شروطًا ثلاثة قد ذكرناها لاعتبار أي أمر ما ظاهرة، وهي “التقليد، السرعة، الانتشار”: تقليد للعمل الذي يمكننا اعتباره بداية الظاهرة، وسرعة في تقديم أعمال تقلد ذلك العمل، وانتشار وتأثير تلك الأعمال على العقول.

وعرضنا في تقريرنا الأول لأهم وأبرز تلك الظواهر السينمائية المصرية في عهد عبد الناصر:

1- ظاهرة الأفلام التي تنتقد أوضاع ما قبل ثورة يوليو.
2- ظاهرة الأفلام المؤيدة للثورة.
3- ظاهرة أفلام القطاع العام.

وكيف أنه بانتهاء عهد عبد الناصر كانت السينما المصرية قد أنتجت 936 فيلمًا، بمتوسط إنتاج 52 فيلمًا سنويًّا. يمكنكم الاطلاع على التقرير من هنا

 

ثم عرضنا في الجزء الثاني لأبرز الظواهر السينمائية ولكن في عهد السادات:

1- ظاهرة أفلام مراكز القوى.
2- ظاهرة أفلام حرب أكتوبر.
3- ظاهرة أفلام المقاولات.

ووجدنا أنه بانتهاء عهد السادات كانت السينما المصرية قد أنتجت 491 فيلمًا، بمتوسط إنتاج 50 فيلمًا سنويًّا. وهو المعدل الذي لم يختلف كثيرًا عن عهد عبد الناصر. ويمكنكم الاطلاع على التقرير من هنا

 

الإنتاج السينمائي في عهد مبارك

شهدت السينما المصرية خلال حكم مبارك الكثير من التغيير بالتأكيد، حيث أن الرجل استمر في الحكم لأكثر من 30 سنة، حدث خلالهم الكثير في المجتمع المصري، بينما قد ولدت أجيال لم تر قبله رئيسًا. وقد كانت السينما بالطبع شاهدًا على كل تلك التغيرات.

وظهر خلال تلك الفترة عدد كبير من المخرجين الجُدد الذين قدموا الكثير للسينما، منهم خيري بشارة، وعاطف الطيب، وداود عبد السيد، وشريف عرفة، ويسري نصر الله، ورضوان الكاشف. واستمر عطاء الكثير من المخرجين القدامى كـصلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، وحسين كمال، وعلي عبد الخالق، ورأفت الميهي.

ولتكون السينما المصرية بقيام ثورة يناير وانتهاء عهد مبارك قد أنتجت1254 فيلمًا، بمتوسط إنتاج سنوي40 فيلمًا، وبهبوط يقدر بـ10 أفلام سنويًّا عن عهد السادات أو عبد الناصر.

فنجد مثلاً في عامي 1997، 2009 أدنى مستوى للإنتاج السينمائي منذ عام 1952، بإنتاج 17 فيلمًا فقط في السنة. ونجد أيضًا في عام 1986 أكبر عدد أفلام قد أُنتج منذ 1952، فبلغ الإنتاج في تلك السنة 95 فيلمًا.

ومن بين الـ 1254 فيلمًا هؤلاء يمكننا رصد ثلاث ظواهر أساسية في عهد مبارك.

 

1- ظاهرة الواقعية الجديدة في السينما المصرية

فما هي الواقعية الجديدة وما هي أهم صفاتها؟ نشأت تلك المدرسة الجديدة في السينما في إيطاليا عقب الحرب العالمية الثانية، حيث الأحوال المعيشية سيئة، والسينما تحاول أن تعبر عن تلك الأحوال، وهي عكس المدرسة “الواقعية الشعرية” التي نشأت في فرنسا، تلك المدرسة المهتمة بالصورة والإيقاع على حساب الحوار ونقل الواقع.

أما عن معالم مدرسة الواقعية الجديدة تلك فهي كالآتي:-

1- الاعتماد على ممثلين غير محترفين.
2- تصوير الأفلام في مواقع وأماكن حقيقية مفتوحة؛ حيث الشوارع والأحياء الفقيرة بعيدًا عن الاستوديوهات المغلقة.
3- تجنب الحوار المنمق، واستخدام لغة الشارع.
4- تناول الموضوعات التي تعبر عن الطبقات العاملة والفقيرة.
5- تصوير الأفلام بالحس التسجيلي الذي يعكس الواقع الاجتماعي.

 

 

ويمكننا القول أن نشأة تلك المدرسة كانت على يد المخرجين الصديقين خيري بشارة وداوود عبد السيد، فقدم بشارة مثلاً “كابوريا” 1990، و”يوم مر ويوم حلو” 1988، و”أيس كريم في جليم” 1992، و”حرب الفراولة” 1990. وكتب داوود عبد السيد “أرض الخوف” 1999، و”مواطن ومخبر وحرامي” 2001. وقدم من بعدهم محمد خان “الحريف” 1984، وأخرج رأفت الميهي فيلم “الأفوكاتو” 1984.

ومن خلال تلك الأفلام كان انتقاد السلطة بالإسقاطات السياسية، ونجد ذلك في أفلام كـ “الحب فوق هضبة الهرم”، و”أرض الخوف”. وكان التخلي عن البطل التقليدي والدنجوان الخيالي، وأصبح البطل ملاكم ابن حي شعبي “كابوريا”، أو شابًا عاملاً بالجراج ذا إعاقة “مستر كاراتية”.

 

 

2- ظاهرة أفلام الفتوات

مفتول العضلات، ذو هيبة وتأثير، مسموع الكلمة في محيطه، نشأته مختلفة غالبًا عن الجميع؛ فقد خاض الكثير من التجارب حتى اكتسب تلك الحكمة. هكذا صورة الفتوة التقليدي في روايات وأفلام نجيب محفوظ، الرجل الذي قدم وحده 8 أفلام عن عالم الفتوات وقصصهم.

وتبدأ تلك الظاهرة بفيلم الشيطان يعظ 1981 للمخرج أشرف فهمي، وتنتهي بفيلم فتوات السلخانة 1989 للمخرج ناصر حسين، وقد تم بينهما إنتاج 13 فيلمًا، أشهرها “سعد اليتيم” 1985، و”التوت والنبوت” 1986.

وبخلاف نجيب محفوظ نجد أن أفلامًا أخرى جيدة كـ “سعد اليتيم” كتبه وأعده للسينما يسري الجندي، وعبد الحي أديب.

 

3- ظاهرة الأفلام المستقلة

وهي أصل وبداية السينما في الأساس، حيث لا منتجين ولا شركات إنتاج، فما أن تأتي الفكرة للمخرج يأخذ كاميراته ويخرج ليصورها مع أصدقائه في الشوارع. إلى أن ظهر المنتجون، وشركات الإنتاج الهوليودية، والتي قضت على الاستقلال السينمائي، والحرية المطلقة سابقة الذكر في سبيل ربحهم وربح استوديوهاتهم الدائم.

وها هي قد عادت الفكرة من جديد للظهور، لتداعب عقول السينمائيين الفقراء بإنتاج أفلام ذات تكلفة قليلة وبكاميرات ديجيتال وبموضوعات تتميز بالجرأة وبممثلين لا يحصلون على أجور غالبًا، بعيدًا عن جشع شركات الإنتاج.

وبدأت تلك الظاهرة في مصر عام 2005 على يد المخرج إبراهيم البطوط بفيلمه “إثاكي”، وقد اُنتج تحت عبائتها ما يقارب الـ12 فيلمًا حتي الآن، منها “بصرة” 2008عام للمخرج أحمد رشوان، و”ميكرفون” عام 2010 للمخرج أحمد عبد الله، ويبدو أنها في طريقها للتوسع والانتشار لا العكس.

****** يعد كتاب “اتجاهات الإنتاج السينمائي من ثورة يوليو حتى ثورة يناير للدكتور ياقود الديب مرجعًا أساسيًّا في تلك التقارير الثلاثة*****

عرض التعليقات
تحميل المزيد