. ومع الإستراتيجيات التي تتبعها تلك الشركات مثل اختيار العديد من مواقع الويب لاستضافة مساحة إعلانية مخصصة بدلًا من مساحة إعلانية شاملة على التلفاز أو في الشارع، هناك احتمال أكبر أن يستجيب الناس لـ «تأثير الاستجابة للجرعة».
لا يزال لدى المستهلكين أو الجمهور خيار فيما يتعلق بما إذا كانوا يريدون التعامل مع هذه الإعلانات أم لا. لكن الخطر هنا أن الفجوة بين المستهلك والمنتج الذي تقدمه المقامرة وتعلن عنه أصبحت الآن مجرد ضغطة زر واحدة. إذ تشير الأبحاث إلى أن تقليل الجهد الذي يبذله المستهلك للحصول أو الوصول إلى منتج أو خدمة ما، يؤدي إلى زيادة استهلاك هذا المنتج أو الخدمة بالفعل، بالمقارنة بجعل المستهلكين يشاهدون أو يسمعون الإعلانات التلفزيونية أو الإذاعية والتي تتطلب منهم لاحقًا جهدًا أكبر للوصول للمنتج المعلن عنه.
وتشير الأبحاث إلى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يحبون ويشاركون منشورات إعلانات المقامرة. ظهر هذا من خلال تحليل محتوى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لشركات المقامرة، واكتشاف أنها تشجع المستخدمين على اتخاذ هذه الخطوة نحو المشاركة.
هذه الإستراتيجيات المتبعة من شركات المقامرة تعني أن مثل هذه المنشورات يمكن أن ينتهي بها المطاف على قنوات التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين لا يرون في العادة هذه الإعلانات، مثل الأطفال. فرغم أن هناك بعض القيود المعمول بها والتي يمكن أن تحظر المحتوى غير المناسب، لكن العديد من منشورات شركات المقامرة وإعلاناتها لا تفي بهذه المعايير، وذلك عبر استخدامها الميمات واستطلاعات الرأي التي تخدم الغرض من عرض المنتج أو الخدمة.
ربما لا توجد بيانات واضحة بهذا الخصوص في منطقتنا العربية، لكن في المملكة المتحدة على سبيل المثال، يصنف حوالي 55 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عامًا على أنهم مقامرين. هذه المشكلة أكثر إثارة للقلق نظرًا لأن الأبحاث تظهر أن استخدام الرسوم المتحركة والميمات والفكاهة في إعلانات المقامرة عبر الإنترنت، قد يكون جذابًا بشكل خاص للأطفال والشباب.