استطاع علماء في أحد المفاعلات النووية الصينية تخليق مادة البلازما في درجة حرارة بلغت 50 مليون درجة كلفن، أي 49.999 مليون درجة مئوية، وذلك لمدة 102 ثانية.

هذه الحرارة تساوي تقريبًا ثلاثة أضعاف درجة حرارة مركز الشمس (تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 5500 درجة مئوية، بينما تبلغ درجة حرارة مركز الشمس حوالي 15 مليون درجة مئوية)، كما أنها تساوي تقريبًا الحرارة المتولدة في مركز قتبلة نووية انشطارية متوسطة الحجم.

التجربة

تمت هذه التجربة الفريدة من نوعها داخل آلة تسمى آلة توكاماك المتقدمة التجريبية فائقة التوصيل أو “Experimental Advanced Superconducting Tokamak“، والتي تعرف اختصارًا باسم “إيست EAST“.

وقد تمت هذه التجربة الأسبوع الماضي في معهد فيزياء البلازما بالأكاديمية الصينية للعلوم في مقاطعة جينانغ سو.

قد كان هؤلاء العلماء يأملون في الوصول للهدف المسبق من هذه التجربة، ألا وهو الوصول إلى درجة حرارة 100 مليون درجة كلفن ولمدة 1000 ثانية، أي حوالي 17 دقيقة. ولكن، الوقت الذي تم الوصول إليه هو 102 ثانية، والذي كانت فيه البلازما تحت التحكم التام، يعتبر وقتًا فريدًا من نوعه.

وعلى الرغم من أن درجة الحرارة التي تم الوصول إليها هنا لا تعد الأكبر، فهناك مفاعلات تجريبية أخرى حول العالم وصلت لحرارة أكبر، لكن المميز في الأمر هو أنه لم يسبق لأي مفاعل أن ولد بلازما لهذه الفترة الطويلة نسبيًّا.

وآلة توكاماك تمثل جهازًا يستخدم المجالات المغناطيسية في محاولة لحصر مادة البلازما في شكل أنبوب دائري معلق لا يمس أيًّا من جدران الآلة، ومن أجل الحصول على توازن ثابت لمادة البلازما فإن هذا يتطلب خطوط مجال مغناطيسي تدور حول هذه الطارة بشكل حلزوني. ويمكن الحصول على هذا المجال عبر إضافة حقل مغناطيسي يتحرك حول الطارة بشكل أفقي، وإضافة حقل مغناطيسي آخر متعامد عليه. في هذه المفاعلات التي تعتمد على طريقة توكاماك يتم جعل البلازما تطفو وسط المفاعل دون أن تلامس أيًّا من أجزائه من خلال مجالات مغناطيسية تحافظ على سير البلازما في مسار دائري.

توكاماك هو اختصار لعبارة روسية تعني “الغرفة الدائرية داخل المستحثات المغناطيسية”. وقد تم اكتشاف هذه الطريقة في فترة الخمسينات من القرن الماضي بواسطة الفيزيائيين السوفيتيين: إيغور تام، وأندريه ساخاروف والتي اعتمدا فيها على الفكرة الأصلية للعالم أوليغ لافرينتييف.

وتعتمد طريقة عمل الجهاز على رفع درجة حرارة البلازما إلى حد الاندماج النووي، فتبدأ أنوية الغازات المتأينة في الاندماج وتوليد طاقة أكبر من الطاقة اللازمة لعملية التسخين، وهنا يجب ألا تلمس هذه البلازما فائقة السخونة أيًّا من مكونات المفاعل، وإلا أتلفت المفاعل وتسببت في برودته نتيجة توقف التفاعلات الاندماجية لفقد الحرارة العالية.

ويذكر أن هذه التجربة تأتي امتدادًا للنجاح الذي حققته مجموعة عمل ألمانية في أحد المفاعلات بألمانيا في بداية الشهر الحالي، فقد تمكنت هذه المجموعة من توليد البلازما ولكن لمدة تقل عن الثانية الواحدة.

أيضًا فإن فرنسا تعمل حاليًا على بناء مفاعل عالمي من أجل توليد البلازما لأطول فترة ممكنة. وربما يكون هذا المفاعل تحت الإنشاء هو أكبر مفاعل للاندماج النووي في العالم.

لتفاصيل أكثر اقرأ هذا التقرير.


الاندماج النووي


وتتمثل فكرة الاندماج النووي في دمج أنوية ذرات صغيرة الوزن إلى ذرات أكبر وتصاحبها كمية هائلة من الطاقة. ومن أجل تلافي قوى التنافر بين أنوية الذرات التي تحمل الشحنة الموجبة وإجبارها على الاندماج، فنحن بحاجة إلى طاقة كبيرة جدًّا، هذه الطاقة يمكن أن نستمدها من تفاعل انشطار نووي. لكن يجب أن نعلم أن الطاقة الناتجة من الاندماج النووي هي أضعاف أضعاف طاقة الانشطار النووي، وبالتالي فإن توليد الطاقة عبر الاندماج أفضل بكثير من حيث كمية الطاقة المتولدة من استخدام المفاعلات النووية الانشطارية التقليدية، والمستخدمة حاليًا حول العالم في توليد الطاقة.

ليس هذا فحسب، ولكن إحدى أهم مميزات الاندماج النووي هو عدم وجود نفايات نووية خطيرة بالمقارنة مع نواتج الانشطار النووي ونفاياته السامة، والتي تمثل عبئًا في التخلص منها والاضطرار إلى دفنها في مناطق نائية.

أضف إلى هذا أن وقود الاندماج النووي متوفر بشكل كبير حولنا، فكميات كبيرة من غازات الهيدروجين والهيليوم توجد بشكل طبيعي حولنا في كل مكان، وهي أشهر وأكثر المواد استخدامًا في التفاعلات الاندماجية، والأقل احتياجًا للطاقة، وذلك لوجود بروتون واحد أو اثنين في النواة؛ مما يجعل طاقة التنافر هي الأقل. لكن الوقود المستخدم في المفاعلات الانشطارية من بلوتونيوم ويورانيوم وهي مواد شديدة الندرة في الطبيعة.

عقبات


وتبدو إحدى أبرز وأهم العقبات للوصول إلى اندماج نووي تحت السيطرة هو التمكن من تخليق مادة البلازما، ووضعها تحت السيطرة لفترة طويلة بحيث يمكننا استغلالها في توليد كميات ضخمة من الطاقة.

المشكلة التي تقابل العلماء حاليًا هي الحفاظ على الحرارة العالية للبلازما، بحيث تستمر التفاعلات الاندماجية ولا تنقطع، وذلك لأن اختلاف السرعة في طبقات البلازما الداخلية والخارجية يسبب حدوث بعض التداخلات التي تقلل من درجة الحرارة؛ مما يجعلنا لا نحصل إلا على طاقة تعوض الطاقة اللازمة للتشغيل دون زيادة في الطاقة يمكن تحويلها إلى كهرباء.
هذا الأمر هو الذي يجعلنا بحاجة إلى المجال المغناطيسي الحلزوني، كما أننا سنكون بحاجة لضخ تيار كهربي في البلازما من أجل العمل على رفع درجة الحرارة قليلًا بالشكل المناسب؛ لتعويض خفض الحرارة الذي تسببه التداخلات.

هناك مشكلة أخرى تكمن في أن تبريد المفاعل لا يسمح بتشغيله المتواصل، وبالتالي فهو يعمل بشكل متقطع، أو في صورة نبضات. هذا الأمر لا يسمح حتى اللحظة بإنتاج طاقة كهربائية منه.

ومن بين العقبات الأخرى، هناك مشكلة الحرارة المتطايرة، إذ تفقد البلازما حرارتها بسهولة، كما أن هناك عددًا من المشاكل الخاصة بالأمان، حيث يحاول العلماء تطوير الآلات والمفاعلات التي يمكنها تحمل هذه الحرارة الفائقة لفترات طويلة.

البلازما

ويمكن وصف البلازما بأنها غاز متأين تكون فيه الإلكترونات حرة وغير مرتبطة بالذرات أو الجزيئات. وهذا يحدث للغازات عند تسخينها لدرجات حرارة عالية جدًّا تصل إلى ملايين الدرجات المئوية، فإذا كانت المادة موجودة في إحدى الصور الصلبة أو السائلة أو الغازية، فإنه يمكن اعتبارها الصورة الرابعة من صور المادة.

وتختلف البلازما في الكثير من خواصها عن الخواص التقليدية للغازات. ليس للبلازما شكل محدد، فهي تأخذ نفس شكل الغاز العادي الشبيه بالغيوم، وقد تتأثر بالمجال الكهرومغناطيسي فتكون لها بنية معينة على صورة خيوط أو حزم أو طبقة مزدوجة، كما أنه من الممكن أن تحتوي على غبار أو حبيبات.

وتمثل البلازما حوالي 99% من المادة الكونية في النجوم والمجرات من حيث الكتلة والحجم. كما توجد بعض الكواكب التي تشكل فيها البلازما الغالبية العظمى، فيعتبر كوكب المشترى مثلًا كتلة هائلة من البلازما.

وتنتج البلازما نتيجة تسخين الغازات إلى درجات عالية جدًّا فتتحول إلى هذه الصورة المتأينة المتميزة. وتتواجد البلازما كثيرًا حولنا مثل البرق وما يسببه من تأين الهواء، وطبقة الغلاف المتأين في غلافنا الجوي، والشفق القطبي، كما أن جميع النجوم هي كرات ضخمة من البلازما وسديم المجرات المختلفة.


المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد