كانت آخر تحركاته التي أثارت جدلًا كبيرًا دعوة وجهها لنواب البرلمان الجزائري للتنقل رفقته إلى بورما لدعم أقلية الروهينجا المسلمة التي تتعرض لحملات إبادة من طرف الحكومة هناك، بالإضافة إلى استعداده للتكفل بمصاريف تذاكر الطيران وطلبات التأشيرة لدى سفارة بورما.

رشيد نكاز، أو كما يُلقّب في أوروبا بـ«محامي المنقبات»، هو أحد الشخصيات التي طالما أثارت من حولها الجدل سواء في فرنسا أو في بلده الأصلي الجزائري، وبين صفة رجل الأعمال الثّري من جهة، وصاحب المواقف المُدافعة عن المسلمين في فرنسا من جهة أخرى، بالإضافة إلى مطامحه السياسية العابرة للقارات، نجح نكاز في أن يجعل من شخصيته محور عديد المقالات والحصص التلفزية والإذاعية.

النشأة الأولى وطريقه نحو الثروة

جزائري الأصل، فرنسي المولد، حلّ بهذه الدّنيا يوم التاسع من يناير (كانون الثاني) 1972 بمدينة «شوازي لو روا» ابنًا تاسعًا لأم قبائلية من نواحي ولاية بجاية وأب من عين مران الواقعة على مسافة 40 كم من مدينة الشلف، رحلا إلى فرنسا منذ سنة 1950 ليستقرا بأحد أحيائها الشعبية.

ورغم أمية الأبوين، وامتداد العائلة التي تضم 12 ابنًا، درس نكاز التاريخ والفلسفة بجامعة السوربون بالعاصمة باريس ونال منها درجة الماجستير حول موضوع اهتم ببدايات جامعة الدّول العربية وسنوات ميلادها الأولى. يتحدّث رشيد أربعة لغات وهي العربية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية، ومتزوّج من أمريكية مسلمة تعمل في مجال التّرجمة، وله منها ابن وحيد.

انطلقت مسيرته المهنية بإصدار كتاب أول رفقة صديقه الفرنسي من أصل هندي «ليونارد أنتوني» سلّط الضوء عن شباب الضواحي الباريسية وصعوبة اندماجهم في المجتمع الفرنسي، تبعه كتاب آخر حول البورصة والصعوبات التي يلاقيها صغار المُساهمين، وتم تشريك عشرة شباب من قاطني الأحياء الشعبية الذين يمرّون بصعوبات في كتابته، وهو ما أهل هؤلاء الشباب لأن يُصبحوا «خبراء في قراءة أسهم البورصة وتوقع تقلباتها قبل الخبراء أصلًا»، كما أوردت صحيفة الإكسبريس الفرنسية في تقديمها لهذا المُؤلّف.

تواصلت تجربة نكاز في إصدار الكتب باللغة الفرنسية وكان كتابه الثالث، عبارة عن محادثات مع رؤساء دول مجموعة السبع، حول آمال الشباب للألفية الثالثة وموضوع السلم في العالم، ويُعتبر هذا الكتاب خلاصة مشروع «Millenarium».

يقول نكاز في حديثه عن هذا المشروع : «الأمر لم يكن هينًا، كنت أنا وصديقي «ليونارد أنتوني» من دولة الهند، قد أسسنا في الأول موقعًا على الإنترنت اسمه «ميليناريوم» بسبع لغات، حتى يبلغ العالمية، وتمكنا من خلاله جمع أزيد من 200 ألف سؤال من مختلف الناس المنحدرين من كل بقاع العالم، يتساءلون عن مصير الإنسانية والاستفسار عن بعض القضايا والأحداث المحيرة، وبعدها أدرجناها بكتاب «ميليناريوم.. أي مستقبل للبشرية؟».

ويتابع في حديثه لصحيفة الشروق الجزائرية: «كنت طموحًا جدًا إلى درجة أني كنت أراسل البيت الأبيض من حيي البسيط بفرنسا، وتوصلت إلى أن أبرق أزيد من 1500 رسالة حتى تمكنت من لقاء رئيس أعظم دولة في هذا العصر، وهو بيل كلينتون، حينما كان على رأس الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2000 بداية القرن 21».

«اقترحت مشروع كتاب على جاك شيراك (الرئيس الفرنسي الأسبق)، إلا أنه رفض المقترح. أخذت هاتفي واتصلت بالمنزل الأبيض وانتهى بي الأمر لمقابلة بيل كلينتون. وافق بيل كلينتون فتبعه جاك شيراك.. لا أحد يمكن أن يكون نبيًا في أرضه». *رشيد نكاز في مقال كتبه لصحيفة أغورافوكس الفرنسية حول مشروع ميليناريوم

وإثر مرحلة كتابة الكتب، استثمر نكاز الطّفرة التكنولوجية ومواكبته لها ليؤسّس صحبة رفيق دربه شركة ناشئة  ناشطة في مجال الاستشارة وتصميم وتطوير مواقع الويب سنة 1998 اسمها «Vudunet» قبل أن يبيعها لينطلق في الاستثمار في مجال العقارات الذي أدخله إلى نادي الأثرياء.

محامي المُنتقّبات والأقليات

باستثناء الجاليات المسلمة في فرنسا وربما الدّول المُجاورة؛ لم يكن الرأي العام العربي يعرف رشيد نكاز إلى حدود تصدّره المشهد باعتباره أحد أبرز المُتصدّين للتضييقات التي فرضت على المنتقبات؛ مشروع حظر غطاء الوجه في الأماكن العامة تم عرضه على مجلس الشيوخ الفرنسي في 14 سبتمبر (أيلول) 2010، بخصوص حظر أغطية الوجه الكاملة مثل النقاب، والبرقع وأي أغطية كاملة تخفي معالم الوجه بالكامل، في الأماكن العامة، وكانت أبرز المبررات التي جاءت بهذا القرار هي عدم قدرة الآخرين من تحديد هوية الشخص الذي يغطي وجه مما يسبب الكثير من المشكلات والمخاوف في الأماكن العامة، وأصبح هذا القانون ساري المفعول منذ 11 أبريل (نيسان) 2011.

بروز نكاز كان من خلال تطوّعه لدفع الغرامة التي فرضها هذا القانون على أي امرأة تخالف القانون وتتعمد إخفاء الوجه بحجاب أو قبعة أو قناع في الأماكن العامة، والشوارع والحدائق العامة ومحطات القطار والمتاجر في فرنسا وغيرها من الدّول الأوروبية التي حذت حذوها، وقد تبلغ قيمتها 150 يورو.

وبعد تأسيس جمعية «لا تمسّ دستوري» باعتباره إطارًا للتحرّك حول هذا الموضوع؛ أنشأ صندوقًا يحمل اسم «الدفاع عن العلمانية والحرية» خصص له مبلغًا بقيمة مليون يورو، موجّهًا لدفع الغرامات بحق النساء لارتدائهن البرقع في الأماكن العامة، في كامل أنحاء العالم.

Embed from Getty Images
نكاز رفق منتقبتين بعد خلاص غرامتهما

ولم ينته الموضوع في حدود النقاب والبرقع؛ فخلال صيف 2016، بادرت عديد البلديات الفرنسية إلى منع البوركيني على شواطئها بتعلة مكافحة الإرهاب وهو ما أعاد موضوع استهداف النساء المسلمات في الفضاء العام الفرنسي التي كانت سباقة مرّة أخرى في تبني قرارات استنسختها دول أوروبية أخرى من بعدها في هذا الصدد.

ومرّة أخرى؛ تصدّر نكاز المشهد بعد أن قرر التكفل بدفع غرامات جميع المسلمات اللواتي يرتدين هذا اللباس في الشواطئ الفرنسية، والتي تبلغ قيمتها 38 يورو على كل من ترتدي البوركيني.

وفي الوقت الذي تتهمه فيه بعض الأطراف بالاستثمار السياسي في مشاكل المسلمات مع الحكومات الغربية وخاصّة الفرنسية، يقول نكاز بأن دافعه الأساسي لمساعدتهن هو حقوق الإنسان، وفق ما يصرّح به للإعلام الفرنسي، مُؤكّدًا أنّه يتحاشى القول بأن مُساعدته لهن نصرة للإسلام حتى لا يتم اتهامه بأنه إسلامي متطرف، وهو ما سيعسّر عليه إمكانية المساعدة، وفق تعبيره.

نكاز على شاطئ كان في تحدٍّ لقرار حظر البوركيني

وفي هذا الإطار، يُتابع لصحيفة الشروق قائلًا: «نويت تلك الأموال لوجه الله، وإحقاقًا للحرية، والدليل على ذلك أنه إذا تم مضايقة اليهود في فرنسا بمنعهم من ارتداء لباسهم الديني سأساندهم وأدعمهم بأموالي، وهذا كوني مسلمًا، والقرآن يحثني على أن أحترم الديانات وأساعد الذميين».

وفي السياسة أقل حظًّا

لم يكن نشاطه الجمعياتي والحقوقي المجال الوحيد الذي نجح من خلاله نكاز في أن يثير من حوله الجدل، إذ كانت له مُغامرات سياسية أطرف ما فيها أنه أراد أن يحكم دولتين مُختلفتين، بل دولتين كانتا حتى وقت قريب محكومتين بعلاقة المُستعمر والمُستعمَر.

في سنة 2006، أعلن رجل الأعمال الفرانكو جزائري ذو الـ 34 سنة – وقتها – عن نيته الترشّح للانتخابات الرئاسية الفرنسية في نسختها التي دارت سنة 2007 مُقدّمًا نفسه على أنه المُرشّح الوحيد الذي ترعرع في الأحياء والمناطق الشعبية.

أنشأ ائتلاف جمعيات «banlieus respect» (احترام الضواحي) لينشط في الأحياء الشعبية المليئة بالمهاجرين والتي عجزت الدولة الفرنسية عن التعاطي الأمثل معها، ثم انطلق في جمع تواقيع رؤساء البلديات الضرورية لإتمام ملف ترشيحه الرئاسي.

ورغم نجاحه الأوّلي في تحصيل 521 وعدًا بالدعم من رؤساء البلديات، تراجع عدد منهم ليفشل نكاز في إكمال الـ 13 توقيعًا الأخيرة التي تفصله عن الـ 500 التي يفرضها القانون ليتلاشى حلمه بخوض سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

تواصلت طموحات نكاز السياسية بخوضه الانتخابات التشريعية سنة 2007 تحت يافطة حزب حمل اسمه إلا أنه لم يحصد ما يُذكر من الأصوات، الأمر الذي دفعه لتغيير اسم الحزب لـ«التجمع الاجتماعي الديمقراطي» الذي خاض به لاحقًا الانتخابات البلدية والذي تحصّل به على 5% من أصوات ناخبي بلدة أورلي.

وفي أبريل (نيسان) 2012، حاول نكاز مرّة أخرى الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية ولكن من بوابة الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي التي لم يستطع خوضها لعجزه عن جمع التزكيات اللازمة.

وبعد تلاشي حلم حكم فرنسا، غير نكاز قبلته نحو موطنه الأصلي الجزائر. في يونيو (حزيران) 2013؛ أعلن عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية لسنة 2014 وكان من بين الخطوط العريضة لبرنامجه تغيير العاصمة نحو ولاية الجلفة الداخلية وإلغاء الخدمة العسكرية وتكوين جيش احترافي وتخصيص منحة عشرة آلاف دينار للعائلات الفقيرة والتخلي عن الراتب إذا فاز.

Embed from Getty Images
نكاز خلال أحد أنشطته السياسية بالجزائر

ورغم تخليه عن جنسيته الفرنسية، لم يكن الوضع بالجزائر أفضل حالًا إذ وجد نفسه مرّة أخرى أمام عائق التزكيات. يقول نكاز إنه تعرّض لمُؤامرة حاكتها الأطراف التي تخشى التغيير والإصلاح وسرد أطوارها لمحطة «CNN» قائلًا:

«لقد دخلت إلى المجلس الدستوري يوم الرابع من مارس (آذار) على الساعة العاشرة مساء بالسيارة التي كانت تحمل 62000 توقيع، وهذا أمام مرأى عشرات الصحفيين، ورجال الأمن، وأمام كاميرات المراقبة، والتوقيعات كان مقررًا أن تخرج مباشرة من السيارة، ولكن شخصًا من المجلس طلب من شقيقي أن يركن السيارة، في حين كنت في الطابق الأول أنتظر، ووقتها خرج شقيقي بالسيارة في حدود الساعة العاشرة و25 دقيقة من المجلس الدستوري، وفي اعتقاده أنني مع رئيس المجلس الدستوري، ولا أحد وقف في طريقه ومنعه من الخروج».

ويُؤكّد نكاز أن مجهولا هاتف أخاه طالبًا منه الالتحاق به في محطة المسافرين بمنطقة «الخروبة» بالجزائر العاصمة، ليمنحه 11 ألف توقيع ادعى أنها بحوزته وعليه أن يسلمها له فورًا، إلا أنه، وحسب روايته كان فخّا إذ اعترض طريقه مُسلّحون (أسلحة بيضاء) وافتكوا منه الاستمارات وهو ما أدى إلى إقصائه من السباق بحجة عدم اكتمال الملف.

يُذكر أن نكاز كان قد قدّم منذ سنة 2014 القانون الأساسي لحزب سياسي جديد تحت اسم «حركة الشباب والتغيير»، إلا أنه لا يزال في انتظار الحصول على موافقة وزارة الداخلية الجزائرية لتأسيسه.

المصادر

تحميل المزيد