حقق حزب “بوديموس” وحلفاؤه من “الغاضبين” نتائج تاريخية في الانتخابات البلدية الإسبانية التي جرت يوم الأحد، لا سيما اقترابه من رئاسة المجالس البلدية لأكبر مدينتين في إسبانيا مدريد وبرشلونة، وبذلك يكون أول حزب إسباني ينجح في كسر الثنائية الحزبية (الاشتراكيون/ الحزب الشعبي) التي هيمنت على الحياة السياسية الإسبانية منذ عودة الديمقراطية بداية ثمانينيات القرن الماضي.
من يكون “البوديموس” وحلفاؤهم “الغاضبون”؟
حزب “بودموس” (وتعني بالإسبانية “نحن نستطيع”) هو تشكيلة سياسية إسبانية رأت النور سنة 2014، بقيادة الأستاذ الجامعي الشاب “بابلو إغليسياس”، وكان أول ظهور له عبر بيان موقع من ثلة من النشطاء الإسبان يحمل اسم “الأخذ بزمام المبادرة: تحويل الغضب الشعبي إلى تحول سياسي”.
“الكاتب العام لحزب بوديموس بابلو إغليسياس”
ويعود أصل حزب “بوديموس” إلى حركة INDIGNADOS أي الغاضبون التي ظهرت بإسبانيا في مايو من سنة 2011 كجزء من الانعكاسات الغربية للربيع العربي (كحركة Occcupy)، وقد جاءت هذه الحركة كرد فعل اجتماعي مدني سلمي على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بإسبانيا نتيجة تفاقم آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على شبه الجزيرة الإيبيرية والتي أفقدت مئات آلاف الإسبان (كحال الكثير من الأوروبيين) وظائفهم ومساكنهم إضافة إلى جزء من سلة الحقوق الاجتماعية لا سيما مع خطط التقشف التي اعتمدتها الحكومات الإسبانية المتعاقبة من الحزبين الاشتراكي والشعبي.
وقد اعتمدت حركة “الغاضبين” على التظاهر والاعتصام السلميين إضافة إلى الحملات الدعائية سواء على الأرض أو عبر الإعلام أو مواقع الاتصال الاجتماعي للمطالبة بما أسمته الديمقراطية الحقيقية، ورحيل الطبقة السياسية الفاسدة وإنهاء حالة التقشف التي زادت من حدة الأزمة الاقتصادية على الطبقتين الوسطى والفقيرة
وأثناء ذلك الحراك تألق عدد من النشطاء والشبان الذين سارعوا إلى استغلال حالة الغليان الشعبي لتأطيره في جمعيات وأحزاب ذات برامج سياسية واضحة كان أبرزها وأكثرها نجاحًا على الإطلاق حزب “بوديموس” المناهض لليبرالية.
يتكون البرنامج السياسي لحزب بوديموس وحلفائه من أربع نقاط أساسية:
- إعادة هيكلة الاقتصاد الإسباني على أساس اجتماعي مع منح اليد الطولى للدولة لكبح جماح اللوبيات والشركات الكبرى.
- “الحرية، المساواة، الإخاء” بين كل المواطنين الأوروبيين بما في ذلك دفع التعاون بين الشعوب لأقصى مستوى ودحض فكرة “الحدود” في الفضاء الأوروبي المشترك.
- إعادة هيكلة السياسة الأوروبية لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات بين الدول الأعضاء وبروكسيل فيما يخص السياسات المالية والاجتماعية، بصيغة أخرى، وضع حد لما يمليه صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأوربية على الدول الأعضاء من خطط تقشفية مقابل الدعم المالي.
- جعل الاهتمام بالبيئة في قلب كل السياسيات الاقتصادية.
قوة سياسية قادمة
اعتبر كثير من المتابعين ظهور بوديموس السنة الماضية فقاعة سياسية ستنفجر بمجرد نهاية أسباب وجودها، إلى أن الواقع أتبث عكس ذلك، إذ الحزب قام باستعراض قوته العددية في كثير من المناسبات واستمر بدعم مظاهرات حركة الغاضبين، بل الأكثر من هذا كان من الشركاء الأساسيين لعدد من القوى السياسية الجديدة في أوروبا، لا سيما حزب “سيريزا” اليوناني الشهير والذي يقود الائتلاف الحكومي اليوناني حاليًا.
وكان أول محك سياسي حقيقي لتجربة “بوديموس” الانتخابات الأوروبية في صيف 2014، والتي حقق فيها قرابة 8% ولم يمر على تشكيله أكثر من 5 أشهر، ويضم 5 نواب في البرلمان أبرزهم بابلو إغليسياس قائد الحزب.
أما في الانتخابات البلدية التي جرت نهاية الأسبوع الماضي فقط حقق الحزب مفاجأة من العيار الثقيل بحلوله ثالثًا على المستوى الوطني بعد الحزبين التقليديين في إسبانيا (الشعبي والاشتراكي).
هذا وقد شارك الحزب في أغلب الدوائر الانتخابية بمشرحين منتمين إليه، أو عبر مساندة لوائح لجمعيات وأحزاب قريبة له، أو عبر دعمه لنشطاء منتمين لحركة “الغاضبين”.
عدديًّا، جاء الحزب الشعبي الحاكم أولًا بما يقرب من 27%، ويليه الحزب الاشتراكي بـ25%، وقد فقدا تواليًا قرابة الثلث من النتائج التي حصلا عليها في انتخابات سنة 2011.

من مظاهرات حركة الغاضبين
فيما جاء حزب “بوديموس” وحلفاؤه كحزب “المواطنين” إضافة إلى اللوائح المقربة منهما على قرابة 20% من الأصوات، الأكثر من هذا فإن مرشحي هذا التيار السياسي على أعتاب الفوز برئاسة المجالس البلدية لعدد من المدن الكبرى كنافار، ومدريد حيث المرشحة اليسارية مانويا كارمينا ستصير عمدة للمدينة ما لم تخنها لعبة التحالفات، فيما يبقى الوجه الأبرز لهذا الانتصار التاريخي عمدة برشلونة المحتملة أدا كولاو الناشطة الشهيرة بدفاعها المستميت عن فاقدي السكن بالمدينة والوجه البارز لحركة الغاضبين.
“عمدة مدريد المحتملة عن حزب بوديموس مانويلا كارمينا”

الناشطة في حركة الغاضبين وعمدة برشلونة المحتملة أدا كولاو
امتحان نونبر المؤرق
ويبقى المحك القادم لحركة بوديموس وحلفائها هي الانتخابات التشريعية في إسبانيا في نوفمبر القادم، الأولى منذ بدأ الحركات الاحتجاجية بذلك البلد، إذ إنها ستمكن من تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، ومن يدري، ربما قد تحمل بابلو إغليسياس إلى رئاسة الوزراء وبالتالي خلق حليف قوي لحكومة سيريزا اليونانية، وربما تغيير شكل السياسية الأوروبية بصفة جذرية.
“إغليسياس وتسيبراس أثناء الاحتفالات بفوز سيريزا بالانتخابات التشريعية اليونانية”
اقرأ أيضًا: لماذا يقلق العالم من فوز اليسار في اليونان؟ 6أسئلة تشرح لك
علامات
أوربا, إسبانيا, الأزمة الإقتصادية, الإنتخابات, الحراك الإجتماعي, الغاضبون, اليونان, برشلونة, بلدية, بودموس, سيريزا, مدريد