على مدار العقود الأربعة الماضية، كان الدافع الذي يقود صناعة الإلكترونيات هو ما يسمى «قانون مور»، وكي نكون أكثر دقة فهو ليس قانونًا بالمعنى المعروف، لكنه أقرب إلى مسلمة أو بديهية أو مشاهدة.

وتشير هذه المسلمة إلى حدوث عملية تضاعف في سرعة الأجهزة الإلكترونية وقدراتها كل عامين تقريبًا. وبالتأكيد، ففي كل عام تأتي شركات التكنولوجيا بأجهزة إلكترونية أكثر سرعة وذكاءً بصورة واضحة. وعلى وجه التحديد، فإن قانون مور، كما ورد على لسان المؤسس المشارك لشركة إنتل، جوردون مور، ينص على أن «عدد الترانزستورات التي تتألف منها الشريحة الإلكترونية تتضاعف تقريبًا كل 24 شهرًا».

الترانزستور

الترانزستورات والمحولات الكهربائية الصغيرة هي الوحدة الأساسية التي تحرك كل الأدوات الإلكترونية التي يمكن أن تفكر بها. وكما أن حجم هذه الترانزستورات يصغر مع مرور الوقت، فإن سرعتها في العمل تزداد وتصبح أقل استهلاكًا للكهرباء.

والترانزستور هو جهاز ينتمي إلى فئة أشباه الموصلات المستخدمة لتضخيم أو تبديل الإشارات الإلكترونية والطاقة الكهربائية. وهو يتألف من أشباه موصلات، لا يقل عددها في المعتاد عن ثلاث محطات للاتصال إلى الدائرة الخارجية. ويتحكم الجهد أو التيار الداخل إلى أحد أزواج محطات الترانزستور في التيار الموجود في زوج المحطات الآخر.

ولأن التيار الكهربي المتحكم به (المخرجات) يمكن أن تكون قوته أعلى من قوة التيار الكهربي المطبق (المدخلات)، فيمكن أن تستخدم الترانزستورات في تضخيم الإشارات. اليوم، تتواجد بعض الترانزستورات بشكل فردي، ولكن لا يكاد يخلو جهاز إلكتروني حاليًا من وجود الترانزستورات جزءًا لا يتجزأ من الدوائر المتكاملة.

ويعد الترانزستور هو اللبنة الأساسية للأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهو موجود في كل مكان في النظم الإلكترونية الحديثة. وتعود براءة اختراعه إلى يوليوس ليلينفلد الذي اخترع ترانزستور يسمى «field-effect transistor» عام 1926، ولكنه لم يتمكن في ذلك الوقت من بناء جهاز يعمل بهذا الترانزستور.

وكان أول جهاز يجري تنفيذه عمليًا يتضمن وجود ترانزستور هو «point-contact transistor» عام 1947 من قبل علماء الفيزياء الأمريكيين جون باردين ووالتر براتين وويليام شوكلي. ويعد اختراع الترانزستور ثورة في مجال الإلكترونيات، الذي مهد الطريق لبناء لاسلكي أصغر حجمًا والآلات الحاسبة وأجهزة الكمبيوتر، وغيرها.

وفي عالم التكنولوجيا، فإن أحد أهم الأسئلة الخاصة بالقرن الـ21 هو «إلى أي حد يمكننا تصغير حجم الترانزستور؟».

حدود الحجم

إذا كان هناك حدود لمدى صغر الحجم الذي يمكن أن يكون الترانزستور عليه، فقد نصل إلى النقطة التي لم يعد بإمكاننا بعدها الاستمرار في جعل الترانزستور أكثر قوة والأجهزة أصغر حجمًا وأكثر كفاءة. للعلم فإن صناعة الترانزستور تقدم دخلًا يصل إلى 200 مليار دولار سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية فقط. فهل يمكن لهذه الصناعة أن تتوقف عن النمو؟

في الوقت الحاضر، فإن شركات مثل إنتل، تقوم بإنتاج ترانزستورات يصل عرضها إلى 14 نانومترًا فقط بكميات هائلة، بمعنى آخر فإنها تنتج ترانزستورات حجمها أكبر 14 مرة فقط من جزيئات الحمض النووي، وهي مصنوعة من السيليكون، المادة الثانية الأكثر وفرة على سطح كوكبنا، والذي يبلغ الحجم الذري له هو حوالي 0.2 نانومتر.

ويصل اتساع الترانزستورات اليوم لحوالي 70 ذرة من ذرات السيليكون، وبالتالي فإن إمكانية جعل الترانزستورات أصغر تتقلص فرصها لأننا بدأنا نقترب جدًا إلى أقصى حد للمدى الخاص بتقليص حجم الترانزستور.

وتستخدم الترانزستورات الإشارات الكهربائية – الإلكترونات الحرة التي تتحرك من مكان إلى آخر – من أجل التواصل فيما بينها. ولكن إذا ما تمكنا من استخدام الضوء، الذي يتكون من الفوتونات، بدلًا من الكهرباء، فنحن يمكن أن نجعل الترانزستورات أكثر سرعة. عمليًا، سيكون علينا إيجاد طرق لدمج المعالجة القائمة على الضوء مع الرقائق الحالية، هذا الأمر يعد جزءًا من الجهد الناشئ في العالم حاليًا. ونتحدث هنا عن زيادة الكفاءة والسرعة إلى أكبر مدى ممكن، دون تقليص الحجم.

الضوء داخل شريحة إلكترونية

للترانزستور ثلاثة أجزاء، التي يمكنك التفكير بها مثل أجزاء من كاميرا رقمية. أولًا، تأتي المعلومات إلى العدسة، وهي المماثلة لمصدر الترانزستور. بعد ذلك تنتقل الصورة عن طريق قناة من مستشعر الصورة في العدسة إلى الأسلاك داخل الكاميرا. وأخيرًا، يتم تخزين المعلومات على بطاقة ذاكرة الكاميرا، وهو ما يسمى في الترانزستور «المصرف» – حيث تنتهي هذه المعلومات في نهاية المطاف.

الآن، كل ذلك يحدث عن طريق تحريك الإلكترونات خلال الترانزستور. ومن أجل إحلاله كوسط ناقل، نحن فعلًا بحاجة إلى نقل الفوتونات بدلًا من الإلكترونات.

وتتحرك الجسيمات دون الذرية مثل الإلكترونات والفوتونات في حركة الموجة، تهتز صعودًا وهبوطًا على الرغم من أنها تتحرك في النهاية في اتجاه واحد. ويعتمد طول كل موجة (مقدار سعة  الحركة الاهتزازية بين أقصى نقطتين من كل جهة) على الوسط الذي تسافر خلاله.

في السيليكون، يكون الطول الموجي الأكثر كفاءة للفوتونات هو 1.3 ميكرومتر. هذا الطول الموجي متناهي الصغر، فشعرة الإنسان يبلغ سمكها حوالي 100 ميكرومتر. لكن الإلكترونات في السيليكون أصغر بكثير من الطول الموجي للفوتونات بمقدار 50 إلى 1000 مرة أقصر.

وهذا يعني أن المعدات المخصصة للتعامل مع الفوتونات يجب أن تكون أكبر من أجهزة معالجة الإلكترون الموجودة لدينا اليوم. لذلك قد يبدو أن الأمر سيجبرنا على بناء ترانزستورات أكبر، وليس أصغر. ومع ذلك، ولسببين، يمكن أن نبقي الرقاقات الإلكترونية بنفس الحجم ونقدم في الوقت ذاته المزيد من قوة المعالجة، بل يمكننا تقليص الرقاقات مع توفير نفس القوة.

السبب الأول يعود إلى أن الرقاقة الضوئية تحتاج فقط لقليل من مصادر الضوء، لتوليد الفوتونات التي يمكن استثمارها لاحقًا في جميع أنحاء الرقاقة باستخدام عدسات ومرايا صغيرة جدًا.

والسبب الثاني يعود إلى أن الضوء أسرع بكثير من الإلكترونات. في المتوسط الفوتونات يمكنها السفر حوالي 20 مرة أسرع من الإلكترونات في الرقاقة الإلكترونية. وهذا يعني أن أجهزة الكمبيوتر ستكون 20 مرة أسرع، وهذه الزياد كانت ستسغرق منا حوالي 15 سنة حتى يمكننا الوصول إليها مع التكنولوجيا الحالية المعتمدة على الإلكترونات.

وأظهر العلماء بالفعل تقدمًا نحو الرقائق الضوئية في السنوات الأخيرة. ويكمن التحدي الرئيس في التأكد من أن الرقاقات الجديدة القائمة على الضوء سيمكنها العمل مع جميع الشرائح الإلكترونية القائمة لدينا بالفعل.

وإذا كنا قادرين على معرفة كيفية القيام بذلك الأمر – أو حتى استخدام ترانزستورات معتمدة على الضوء لتعزيز تلك الترانستورات الإلكترونية – فيمكننا أن نرى تحسنًا كبيرًا في الأداء.

لابتوب أو محمول ضوئي

السؤال هنا: متى يمكننا أن نتوقع الحصول على أجهزة حاسوب أو محمول تعمل بالتكنولوجيا الضوئية؟

الإجابة جاءت على لسان أرنب هازاري، طالب الدراسات العليا في الهندسة الكهربية بجامعة ميتشجان الأمريكية. والذي قال «لا يزال لدينا بعض الطرق التي علينا أن نخوضها قبل أن نصل لأول جهاز في الأسواق». وذكر أن الترانزستور الأول في العام جرى اختراعه عام 1907 باستخدام الأنابيب المفرغة من الهواء، التي كان طولها يبلغ عادة ما بين بوصة وست بوصات (في المتوسط ​​10 سنتيمترات).

وبحلول عام 1947، كان نوع الترانزستور المخترع وقتها يبلغ طوله 40 ميكرومترًا (حوالي 3000 مرة أطول من الترانزستور الحالي). وفي عام 1971، كان أول معالج ينزل على المستوى التجاري (وهو مصدر قوة أي أداة إلكترونية) يبلغ حجمه أكثر 1000 مرة من حجم الترانزستور الحالي.

عرض التعليقات
تحميل المزيد