يحرص الآباء ومقدمو الرعاية على تقديم أطعمة متوازنة إلى أبنائهم تحتوي على الكثير من العناصر الغذائية المختلفة المهمة لبناء أجسامهم وتطور نموهم وإكسابهم مناعة. يقوم الجسم بتكسير العناصر المختلفة من البروتينات والكربوهيدرات والدهون بواسطة الإنزيمات الموجودة في الجهاز الهضمي، ويحولها إلى طاقة ثم يتم نقلها إلى الخلايا لتمارس وظائفها الحيوية المختلفة، وتعرف هذه العملية باسم عملية التمثيل الغذائي، ويُعرف أي خلل فيها باسم «اضطراب التمثيل الغذائي».
ما هو اضطراب التمثيل الغذائي؟
يُعرف اضطراب التمثيل الغذائي أو الاضطرابات الأيضية بحسب مقالة طبية جرى مراجعتها بواسطة طبيبة الأطفال كايل مونك، بأنها حالة نادرة تؤثر في طريقة هضم الطعام وتحويله إلى سكريات وأحماض أمينية للحصول على الطاقة، فالطفل الذي يعاني من اضطراب التمثيل الغذائي لا يستطيع جهازه الهضمي تكسير الطعام بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة بعض العناصر في الجسم مثل الأحماض الأمينية (على سبيل المثال حمض الفينيل ألانين) والتي تؤثر بدورها في تطور الطفل ونموه بشكل طبيعي.
ما هو حمض فينيل ألانين؟ وكيف يهدد حياة طفلك؟
يعد فينيل ألانين أحد الأحماض الأمينية الأساسية الضرورية لنمو الأطفال وتطورهم وأيض البروتين في الأطفال والبالغين. وبحسب موقع المكتبة الأمريكية، فالإنسان يستخدم 21 نوعًا من الأحماض الأمينية المختلفة، وعلى الرغم من قدرة الجسم على تخليق الأحماض الأمينية غير الأساسية من الجلوكوز؛ فإنه غير قادر على تخليق الأحماض الأمينية الأساسية، لكنه يستمدها بشكل أساسي من البروتينات الغذائية الموجودة في الطعام. ويُعد حمض الفينيل ألانين أحد هذه الأحماض الأمينية التي يستمدها الجسم من الغذاء، ويحول الجسم الفائض عن احتياجاته من حمض الفينيل ألانين إلى حمض التيروزين، وهنا تكمن المشكلة.
الفينيل ألانين
بحسب موقع هلث إن الطبي فإن عملية أيض الفينيل ألانين ينتج عنها حمض التيروزين، والذي يساعد الجسم في إنشاء ناقلات عصبية معينة مثل الإبينفرين والنورادرينالين والدوبامين، ونتيجة لخلل في الجين الذي يساعد في تكوين الإنزيم المسؤول عن تكسير الفينيل ألانين في الجسم؛ لا يتحول الفينيل ألانين الزائد إلى حمض التيروزين لكنه يتراكم في جسم الطفل مسببًا له اضطراب «بيلة الفينيل كيتون (PKU)».
اضطراب بيلة الفينيل كيتون.. يتسبب في إعاقة ذهنية
يوضح الدكتور مات ديمشكو بجامعة توماس جيفرسون الأمريكية أن اضطراب بيلة الفينيل كيتون يُصيب الأطفال حديثي الولادة غير القادرين على تكسير حمض الفِينيل ألانين وتحويله إلى التيروزين بشكل طبيعي فيتراكم الفِينيل ألانين في الدم، ويتسبب في إصابة الطفل بإعاقة ذهنية.
أشعة لدماغ طفل
وهكذا يضر دماغ طفلك
يشير اروبن ويليامز الباحث في علم الأمراض والكيمياء الحيوية والمؤلف الرئيسي لدراسة عن اضطراب بيلة الفينيل كيتون إلى أن ارتفاع نسبة حمض الفينيل في الدم تؤدي إلى تسمم الدماغ وتلحق ضررًا بالغًا بالمادة البيضاء في الدماغ يتسبب في تلف الخلايا العصبية.
وأشارت الدراسة السابقة والمنشورة على موقع المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، إلى مدى تضرر المهارات المعرفية (إدراك وانتباه وتذكر) للأطفال المصابين بالاضطراب، إضافة إلى انخفاض كبير في معدل الذكاء وتأثر المهارات الحركية وتشتت في الانتباه.
لكن هل يؤثر في البالغين؟
يوضح موقع «إن إتش إس» الطبي أنه على عكس ما يحدث في الأطفال لا توجد أبحاث علمية تُشير إلى أن ارتفاع نسبة الفينيل ألانين في الدم تسبب ضررًا بالغًا في دماغ الأشخاص البالغين باستثناء بعض حالات فقدان التركيز والبطء في رد الفعل، وعادة ما يتم تنظيم نسبة الفينيل ألانين باتباع نظام غذائي صارم يحتوي على نسب أقل من البروتينات، إلا أن ارتفاع نسبة الفينيل ألانين عند النساء الحوامل المصابين باضطراب الفينيل كيتون تُشكل خطرًا بالغًا على حياة الجنين واستمرار الحمل.
طفرة جينية وراء كل ذلك
خلل جيني تظهره الوراثة.. هكذا يحدث اضطراب التمثيل الغذائي
يحدث اضطراب بيلة الفينيل كيتون (PKU) نتيجة خلل وراثي في الجين المسؤول عن أيض الحمض الأميني فينيل ألانين، وبحسب موقع مايو كلينك الطبي فإن هذا الاضطراب ينتقل عن طريق الوراثة من الأبوين معًا الحاملين للجين المعيب، لكن لا تظهر عليهما أي أعراض، وتُعرف الطريقة التي يتم بها تمرير هذه الطفرة بـ«الوراثة المتنحية» أي أن الطفل يحتاج إلى نسختين من الجين المعيب لتظهر عليه أعراض الاضطراب؛ نسخة من الأم ونسخة من الأب، وهذا يعني أنه إذا ورث الطفل جينًا واحدًا مصابًا فقط، فسيكون حاملًا للاضطراب ولا تظهر عليه الأعراض.
كيف يبدو الطفل المصاب باضطراب التمثيل الغذائي؟
يتم تشخيص اضطراب بيلة الفينيل كيتون بحسب موقع فيري ويل هلث الطبي عن طريق عينة الدم التي يتم أخذها من وخز كعب الطفل حديث الولادة، وعادة ما يظهر على الطفل مع التقدم في العمر بعض الأعراض التالية:
- تأخر التطور والنمو عن المعدل الطبيعي.
- تأخر عقلي.
- يتميز الأطفال المصابون بالاضطراب بلون بشرة وشعر فاتحين، خاصة وأن حمض الفينيل ألانين يساهم بشكل كبير في إنتاج الميلانين المسؤول عن إكساب الجلد والشعر لونهما.
- ظهور بعض المشكلات السلوكية مثل نوبات الغضب المتكررة ونوبات إيذاء النفس، خاصة مع التقدم في العمر.
- الأكزيما والطفح الجلدي.
- فرط الحركة.
- الصرع.
- انبعاث روائح كريهة من البول والنفس و عند التعرق.
كيف يجري التعامل مع الأطفال المصابين باضطراب التمثيل الغذائي؟
إذا تم تأكيد إصابة الطفل باضطراب بيلة الفينيل كيتون، يخضع الطفل لإجراءات علاجية وطبية معينة بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي خاص مع الانتظام في إجراء اختبارات فحص الدم بصورة دورية. وتُشير المقالة السابقة والتي تم مراجعتها بواسطة ماري كوجلر، المحاضرة بجامعة ماساتشوستس، أن التشخيص المبكر والعلاج الصحيح يساعدان بنسبة كبير في منح الأطفال فرصة لعيش حياة طبيعية وإليك بعض طرق العلاج والوقاية:
1- الغذاء هو الدواء
تُعد الحمية الغذائية هي العلاج الرئيسي لاضطراب بيلة الفينيل كيتون، يشير موقع مايو كلينيك الطبي إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض البروتين لا يحتوي على أطعمة مثل (اللحوم والبيض ومنتجات الألبان) ويعتمد على تناول أطعمة معينة (مثل البطاطس والحبوب) وبعض الأطعمة المصممة خصيصًا للأشخاص المصابين بالاضطراب، يساعد بنسبة كبيرة في خفض نسبة حمض الفينيل ألانين في الدم وحماية الطفل من الأضرار المحتملة.
2- المكملات الغذائية ضرورة لا رفاهية
يجب على الأشخاص المصابين ببيلة الفينيل كيتون تناول مكملات غذائية من الأحماض الأمينية لضمان حصولهم على جميع العناصر الغذائية اللازمة للنمو الطبيعي والصحة الجيدة.
3- فحص الدم بصورة دورية
يجب أن يتم متابعة نسبة حمض الفينيل ألانين بشكل منتظم عن طريق إجراء اختبار فحص الدم بصورة دورية.
4- الأسبارتام قاتل صامت
الأسبارتام هو مُحلّ صناعي غالبًا ما يوجد في المياه الغازية وبعض أنواع من الحلوى وبعض أنواع السكر، تكمن خطورة الأسبارتام في أنه يتحول إلى حمض الفينيل ألانين ويؤدي إلى ارتفاع نسبته في الدم.
5- ساعد طفلك على قبول نفسه
يُشكل اتباع نظام غذائي طويل الأمد عبئًا كبيرًا على الأطفال، خاصة أنه يمنعهم من الكثير من الأطعمة التي يتم تناولها بشكل يومي من قبل باقي أفراد الأسرة، حاول أن تساعد طفلك على تقبل الأمر، اطلب منه أن يساعدك في البحث عن وصفات طعام مميزه وطبقها معه، حاول أن تصنع له بدائل للحلوى التي تشكل خطورة عليه، ساعده على ابتكار طرق جديدة ومرحة لتقديم الطعام بها.
6- اطلب المساعدة المتخصصة
استشر الطبيب النفسي أو أخصائي السلوك لمساعدة طفلك على تقبل حالته الصحية ودعمه نفسيًا إذا تطلب الأمر ذلك.
وأخيرًا ليست كل حالات الإصابة باضطراب تؤدي إلى بيلة الفينيل كيتون تلف الدماغ، فالحالات التي يتم تشخيصها وعلاجها مبكرًا تكون فرصة مساعدتها أفضل بكثير، لذلك من الضروري الاهتمام بإجراء الفحوصات الروتينية عقب ولادة الطفل.
