مثل الكثير من نجوم الكرة العالمية، تحضر المواقف السياسية في حياة اللاعبين المسلمين في أوروبا ممن يحملون جنسيات أجنبية غير عربية، فمنهم من يجد نفسه متورطًا في معركة سياسية وقومية واتهامات بدعم «ديكتاتور»، وآخر يدفع ضريبة دعمه الصريح لفلسطين، وثالث يرفض غناء النشيد الوطني لبلد كانت قد احتلت موطنه الأصلي.
غوندوغان لأردوغان.. « كل الاحترام لرئيسي»
السؤال الرئيسي هو ما إذا كان اللاعبان الألمانيان لا يزالان يلائمان منتخب ألمانيا؟ نعم؛ إنهم سياسيًا حمقى، لكنهما عباقرة في كرة القدم
غطت هذه الكلمات الصفحة الأولى من صحيفة بيلد، إحدى أكثر الصحف مبيعًا في ألمانيا، بعد انتشار الصورة التي جمعت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولاعبين ألمانيين من أصل تركي، هما: إيلكاي غوندوغان، ومسعود أوزيل، وكلاهما من أبرز اللاعبين المسلمين في أوروبا وتحديدًا ألمانيا، والتي أصبحت حديث الرأي العام فيها، وأثارت ضجة في الأوساط السياسية والرياضية الألمانية، لدرجة أنها وصلت للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومدرب المنتخب الألماني يواخيم لوف، وهي ضجة ربما لم يتوقعها اللاعبان من تلك الصور التي لم ينشروها على حساباتهم الرسمية لمواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها حظيت بانتشار واسع في وسائل الإعلام الألمانية والتركية، ونشرها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
Cumhurbaşkanımız Recep Tayyip Erdoğan, çeşitli temaslarda bulunmak üzere gittiği İngiltere'nin başkenti Londra'da Premier Lig'de oynayan Türk futbolcu Cenk Tosun, Türk asıllı futbolcu Mesut Özil ve Türk asıllı futbolcu İlkay Gündoğan'ı kabul etti. pic.twitter.com/X3ZY8wwCsa
— AK Parti (@Akparti) May 14, 2018
وترجع القصة إلى يوم 13 مايو (أيار) 2018 عندما استجاب كل من أوزيل و غوندوغان لدعوة لقاء الرئيس التركي أردوغان، الذي يستعد للانتخابات الرئاسية المبكرة المزمع إجراؤها بعد أسابيع قليلة تحديدًا في 24 يونيو (حزيران) المقبل، وأهدى اللاعبان أردوغان قميصهما ملتقطين صورًا تذكارية معه، في العاصمة الإنجليزية لندن.
ولكن قميص غوندوغان بدا مختلفًا عن نظيره أوزيل؛ إذ وقع نجم مانشستر سيتي ومنتخب ألمانيا، على القميص وكتب عليه: « إلى رئيسي.. مع احترامي» ، وهو ما أدى لموجة انتقادات ألمانية ترتكز على محورين:الأول: يتعلق بسؤال حول الانتماء مفاده: «هل أردوغان هو رئيسك أم فرانك-فالتر شتاينماير رئيس ألمانيا هو رئيسك؟»، وهو ما صعدته الصحيفة الألمانية «فيستدويتشه تسايتونج» في تعليق لها قالت فيه: «الأمر بسيط، سيد غوندوغان: رئيسك هو شتاينماير، والمستشارة هي أنغيلا ميركل، والدستور هو القانون الأساسي، وإذا لم يرق لك الأمر، فاخلع قميص (المنتخب الألماني)».
Wer das Trikot der Nationalmannschaft trägt, sollte sich zu den Werten unseres Landes bekennen und nicht Wahlkampf für Despoten machen, die die Pressefreiheit und Menschenrechte einschränken. #Özil #Erdogan pic.twitter.com/W6EReX4rpi
— CSU (@CSU) May 14, 2018
أما المحور الثاني فيتعلق، باستخدامها بشكل غير مباشر في دعم الحملة الانتخابية لـ«أردوغان» الذي يعتبره المنتقدون والخصوم «دكتاتورًا يقمع حرية التعبير والحريات العامة» على حد تعبير الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، المتحالف مع حزب ميركل الحاكم.
وفي هذا الصدد، قال راينهارد غريندل، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم: «إن اللاعبين سمحا لأنفسهما بأن يُساء استغلالهما لصالح حملة أردوغان الانتخابية.. كرة القدم والاتحاد الألماني لكرة القدم يؤمنون بقيم لا يحترمها أردوغان بشكل كاف. لذلك ليس جيدًّا أن يستغلهم ويوظفهم لصالح مناورات حملته الانتخابية»، ووصل الأمر لميركل عندما قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية «إن الموقف أثار تساؤلات ودعا لسوء فهم».
ليرد غوندوغان- المولود في ألمانيا ويحمل الجنسيتين التركية والألمانية- على هذه الاتهامات في بيان قال فيه: «لم تكن نيتنا إطلاق بيان سياسي مع هذه الصورة، ناهيك عن القيام بحملة انتخابية.. رغم النقد المشروع، اخترنا لفتة مجاملة احترامًا لمكتب الرئاسة وجذورنا التركية – وباعتبارنا مواطنين ألمانيين أيضًا، مع مراعاة العلاقات المتوترة حاليًّا بين البلدين، لم نعلن عن الاجتماع عبر قنواتنا الاجتماعية.. كلاعبين دوليين ألمان نلزم أنفسنا بقيم الاتحاد الألماني لكرة القدم ونعلم ما هي مسؤوليتنا. حياتنا هي كرة القدم وليست السياسة».
مسعود أوزيل.. زائر أردوغان الذي تخلى عن جنسيته التركية
لم يسلم أوزيل الذي اكتفى بصورة مع أردوغان دون توقيع مُشابه لتوقيع جوندوجان من موجة الانتقادات، فأصبح اللاعبين في نفس مرمى الانتقادات، ونشر أوزيل صورة جمعته مع غوندوغان، واللاعب التركي جينك توسن مهاجم إيفرتون، الذي حضر بدوره اللقاء مع أدروغان، ليغرد عليها قائلًا: «صحبة جيدة هذا المساء».
In good company this evening… 😉🇩🇪🇹🇷 @IlkayGuendogan👨🏻 @CenkTosun_ pic.twitter.com/EaiLpKl2I8
— Mesut Özil (@MesutOzil1088) May 13, 2018
ومع أن الصورة لم تتضمن أي وجود لأردوغان، إلا أنها لاقت تعليقات ألمانية منتقدة للقائه بأردوغان، ووصل الأمر ليواخيم لوف، مدرب منتخب ألمانيا، الذي أبدى تفهمه بوجود أحيانًا «قلبين نابضين» للاعبين من جذورأجنبية، في إشارة إلى تعلق بعض اللاعبين أحيانًا بجذورهم، مُضيفًا في مؤتمر صحافي: «أنا أعرف اللاعبين منذ وقت طويل، ولقد فعلوا الكثير من أجل الاندماج ، وهذا درس لهم نستطيع مناقشته مجددًا في التدريب».
ولم يُخطئ لوف بشأن فكرة سعي اللاعبين للاندماج، وبالأخص أوزيل، الذي حاز على جائزة الاندماج (بامبي) لعام 2010، بعد ثلاثة أعوام من تخلي أوزيل المولود في ألمانيا عن جنسيته التركية في 2007، والحصول على الجنسية الألمانية في وقت لم يكن يسمح القانون الألماني حينها بحمل جنسيتين.
ولكن الموقف الأخير، دفع بعض المنتقدين إلى القول «إن اللاعبين أضرا بشكل كبير بعملية الاندماج داخل ألمانيا» وفقًا لما يراه جيم أوزدمير الزعيم السابق لحزب الخضر، فيما لفتت صحف ألمانية بأن إيمري تشان، اللاعب الألماني، ذا الأصل التركي، نجم نادي ليفربول الإنجليزي، تلقى نفس الدعوة للقاء أردوغان، ولكن تشان رفضها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد لإجراء أكثر من استطلاع رأي في الشارع الألماني لإظهار موقفهم تجاه زيارة أوزيل وغوندوغان، وأظهر أحد استطلاعات الرأي أن 70% من اللألمان رأوا أن الزيارة «غير مقبولة مُطلقًا»، فيما كشف آخر تأييد 36% من الألمان حذف اللاعبين من قائمة المنتخب الألماني.
وبعيدًا عن زيارة أردوغان فإن أوزيل نجم نادي الأرسنال الإنجليزي، كان له موقف لافتًا بشأن القضية الفلسطينية، عندما تبرع لأطفال غزة بالمكافأة المالية المقدمة له من المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الألماني، بعد الفوز بكأس العالم لعام 2014، الذي أُقيم في البرازيل، حيث قرر أوزيل أيضًا بناء أربعة مساجد للمسلمين.
كانوتيه.. أحد أكثر اللاعبين المسلمين في أوروبا دعمًا لفلسطين
وبينما، تبرع أوزيل لأطفال غزة، دفع اللاعب المالي المسلم فريدريدك عمر كانوتيه، نجم إشبيلية الأسباني السابق، ضريبة تضامنه مع فلسطين؛ فعندما أحرز كانوتيه هدفًا لفريقه أمام ديبرتيفو لاكورونيا، في كأس ملك إسبانيا، احتفل بالهدف كاشفًا عن قميص يرتديه، كُتب عليه كلمة «فلسطين» بخمس لغات، تضامنًا مع فلسطين عقب العدوان الإسرائيلي عليها في 2008، وهو ما دفع حكم المباراة إلى توجيه إنذار لكانوتيه.
وامتد الأمر للاتحاد الإسباني لكرة القدم، الذي اعتبر تصرف أفضل لاعب أفريقي عام 2007، مخالفًا للوائحه ولوائح الفيفا التي تحظر إقحام السياسة وتوجيه رسائل سياسية على أرض الملعب، ليوقع عليه غرامة في 2009، قدرها 3 آلاف يورو، كانت الأولى من نوعها بإسبانيا بسبب مخالفة كهذه.

كانوتيه يتضامن مع فلسطين عقد العدوان الإسرائيلي عليها في 2008
كان كانوتيه من أشهر اللاعبين المسلمين في أوروبا وقتها، وبعد اعتزاله لعب كرة القدم نهائيًا، عام 2013، لم يتوقف عن إظهار دعمه الواضح والصريح لقضية فلسطين؛ فعقب هجمات باريس التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وأسفرت عن مقتل 129 شخصًا، أعرب كانوتيه عن تعاطفه مع ضحايا هجوم باريس، واصفًا إياه بـ«بالكارثة» ، وأضاف في حواره مع صحيفة ماركا الإسبانية: «ولكن مثل هذه الأمور تحدث كل يوم في أجزاء أخرى من العالم، مع ذلك فحياة المواطن الفرنسي ليس لها قيمة أكبر من حياة الطفل الفلسطيني» مُشيرًا: «في عام 2008 كان دعمي لفلسطين؛ بسبب حدث أسوأ ألف مرة مما جرى في فرنسا، وفي النهاية تعرّضت للعقاب والتغريم».
ونفى كانوتيه دعوة الإسلام للعنف؛ «الإسلام هو دين السلام ويأمرنا أن نعيش في سلام مع الجميع، مسلمين ومسيحيين» مُرجعًا سبب ما حدث في فرنسا إلى: «مشاكل اجتماعية تراكمت لسنوات عديدة بين الشبان، وليس الدين هو السبب في ذلك، كما يستغل أناس كثيرون ذلك ويغتنمون هذه الفرصة للاتهام والقول إنها حرب دينية».
واشتهر كانوتيه بمواقفه الدينية التي تمسّك فيها بإسلامه، من بينها منعه لإغلاق المسجد الوحيد في مدينة إشبيلية الإسبانية ؛ فبعد انتهاء العقد الذي أبرمه مسلمون في المدينة لاستغلال أرض مُقام عليها المسجد، عرضه مالكو الأرض للبيع، ليشتريها كانوتية بـ700 ألف دولار ويمنع بذلك إزالة المسجد.
وفي موقف آخر رفض كانوتيه ارتداء قميص فريقه؛ لوجود إعلان لموقع شركة مقامرة، وحاولت الشركة إقناعه بذلك بالتبرع لجمعية خيرية إسلامية، ولكنه لم يغير رأيه وخضعت في النهاية إدارة النادي لعدم وضع الإعلان على قميصه.
بنزيمة يرفض ترديد النشيد الوطني الفرنسي «لأنه يدعو إلى الحرب»
هل تسمعون في جميع أصقاعنا، عواء هؤلاء الجنود الهمجيين؟ الذين يأتون حتى أسرّتنا؛ لذبح أبنائنا ونسائنا.. إلى السلاح، أيها المواطنون.. شكّلوا صفوفكم.. فلنزحف فلنزحف.. وليتشبّع تراب أرضنا من دمائهم القذرة.
مع بداية كل مباراة للمنتخب الفرنسي، يردد اللاعبون تلك الكلمات الحربية على أنغام النشيد الوطني الفرنسي، مع المدرب والجماهير الفرنسية، ولكن الأمر يبدو مختلفًا للاعب الفرنسي، ذي الأصل الجزائري، كريم بنزيمة، فيظل صامتًا دون أن يُردد مع زملائه النشيد الوطني لفرنسا التي احتلت سلفًا بلده الأصلي الجزائر.
فبنزيمة لاعب ريال مدريد، الذي شارك مع منتخب فرنسا في مباريات كأس أمم أوروبا عامي 2008، و2012، ومباريات كأس العالم، عامي 2010، و2014 يصر على عدم ترديد النشيد الوطني الفرنسي، دون إعلان السبب، بشكل أثار انتباه الصحافة، قبل أن يُفصح بنزيمة صراحةً عن سبب ذلك، في لقاء صحافي أجراه مع صحيفة ماركا الإسبانية في أبريل (نيسان) الماضي، انتقد فيه النشيد وقال: «إذا استمعت للنشيد الوطني(الفرنسي) فإنه يدعو للحرب وأنا لا أحب ذلك» مُبررًا بذلك عدم ترديده للنشيد الوطني.
وأدى عدم ترديد بنزيمة للنشيد الوطني الفرنسي إلى انتقادات من ماريان لوبان، المرشحة اليمينة، في انتخابات الرئاسة الفرنسية لعام 2017، قالت فيها : «أي مجنون منحهم الجنسية الفرنسية سواء لهم أو لأهلهم، هناك بعض اللاعبين يفلعون هذا (عدم ترديد النشيد الوطني) بشكل واضح، الرياضيون الكبار يجب أن يكونوا قدوة؛ فإذا عبروا عن ازدرائهم لفرنسا فلا يستحقون أن يكونوا قدوة ومنهم كريم بنزيمة».
بعيدًا عن الأضواء.. اللاعبون المسلمون في صربيا
وبعيدًا عن أضواء اللاعبين المسلمين في أوروبا من المشهورين، فقد فعل اللاعب الصربي المسلم آدم لياليتش، ما فعله بنزيمة، بعدم ترديد النشيد الوطني الصربي، فلاعب تورينو الإيطالي، شارك في مباراة كانت الأولى للمنتخب الصربي، عام 2012 وعلى ما يبدو أنها الأخيرة، بعدما رفض ترديد النشيد الوطني الصربي؛ لأنه «يحتوي على كلمات شكر للآلهة الإغريقية ويطلب مساعدتها في النجاح، وهو الأمر الذي يخالف العقيدة الإسلامية»، بحسبه.
ليكون الرد قاسيًا من الاتحاد الصربي ومدرب المنتخب باستبعاده من معسكر المنتخب، ليس لأسباب فنية وإنما بسبب تمسكه برفض ترديد النشيد الوطني الصربي، مع إمكانية العودة للمنتخب إذا ما غيّر اللاعب رأيه وهو ما لم يفعله اللاعب ليُغادر المنتخب.
ويبدو أن صربيا لا تخلو من اضطهاد للاعبين مسلمين، ففي عام 2011، طرد الحكم اللاعب البوسني علي حاجيتش، بعدما سجد على الأرض، قائلًا بعفوية «الله أكبر»، احتفالًا بهدف أحرزه في الدوري الصربي، قبل أن يصادق اتحاد الكرة على قرار الحكم ؛ «لتلفظ اللاعب بأقوات تُثير النعرات العرقية» ، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل قرر الاتحاد الصربي منع حاجيتش من اللعب لمدة عامين قابلة للتمديد.